أبـو على
2014/01/20, 08:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
http://farm3.static.flickr.com/2039/2214481840_2c27a028a9.jpg
هذا مقال لفضيلة الشيخ عبد اللطيف الشويرف كتبه فى جريدة الليبى عام 1960ميلادى
الأمّ الرؤوم التي أرضعتنا بلبانها الحرّ، والأرض الطيبة التي غذّتنا بخيراتها المباركة، والصدر الحنون الذي احتضننا بحبه الكبير، هي تاريخنا الذي سجّل عظمة أمجادنا، وهي الذكريات التي تعطرت بنفحات ماضينا، وهي البطولات التي شهدتها كلّ بقعة في ساحاتنا.
كل حبّة من ترابها نلثمُها بشفاه العشق لثماً، وكل ذرة من كيانها نفديه روحاً ودماً، وكلّ أنَّةٍ من أوجاعها يتداعى لها سائر جسدنا بالحمى والسهر.
هي نبضنا الذي يضرب في عروقنا، ولا حياة لقلب بلا نبض، وهي الهواء الذي يتردد بين ضلوعنا، ولا أنفاس لرئة بلا هواء، وهي الوجه الذي يُعرّف بشخصيتنا ، ولا شخصيّة بلا وجهٍ تنعكس عليه.
دعامة التثبيت لخيمة البحر الأبيض المتوسط، وبوابة الدخول إلى فجاج القارة الإفريقية السمراء، وجسرُ العبور الذي يربط ضفّة الشمال بضفّة الجنوب، كأنها مشتقة من اللُّبّ لأنها قلب العروبة وخلاصتها النقيّة، أو كأنها مأخوذة من التلبية لأنها الاستجابة الصادقة، والنجدة الأبية، أو كأنها منحدرة من اللَّبوة لأنها أمّ الأسود، ومربيّة الأشاوس المغاوير.
همزة الوصل الجامعةُ بين شرق الأمة العربية وغربها، ومنطقة وسطها المختارة التي هي أحسن المناطق وأعدلها، ويتيمةُ عقدها التي تحلّي جيدها، وتضفي عليها الروعة والجمال، فهي كالزيتونة المباركة، لا شرقية ولا غربية، أو كنقطة تقاطع الطريق تلتقي عندها كل الاتجاهات الفرعية، أو كقطب ارتكاز الدائرة تنطلق منه كل الأقطار.
رضِيتْ في قناعة أن تكون قنطرة بين طرفي الوطن الكبير ما دامتْ قنطرتها تصل ولا تقطع، وتربط ولا تفصل، وصبرت في احتساب على قسوة الطبيعة، وشظَف العيش، ما دامت تضمّ في صدرها الجناحين، وتحرك الذراعين، وغبطت إخوانها على خِصبهم وغناهم، ولم تطو في قلبها حسداً عليهم؛ لأنها تعلم أن رخاءهم رخاؤها، وسعادتهم سعادتُها.
حاول أعداؤها أن يزيفوا فصيلة دمها فأبى دمها إلاّ أن يصرخ بانتمائه العربيّ، وضربوا حولها حصاراً لعزلها عن إخوانها فما زادها الحصار إلاّ اعتزازاً بعروبتها، وتمسّكاً بارتباطها الأسريّ، ورسموا لها حدوداً ليخنقوا في داخلها أنفاساً فكانوا كمنْ يرسم في الماء، ويخطّ في الهواء، ويقيم جداراً بطوب الخيال.
بقيَتْ على الرغم من كيد الكائدين جبهةً من جبهات الأمة الواحدة، وارتفعت على الرغم من مؤامرات المتآمرين حصناً من حصون الإسلام المنيعة، واستمرت على الرغم من عقوق بعض الأقربين فرْعاً من فروع الشجرة الزكيّة، وظلت على الرغم من محاولات الكسر عوداً صلباً في حزمة الوحدة المباركة.
لا نقول: كم أعطتنا ؟ لأنها أعطت كل شيء ، ولم تبخل بشيء.
ولا نسأل: هل أخلصت لنا ؟ لأنها الإخلاص كله، والعهد الوفيّ.
ولكن نقول: كم أعطيناها نحن؟ وهل وفّيناها حقها أو بخسناه؟ وهل بادلناها إخلاصاً بإخلاص أو خنّا عهدها ونبذناه؟
وَصَفُوها - سخريةً - بصندوق مغلق من الرمال، وما علموا أن رمالها تربةُ البطولات، ومنبت الشجعان، ورموها - استصغاراً - بقلّة السكان، وجهلوا أن هذا القليل في النائبات كثير، وعيّروها - احتقاراً - فقرَها الماديّ، ونسوا غناها المعنويّ الذي يفوق كل غِنىً، وما دامت في نظرهم صندوقاً من الرمال فلماذا يتكالبون عليها وليس في الدنيا أرخص من التراب؟!
وما دامت في حسابهم فقيرة فلماذا يتنافسون على استكشاف كنوزها ويتشمّمون في نهَمٍ ريح نفطها الجذّاب؟ وما دامت في تقديرهم قليلة السكان فمن الذي استدعاهم ليُكملوا نقصها ويكثروا عديدها؟
فنحن ضنينون بهذا الصندوق المغلق، لا نبيع الحبة من رمله بزنتها ذهباً، ونحن قانعون برزقنا لا نطلب من أحد صدقةً ولا إحساناً أبدا، ونحن مكتفون بعددنا القليل؛ لأن مقياس الرجال عندنا بالكيف والمعيار لا بالكمّ والمقدار.
فأحبوا - أيها الليبيون - ليبيا من قلوبكم فإن حبّ الوطن من الإيمان، ودافعوا عنها بكلّ قواكم فإن الدفاع عنها دفاع عن ثغر من ثغور الإسلام، وضحّوا من أجل بقائها بالمآقي والمهج ففي بقائها بقاؤكم، وفي ذهابها ذهابكم.
وإياكم ثم إياكم أن تفصلوها عن جسدها فإن العضو لا يعيش إذا انفصل عن الجسد، أو تنزعوها من كيانها فإن الجزء لا يمكن أن يستقل عن الكلّ، أو تقطعوها من رَحِمها فتكونوا كالذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض.
واحذوا من فتنة المارقين الذين يخوّفونكم من إخوانكم فإنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه، وانتبهوا إلى مكر أعدائكم الذين يُوغرون صدوركم على الجيران ويسعون للوقيعة والهِجران، ولا تُنصتوا إلى أبواق الدعاية المسمومة التي تصدكم عن القريب، وترغّبكم في البعيد.
واعلموا أن ليبيا ليست سلعة مطروحة للبيع حتى تعرض في سوق المزايدات والمساومات، وليست مشروعاً استثماريّاً حتى تُكرى بالعقود، وتؤجّر بالمعاهدات، وليست ساحة مستباحة يطمع فيها كلّ معربد، ويستحلّها كلّ أفّاك أثيم.
ولا بدّ من أن يفسد بيعٌ تمّت صفقته بالباطل والغشّ، ويُفسخَ عقد أُبرِم تحت حِراب القوة والبطش، ولا بدّ من أن يعود الحقّ المغتصب إلى أهله المظلومين، ويرجعَ المتاع المسروق إلى أصحابه الشرعيين، وتتطهّر ليبيا من رجس الدخلاء والمحتلّين.
http://farm6.static.flickr.com/5126/5364708357_49288e32c3_z.jpg
اللهم احفظ ليبيا وشعبها اللهم احفظ الامة واكشف الغمة وردنا اليك ردا جميلا حميدا اللهم لا تؤاخذنا بسوء افعالنا
السلام عليكم
http://farm3.static.flickr.com/2039/2214481840_2c27a028a9.jpg
هذا مقال لفضيلة الشيخ عبد اللطيف الشويرف كتبه فى جريدة الليبى عام 1960ميلادى
الأمّ الرؤوم التي أرضعتنا بلبانها الحرّ، والأرض الطيبة التي غذّتنا بخيراتها المباركة، والصدر الحنون الذي احتضننا بحبه الكبير، هي تاريخنا الذي سجّل عظمة أمجادنا، وهي الذكريات التي تعطرت بنفحات ماضينا، وهي البطولات التي شهدتها كلّ بقعة في ساحاتنا.
كل حبّة من ترابها نلثمُها بشفاه العشق لثماً، وكل ذرة من كيانها نفديه روحاً ودماً، وكلّ أنَّةٍ من أوجاعها يتداعى لها سائر جسدنا بالحمى والسهر.
هي نبضنا الذي يضرب في عروقنا، ولا حياة لقلب بلا نبض، وهي الهواء الذي يتردد بين ضلوعنا، ولا أنفاس لرئة بلا هواء، وهي الوجه الذي يُعرّف بشخصيتنا ، ولا شخصيّة بلا وجهٍ تنعكس عليه.
دعامة التثبيت لخيمة البحر الأبيض المتوسط، وبوابة الدخول إلى فجاج القارة الإفريقية السمراء، وجسرُ العبور الذي يربط ضفّة الشمال بضفّة الجنوب، كأنها مشتقة من اللُّبّ لأنها قلب العروبة وخلاصتها النقيّة، أو كأنها مأخوذة من التلبية لأنها الاستجابة الصادقة، والنجدة الأبية، أو كأنها منحدرة من اللَّبوة لأنها أمّ الأسود، ومربيّة الأشاوس المغاوير.
همزة الوصل الجامعةُ بين شرق الأمة العربية وغربها، ومنطقة وسطها المختارة التي هي أحسن المناطق وأعدلها، ويتيمةُ عقدها التي تحلّي جيدها، وتضفي عليها الروعة والجمال، فهي كالزيتونة المباركة، لا شرقية ولا غربية، أو كنقطة تقاطع الطريق تلتقي عندها كل الاتجاهات الفرعية، أو كقطب ارتكاز الدائرة تنطلق منه كل الأقطار.
رضِيتْ في قناعة أن تكون قنطرة بين طرفي الوطن الكبير ما دامتْ قنطرتها تصل ولا تقطع، وتربط ولا تفصل، وصبرت في احتساب على قسوة الطبيعة، وشظَف العيش، ما دامت تضمّ في صدرها الجناحين، وتحرك الذراعين، وغبطت إخوانها على خِصبهم وغناهم، ولم تطو في قلبها حسداً عليهم؛ لأنها تعلم أن رخاءهم رخاؤها، وسعادتهم سعادتُها.
حاول أعداؤها أن يزيفوا فصيلة دمها فأبى دمها إلاّ أن يصرخ بانتمائه العربيّ، وضربوا حولها حصاراً لعزلها عن إخوانها فما زادها الحصار إلاّ اعتزازاً بعروبتها، وتمسّكاً بارتباطها الأسريّ، ورسموا لها حدوداً ليخنقوا في داخلها أنفاساً فكانوا كمنْ يرسم في الماء، ويخطّ في الهواء، ويقيم جداراً بطوب الخيال.
بقيَتْ على الرغم من كيد الكائدين جبهةً من جبهات الأمة الواحدة، وارتفعت على الرغم من مؤامرات المتآمرين حصناً من حصون الإسلام المنيعة، واستمرت على الرغم من عقوق بعض الأقربين فرْعاً من فروع الشجرة الزكيّة، وظلت على الرغم من محاولات الكسر عوداً صلباً في حزمة الوحدة المباركة.
لا نقول: كم أعطتنا ؟ لأنها أعطت كل شيء ، ولم تبخل بشيء.
ولا نسأل: هل أخلصت لنا ؟ لأنها الإخلاص كله، والعهد الوفيّ.
ولكن نقول: كم أعطيناها نحن؟ وهل وفّيناها حقها أو بخسناه؟ وهل بادلناها إخلاصاً بإخلاص أو خنّا عهدها ونبذناه؟
وَصَفُوها - سخريةً - بصندوق مغلق من الرمال، وما علموا أن رمالها تربةُ البطولات، ومنبت الشجعان، ورموها - استصغاراً - بقلّة السكان، وجهلوا أن هذا القليل في النائبات كثير، وعيّروها - احتقاراً - فقرَها الماديّ، ونسوا غناها المعنويّ الذي يفوق كل غِنىً، وما دامت في نظرهم صندوقاً من الرمال فلماذا يتكالبون عليها وليس في الدنيا أرخص من التراب؟!
وما دامت في حسابهم فقيرة فلماذا يتنافسون على استكشاف كنوزها ويتشمّمون في نهَمٍ ريح نفطها الجذّاب؟ وما دامت في تقديرهم قليلة السكان فمن الذي استدعاهم ليُكملوا نقصها ويكثروا عديدها؟
فنحن ضنينون بهذا الصندوق المغلق، لا نبيع الحبة من رمله بزنتها ذهباً، ونحن قانعون برزقنا لا نطلب من أحد صدقةً ولا إحساناً أبدا، ونحن مكتفون بعددنا القليل؛ لأن مقياس الرجال عندنا بالكيف والمعيار لا بالكمّ والمقدار.
فأحبوا - أيها الليبيون - ليبيا من قلوبكم فإن حبّ الوطن من الإيمان، ودافعوا عنها بكلّ قواكم فإن الدفاع عنها دفاع عن ثغر من ثغور الإسلام، وضحّوا من أجل بقائها بالمآقي والمهج ففي بقائها بقاؤكم، وفي ذهابها ذهابكم.
وإياكم ثم إياكم أن تفصلوها عن جسدها فإن العضو لا يعيش إذا انفصل عن الجسد، أو تنزعوها من كيانها فإن الجزء لا يمكن أن يستقل عن الكلّ، أو تقطعوها من رَحِمها فتكونوا كالذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض.
واحذوا من فتنة المارقين الذين يخوّفونكم من إخوانكم فإنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه، وانتبهوا إلى مكر أعدائكم الذين يُوغرون صدوركم على الجيران ويسعون للوقيعة والهِجران، ولا تُنصتوا إلى أبواق الدعاية المسمومة التي تصدكم عن القريب، وترغّبكم في البعيد.
واعلموا أن ليبيا ليست سلعة مطروحة للبيع حتى تعرض في سوق المزايدات والمساومات، وليست مشروعاً استثماريّاً حتى تُكرى بالعقود، وتؤجّر بالمعاهدات، وليست ساحة مستباحة يطمع فيها كلّ معربد، ويستحلّها كلّ أفّاك أثيم.
ولا بدّ من أن يفسد بيعٌ تمّت صفقته بالباطل والغشّ، ويُفسخَ عقد أُبرِم تحت حِراب القوة والبطش، ولا بدّ من أن يعود الحقّ المغتصب إلى أهله المظلومين، ويرجعَ المتاع المسروق إلى أصحابه الشرعيين، وتتطهّر ليبيا من رجس الدخلاء والمحتلّين.
http://farm6.static.flickr.com/5126/5364708357_49288e32c3_z.jpg
اللهم احفظ ليبيا وشعبها اللهم احفظ الامة واكشف الغمة وردنا اليك ردا جميلا حميدا اللهم لا تؤاخذنا بسوء افعالنا