yaqot
2014/02/19, 05:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الغضب:
عَرَّف الغضبَ جمعٌ من علماء اللغة وغيرهم ، واختلفت العبارات ، واتفقت الثمرة فكلمة ( الغضب ) يدرك معناها الصغير ، والكبير بلا تكلف أو تعب فتوضيح الواضحات - كما يقال - من الفاضحات ، وقد يزيده غموضا وإشكالا قال المناوي –رحمه الله تعالى – " والغضب كيفية نفسانية وهو بديهي التصور "ا.هـ ومع ذلك لابد من ذكر شيء من ذلك :
قال القرطبي -رحمه الله تعالى- " والغضب في اللغة : الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة ؛ لشدتها , والغضبة : الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها " ا.هـ
وقيل في معناه : تغيُّر يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفي في الصدر .
وقيل : الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه .
أسباب الغضب :
بواعث الغضب ، وأسبابه كثيرة جدا ، والناس متفاوتون فيها ، فمنهم مَن يَغضب لأمر تافه لا يُغضب غيره وهكذا ، فمِن أسباب الغضب :
أولا : العُجب :
فالعجب بالرأي والمكانة والنسب والمال سبب للعداوة إن لم يُعقل بالدين وذلك برده ودفعه فالعجب قرين الكِبْر وملازم له , والكِبْر من كبائر الذنوب فقد قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ( لا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال ذرة من كِبر ) وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام ) وعن ابن عباس –رضي الله عنهما – مرفوعا ( المهلكات ثلاث إعجاب المرء بنفسه وشح مطاع وهوى متبع ). ولهذا فقد كان السلف يُحذرون من أسباب العُجب ، ولو لم تكن مباشرة فعن سليم بن حنظلة قال : بينا نحن حول أُبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدرة ، فقال : أنظر يا أمير المؤمنين ما تصنع ؟ فقال : "إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع".
وجاء أن يحيى بن زكريا لقي عيسى بن مريم -صلى الله عليهما وسلم- فقال : أخبرني بما يُقرِّب من رضا الله ، وما يُبعد من سخط الله ؟ فقال : " لا تغضب " . قال : الغضب ما يبدأه وما يعيده ؟ قال : " التعزز والحمية والكبرياء والعظمة ".
ثانيا / المراء :
قال عبد الله بن الحسين : " المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب " ا.هـ وللمراء آفات كثيرة منها : الغضب لهذا فقد نهى الشارع عنه قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا
ثالثا : المزاح:
إن المـزاح بدؤه حلاوة : لكنما آخـره عـداوة
يحتد منه الرجل الشريف : ويجتري بسخفه السخيف
فتجد بعض المكثرين من المزاح يتجاوز الحد المشروع منه : إما بكلام لا فائدة منه ، أو بفعل مؤذ قد ينتج عنه ضرر بالغ ثم يزعم بعد ذلك أنه كان يمزح ؛ لذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جادا ولا لاعبا )
وقال أبو هقان :
مازح صديقك ما أحب مزاحا : وتوق منه في المزاح مزاحا
فلربما مزح الصــديق بمزحة : كانت لباب عداوة مفتاحا
ذكر خالد بن صفوان المزاح فقال : يَصُكُّ أحدكم صاحبه بأشد من الجندل , ويُنشقه أحرق من الخردل , ويُفرغ عليه أحرَّ من المرجل ثم يقول : إنما كنت أمازحك .
قال محمود الوراق :
تَلََقَّى الفتى أخاه وخدنه : في لحن منطقه بما لا يُغتفر
ويقول كنت ممازحا وملاعبا : هيهات نارك في الحشا تتسعر
ألهبتها وطفقت تضحك لاهيـا : مما بـه وفؤاده يتـفطر
أو ما علمت ومثل جهلك يتقى : أن المزاح هو السباب الأكبر
وقال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى – " إياك والمزاح فإنه يجر القبيح ويورث الضغينة
واحذر ممازحة تعود عداوة : إن المزاح على مقدمة الغضب
وقال ميمون بن مهران –رحمه الله تعالى- " إذا كان المزاح أمام الكلام كان آخره اللطم والشتام " .
رابعا : بذاءة اللسان وفحشه :
بشتم أو سب أو تعيير مما يوغل الصدور , ويثير الغضب ، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبغض الفاحش البذيء ) .
ومن أسباب الغضب أيضا : الغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه قال الغزالي -رحمه الله تعالى- " ومن أشد البواعث عليه عند أكثر الجهال : تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكِبر همة "ا.هـ.
أنواع الغضب :
الأول : الغضب المحمود :
وهو ما كان لله –تعالى- عندما تنتهك محارمه ، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ أن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان قال تعالى عن موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بعد علمه باتخاذ قومه العجل ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف :150) .
أما غضب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يُعرف إلا أن تنتهك محارم الله –تعالى- فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل-.
ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال : ( بهذا أمرتم ؟ أو لهذا خلقتم ؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم ) فقال عبد الله بن عمرو : ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه .
وما أكثر ما تنتهك محارم الله تعالى في هذا الزمان علنا وسرا ، فكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا همَّ لها سوى نشر الرذيلة ، ومحاربة الفضيلة ، وإشاعة الفاحشة ، وبث الشبهات ، وتزيين المنكر ، وإنكار المعروف ، والاستهزاء بالدين وشعائره فهذا كله مما يوجب الغضب لله –تعالى- وهو من الغضب المحمود ، وعلامة على قوة الإيمان ، وهو ثمرة لحفظ الأوطان ،وسلامة الأبدان ، وتظهر ثمرة الغضب هنا بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والرد على الشبهات أما السكوت المطبق مع القدرة على التغيير فسبب للهلاك فعن زينب بنت جحش –رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- استيقظ من نومه وهو يقول : ( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) - وحلق بأصبعه وبالتي تليها - قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :( نعم إذا كثر الخبث ) .
وكذلك من الغضب المحمود : الغضب لما يحدث للمسلمين من سفك للدماء ، وانتهاك للأعراض ، واستباحة للأموال ، وتدمير للبلدان بلا حق .
الثاني : الغضب المذموم :
وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية ، والغضب بسبب تطبيق الأحكام الشرعية ، وانتشار حلق تحفيظ القرآن الكريم ، ومعاداة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بسبب محاربتهم للرذيلة ، وكذا الدفاع عن المنكرات كالتبرج والسفور ، وسفر المرأة بلا محرم ، ويظهر ذلك جليا في كتابة بعض كُتَّاب الصحف فتجد أحدهم يغضب بسبب ذلك ، ولا همَّ له سوى مسايرة العصر !! سواء وافق الشرع المطهر أو خالفه فالحق عندهم ما وافق هواهم والباطل ما حدَّ من مبتغاهم قال تعالى ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) )أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52) .
الثالث : الغضب المباح :
وهو الغضب في غير معصية الله –تعالى- ولم يتجاوز حدَّه كأن يجهل عليه أحد , وكظمه هنا خير وأبقى قال تعالى ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران : 134) ومما يُذكر هنا أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء , فتهيأ للصلاة , فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه , فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله -عز وجل - يقول :(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي . قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال لها : قد عفا الله عنك . قالت : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : اذهبي فأنت حرة .
وتغضب حتى إذا ما ملكتَ : أطعتَ الرضا وعصيتَ الغضب
وقال نوح بن حبيب : كنت عند ابن المبارك فألحوا عليه . فقال : هاتوا كتبكم حتى أقرأ . فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد ، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه فأصاب صلعة ابن المبارك حرفُ كتابه فانشق ، وسال الدم , فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن ثم قال : سبحان الله كاد أن يكون قتال ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه.
قال ابن حبان –رحمه الله تعالى- " والخلق مجبولون على الغضب ، والحلم معا ، فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها أحمد " ا.هـ
درجات الناس في قوة الغضب :
الأولى : التفريط :
ويكون ذلك بفقد قوة الغضب بالكلية أو بضعفها .
الثانية : الإفراط :
ويكون بغلبة هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين ولا تبقى للمرء معها بصيرة ونظر ولا فكرة ولا اختيار .
الثالثة : الاعتدال :
وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدين.
علاج الغضب :
( ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء )( ) ومن الأدوية لعلاج داء الغضب :
أولا : الاستعاذة بالله من الشيطان
ثانيا : تغيير الحال
ثالثا : ترك المخاصمة والسكوت
رابعا : الوضوء
خامسا : استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ
وبتتبع بعض الأدلة من الكتاب والسنة نجد جملة من الفضائل لمن ترك الغضب منها :
1/ الظفر بمحبة الله تعالى والفوز بما عنده
2/ ترك الغضب سبب لدخول الجنة
3/ المباهاة به على رؤوس الخلائق
4/ النجاة من غضب الله تعالى
5/ زيادة الإيمان
6/ كظم الغيظ من أفضل الأعمال
سادسا : الإكثار من ذكر الله تعالى
سابعا : العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ثامنا : النظر في نتائج الغضب
تاسعا : أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ ورده
عاشرا : قبول النصيحة والعمل بها
الحادي عشر : أخذ الدروس من الغضب السابق
الثاني عشر : اجتناب وإزالة أسباب الغضب : وقد ذكرت جملة منها .
الثالث عشر : معرفة أن المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة فتركه إغلاق لباب من أبواب العصيان :.
الرابع عشر : قال ابن حبان -رحمه الله تعالى- " لو لم يكن في الغضب خصلة تذم إلا إجماع الحكماء قاطبة على أن الغضبان لا رأي له لكان الواجب عليه الاحتيال لمفارقته بكل سبب " ا.هـ لذا فقد قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان ) قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- " إن الفقهاء اختلفوا في صحة حكم الحاكم في الغضب على ثلاثة أقوال وهي ثلاثة أوجه في مذهب احمد : أحدها : لا يصح و لا ينفذ ؛ لأن النهي يقتضي الفساد . والثاني : ينفذ . والثالث : إن عرض له الغضب بعد فهم الحكم نفذ حكمه , وإن عرض له قبل ذلك لم ينفذ " ا.هـ وقال معللا المنع " إنما كان ذلك لأن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه , ويمنعه من كمال الفهم , ويحول بينه وبين استيفاء النظر , ويعمي عليه طريق العلم والقصد " ا.هـ لهذا كان من وصية أمير المؤمنين عمر لأبي موسى الأشعري –رضي الله عنهما- في القضاء " وإياك والغضب والقلق والضجر ".
صور من هدي السلف عند الغضب:
سب رجل ابن عباس -رضي الله عنهما – فلما فرغ قال : يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى.
وقال أبو ذر –رضي الله عنه- لغلامه : لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس ؟ قال : أردت أن أغيظك . قال : لأجمعن مع الغيظ أجرا أنت حر لوجه الله تعالى .
وأسمع رجل أبا الدرداء – رضي الله عنه- كلاما , فقال : يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .
قال الأحنف بن قيس –رحمه الله تعالى – لابنه : يا بني إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه , فإن أنصفك وإلا فاحذره .
إذا كنت مختصا لنفسك صاحبا : فمن قبل أن تلقاه بالود أغضبه
فإن كان في حال القطيعة منصفا : وإلا فقد جربته فتجنبـــه
وقال محمد بن حماد الكاتب :
فأعجب من ذا وذا أنني : أراك بعين الرضا في الغضب
وأختم بما رواه عطاء بن السائب عن أبيه قال : صلى بنا عمار بن ياسر -رضي الله عنه- صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم : لقد خففت أو أوجزت الصلاة ، فقال : أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم ( اللهم بعلمك الغيب , وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي , وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم , وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة , وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب , وأسألك القصد في الفقر والغنى , وأسألك نعيما لا ينفد , وأسألك قرة عين لا تنقطع , وأسألك الرضاء بعد القضاء , وأسألك برد العيش بعد الموت , وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ضراء مضرة ولا فتنة مضلة , اللهم زينا بزينة الإيمان , واجعلنا هداة مهتدين )
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تعريف الغضب:
عَرَّف الغضبَ جمعٌ من علماء اللغة وغيرهم ، واختلفت العبارات ، واتفقت الثمرة فكلمة ( الغضب ) يدرك معناها الصغير ، والكبير بلا تكلف أو تعب فتوضيح الواضحات - كما يقال - من الفاضحات ، وقد يزيده غموضا وإشكالا قال المناوي –رحمه الله تعالى – " والغضب كيفية نفسانية وهو بديهي التصور "ا.هـ ومع ذلك لابد من ذكر شيء من ذلك :
قال القرطبي -رحمه الله تعالى- " والغضب في اللغة : الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة ؛ لشدتها , والغضبة : الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها " ا.هـ
وقيل في معناه : تغيُّر يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفي في الصدر .
وقيل : الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه .
أسباب الغضب :
بواعث الغضب ، وأسبابه كثيرة جدا ، والناس متفاوتون فيها ، فمنهم مَن يَغضب لأمر تافه لا يُغضب غيره وهكذا ، فمِن أسباب الغضب :
أولا : العُجب :
فالعجب بالرأي والمكانة والنسب والمال سبب للعداوة إن لم يُعقل بالدين وذلك برده ودفعه فالعجب قرين الكِبْر وملازم له , والكِبْر من كبائر الذنوب فقد قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ( لا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال ذرة من كِبر ) وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام ) وعن ابن عباس –رضي الله عنهما – مرفوعا ( المهلكات ثلاث إعجاب المرء بنفسه وشح مطاع وهوى متبع ). ولهذا فقد كان السلف يُحذرون من أسباب العُجب ، ولو لم تكن مباشرة فعن سليم بن حنظلة قال : بينا نحن حول أُبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدرة ، فقال : أنظر يا أمير المؤمنين ما تصنع ؟ فقال : "إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع".
وجاء أن يحيى بن زكريا لقي عيسى بن مريم -صلى الله عليهما وسلم- فقال : أخبرني بما يُقرِّب من رضا الله ، وما يُبعد من سخط الله ؟ فقال : " لا تغضب " . قال : الغضب ما يبدأه وما يعيده ؟ قال : " التعزز والحمية والكبرياء والعظمة ".
ثانيا / المراء :
قال عبد الله بن الحسين : " المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب " ا.هـ وللمراء آفات كثيرة منها : الغضب لهذا فقد نهى الشارع عنه قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا
ثالثا : المزاح:
إن المـزاح بدؤه حلاوة : لكنما آخـره عـداوة
يحتد منه الرجل الشريف : ويجتري بسخفه السخيف
فتجد بعض المكثرين من المزاح يتجاوز الحد المشروع منه : إما بكلام لا فائدة منه ، أو بفعل مؤذ قد ينتج عنه ضرر بالغ ثم يزعم بعد ذلك أنه كان يمزح ؛ لذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جادا ولا لاعبا )
وقال أبو هقان :
مازح صديقك ما أحب مزاحا : وتوق منه في المزاح مزاحا
فلربما مزح الصــديق بمزحة : كانت لباب عداوة مفتاحا
ذكر خالد بن صفوان المزاح فقال : يَصُكُّ أحدكم صاحبه بأشد من الجندل , ويُنشقه أحرق من الخردل , ويُفرغ عليه أحرَّ من المرجل ثم يقول : إنما كنت أمازحك .
قال محمود الوراق :
تَلََقَّى الفتى أخاه وخدنه : في لحن منطقه بما لا يُغتفر
ويقول كنت ممازحا وملاعبا : هيهات نارك في الحشا تتسعر
ألهبتها وطفقت تضحك لاهيـا : مما بـه وفؤاده يتـفطر
أو ما علمت ومثل جهلك يتقى : أن المزاح هو السباب الأكبر
وقال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى – " إياك والمزاح فإنه يجر القبيح ويورث الضغينة
واحذر ممازحة تعود عداوة : إن المزاح على مقدمة الغضب
وقال ميمون بن مهران –رحمه الله تعالى- " إذا كان المزاح أمام الكلام كان آخره اللطم والشتام " .
رابعا : بذاءة اللسان وفحشه :
بشتم أو سب أو تعيير مما يوغل الصدور , ويثير الغضب ، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبغض الفاحش البذيء ) .
ومن أسباب الغضب أيضا : الغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه قال الغزالي -رحمه الله تعالى- " ومن أشد البواعث عليه عند أكثر الجهال : تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكِبر همة "ا.هـ.
أنواع الغضب :
الأول : الغضب المحمود :
وهو ما كان لله –تعالى- عندما تنتهك محارمه ، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ أن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان قال تعالى عن موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بعد علمه باتخاذ قومه العجل ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف :150) .
أما غضب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يُعرف إلا أن تنتهك محارم الله –تعالى- فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل-.
ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال : ( بهذا أمرتم ؟ أو لهذا خلقتم ؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم ) فقال عبد الله بن عمرو : ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه .
وما أكثر ما تنتهك محارم الله تعالى في هذا الزمان علنا وسرا ، فكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا همَّ لها سوى نشر الرذيلة ، ومحاربة الفضيلة ، وإشاعة الفاحشة ، وبث الشبهات ، وتزيين المنكر ، وإنكار المعروف ، والاستهزاء بالدين وشعائره فهذا كله مما يوجب الغضب لله –تعالى- وهو من الغضب المحمود ، وعلامة على قوة الإيمان ، وهو ثمرة لحفظ الأوطان ،وسلامة الأبدان ، وتظهر ثمرة الغضب هنا بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والرد على الشبهات أما السكوت المطبق مع القدرة على التغيير فسبب للهلاك فعن زينب بنت جحش –رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- استيقظ من نومه وهو يقول : ( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) - وحلق بأصبعه وبالتي تليها - قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :( نعم إذا كثر الخبث ) .
وكذلك من الغضب المحمود : الغضب لما يحدث للمسلمين من سفك للدماء ، وانتهاك للأعراض ، واستباحة للأموال ، وتدمير للبلدان بلا حق .
الثاني : الغضب المذموم :
وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية ، والغضب بسبب تطبيق الأحكام الشرعية ، وانتشار حلق تحفيظ القرآن الكريم ، ومعاداة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بسبب محاربتهم للرذيلة ، وكذا الدفاع عن المنكرات كالتبرج والسفور ، وسفر المرأة بلا محرم ، ويظهر ذلك جليا في كتابة بعض كُتَّاب الصحف فتجد أحدهم يغضب بسبب ذلك ، ولا همَّ له سوى مسايرة العصر !! سواء وافق الشرع المطهر أو خالفه فالحق عندهم ما وافق هواهم والباطل ما حدَّ من مبتغاهم قال تعالى ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) )أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52) .
الثالث : الغضب المباح :
وهو الغضب في غير معصية الله –تعالى- ولم يتجاوز حدَّه كأن يجهل عليه أحد , وكظمه هنا خير وأبقى قال تعالى ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران : 134) ومما يُذكر هنا أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء , فتهيأ للصلاة , فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه , فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله -عز وجل - يقول :(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي . قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال لها : قد عفا الله عنك . قالت : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : اذهبي فأنت حرة .
وتغضب حتى إذا ما ملكتَ : أطعتَ الرضا وعصيتَ الغضب
وقال نوح بن حبيب : كنت عند ابن المبارك فألحوا عليه . فقال : هاتوا كتبكم حتى أقرأ . فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد ، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه فأصاب صلعة ابن المبارك حرفُ كتابه فانشق ، وسال الدم , فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن ثم قال : سبحان الله كاد أن يكون قتال ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه.
قال ابن حبان –رحمه الله تعالى- " والخلق مجبولون على الغضب ، والحلم معا ، فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها أحمد " ا.هـ
درجات الناس في قوة الغضب :
الأولى : التفريط :
ويكون ذلك بفقد قوة الغضب بالكلية أو بضعفها .
الثانية : الإفراط :
ويكون بغلبة هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين ولا تبقى للمرء معها بصيرة ونظر ولا فكرة ولا اختيار .
الثالثة : الاعتدال :
وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدين.
علاج الغضب :
( ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء )( ) ومن الأدوية لعلاج داء الغضب :
أولا : الاستعاذة بالله من الشيطان
ثانيا : تغيير الحال
ثالثا : ترك المخاصمة والسكوت
رابعا : الوضوء
خامسا : استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ
وبتتبع بعض الأدلة من الكتاب والسنة نجد جملة من الفضائل لمن ترك الغضب منها :
1/ الظفر بمحبة الله تعالى والفوز بما عنده
2/ ترك الغضب سبب لدخول الجنة
3/ المباهاة به على رؤوس الخلائق
4/ النجاة من غضب الله تعالى
5/ زيادة الإيمان
6/ كظم الغيظ من أفضل الأعمال
سادسا : الإكثار من ذكر الله تعالى
سابعا : العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ثامنا : النظر في نتائج الغضب
تاسعا : أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ ورده
عاشرا : قبول النصيحة والعمل بها
الحادي عشر : أخذ الدروس من الغضب السابق
الثاني عشر : اجتناب وإزالة أسباب الغضب : وقد ذكرت جملة منها .
الثالث عشر : معرفة أن المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة فتركه إغلاق لباب من أبواب العصيان :.
الرابع عشر : قال ابن حبان -رحمه الله تعالى- " لو لم يكن في الغضب خصلة تذم إلا إجماع الحكماء قاطبة على أن الغضبان لا رأي له لكان الواجب عليه الاحتيال لمفارقته بكل سبب " ا.هـ لذا فقد قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان ) قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- " إن الفقهاء اختلفوا في صحة حكم الحاكم في الغضب على ثلاثة أقوال وهي ثلاثة أوجه في مذهب احمد : أحدها : لا يصح و لا ينفذ ؛ لأن النهي يقتضي الفساد . والثاني : ينفذ . والثالث : إن عرض له الغضب بعد فهم الحكم نفذ حكمه , وإن عرض له قبل ذلك لم ينفذ " ا.هـ وقال معللا المنع " إنما كان ذلك لأن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه , ويمنعه من كمال الفهم , ويحول بينه وبين استيفاء النظر , ويعمي عليه طريق العلم والقصد " ا.هـ لهذا كان من وصية أمير المؤمنين عمر لأبي موسى الأشعري –رضي الله عنهما- في القضاء " وإياك والغضب والقلق والضجر ".
صور من هدي السلف عند الغضب:
سب رجل ابن عباس -رضي الله عنهما – فلما فرغ قال : يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى.
وقال أبو ذر –رضي الله عنه- لغلامه : لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس ؟ قال : أردت أن أغيظك . قال : لأجمعن مع الغيظ أجرا أنت حر لوجه الله تعالى .
وأسمع رجل أبا الدرداء – رضي الله عنه- كلاما , فقال : يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .
قال الأحنف بن قيس –رحمه الله تعالى – لابنه : يا بني إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه , فإن أنصفك وإلا فاحذره .
إذا كنت مختصا لنفسك صاحبا : فمن قبل أن تلقاه بالود أغضبه
فإن كان في حال القطيعة منصفا : وإلا فقد جربته فتجنبـــه
وقال محمد بن حماد الكاتب :
فأعجب من ذا وذا أنني : أراك بعين الرضا في الغضب
وأختم بما رواه عطاء بن السائب عن أبيه قال : صلى بنا عمار بن ياسر -رضي الله عنه- صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم : لقد خففت أو أوجزت الصلاة ، فقال : أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم ( اللهم بعلمك الغيب , وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي , وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم , وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة , وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب , وأسألك القصد في الفقر والغنى , وأسألك نعيما لا ينفد , وأسألك قرة عين لا تنقطع , وأسألك الرضاء بعد القضاء , وأسألك برد العيش بعد الموت , وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ضراء مضرة ولا فتنة مضلة , اللهم زينا بزينة الإيمان , واجعلنا هداة مهتدين )
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين