تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : *** الثمار اليانعة ***


yaqot
2014/02/21, 02:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الثمار اليانعة

لابد من أن ننطلق من آية محكمة في القرآن الكريم من أجل هذا الموضوع ، قال تعالى :
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [ سورة آل عمران : الآية 159]

هذه الآية تكاد أن تكون معادلةً رياضية ، أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك كنت ليناً لهم ، فلما لنت لهم التفوا من حولك ، وأحبوك ، لو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوةً ، ولانعكست القسوة غلظةً وفظاظةً ، فانفضوا عنك ، وكأن المعادلة اتصال ، رحمة ، لين ، التفاف ، انقطاع ، قسوة ، غلظة ، انفضاض .

هذا الكلام موجه لكل أب ، ولكل معلم ، ولكل مرشد ، ولكل داعية ، ولكل قائد ، ولكل من يعمل وتحت إمرته أناس كثر ، حينما يتصل العبد بربه يمتلئ القلب رحمةً على من حوله ، قال تعالى :
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ سورة الأنبياء : الآية 107]

فإذا رحمهم كان ليناً معهم ، انعكست الرحمة ليناً ، يا داود ، ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ، أنا لا أفهم موعظةً لا يسبقها إحسان ، لأن الإحسان قبل البيان ، لا يستطيع الأب الذي أهمل ابنه لم يؤدِ ما عليه اتجاهه ، لم يحسن اسمه ، ولا تربيته ، ولم يعلمه القرآن ، ولم يعطه حاجاته الأساسية ، وأهمله ، وتركه لرفاق السوء ، مثل هذا الأب لا يستطيع أن ينتظر من ابنه أن يكون باراً ، كأن الأب عق ابنه قبل أن يعقه ابنه ، فلذلك حينما يؤدي الأب الذي عليه ينتظر من ابنه أن يكون باراً ، وحينما يؤدي الابن الذي عليه ينتظر من الأب أن يكون باراً فالإحسان قبل البيان ، والقدوة قبل الدعوة ، فكل أب اتصل بالله ، وامتلأ قلبه رحمةً فانعكست ليناً ، التف أولاده حوله ، وأحبوه .

ومن مفارقات الحياة أن الأب البخيل ـ لا سمح الله ـ يضن على أولاده بحاجاتهم الأساسية ، يتمنون موته ، فإذا ألمَّ به مرض ، وجاء الطبيب ، وقال : القضية بسيطة ، يتألمون ، يتمنون أن يكون المرض عضالاً ليستريحوا من بخله ، بينما الأب الكريم الرحيم المحسن الحكيم يتمنى أولاده أن يموتوا ، ويبقى ، هذه حقيقة ثابتة في العلاقة بين الآباء والأبناء ، الأب المؤمن يعرف واجباته اتجاه أولاده ، والابن المؤمن يعرف واجباته اتجاه أبيه وأمه ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون العلاقة بين الآباء والأبناء علاقةً منضبطةً فيها إحسان ، وفيها رحمة ، وفيها عطاء ، وفيها تضحية ، إلا إذا عرف الأب واجباته اتجاه أولاده ، وإلا إذا عرف الابن واجباته اتجاه أبيه وأمه ، هذا هو المنطلق ، المنطلق أن نعرف الله ، وأن نتصل به ، عندئذ نعرف ما لنا وما علينا

لنتأمل صورةً أخرى ، رجل تاب إلى الله سبحانه وتعالى بعد سنوات من الغفلة والمعصية ، وقبِل اللهُ ـ والعلم عند الله ـ توبته ، يأمر أولاده وأبناءه بالتزام منهج الله ، ويصر على ذلك ، ويعمل جهده ليكونوا كذلك ، ويطلب منهم أن يكونوا أولياء ، بادئ ذي بدء أين الحكمة ؟ كيف يتصرف ؟ كيف يتعامل ؟

الحكمة هي توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم ، علموا أولادكم ، ولا تعنفوهم ، فإن المعلم خير من المعنف .
أنت حينما تجد في ابنك انحرافاً ـ لا سمح الله ـ أمام شيئين ، إما أن تضربه بقسوة ، وإما أن تأمره أن يفعل كذا وكذا بلا تعليل ، وبلا رقة ، وبلا رحمة ، إنه يزداد نفوراً من هذه التوجيهات ، والله أعرف أباً قمع بناته في حياته على ارتداء الحجاب ، قمعهن قمعاً ، ولم يعلمهن حكمة الحجاب ، ولا فضل الحجاب ، ولا ثواب المرأة المحجبة ، ولا ماذا ينتظرها من زوج صالح ، قمعهن بارتداء الحجاب ، فلما مات هذا الأب تفلتت بناته تفلتاً لا يعقل ، لأنه سلك معهن أسلوب القمع ، ولم يسلك معهن أسلوب الموعظة الحسنة ، فأنا أؤمن أن الأب لا يستطيع أن يقنع ابنه أن يلتزم الصواب والحق والخير إلا إذا كان قدوةً له أولاً ، وكان محسناً له ثانياً ، أما إذا قصر الأب في أداء ما عليه فالابن لم يستفد من هذه النصائح ، فالإحسان قبل البيان ، والقدوة قبل الدعوة .

إذاً التوجيه بأن يكون قدوةً .
التعليم لا في التعنيف ، التعنيف قمع ، أخطأ أضربه ، وأعنفه وأسبه ، هذا سلوك فيه خطر كبير ، يعود عليك بالشر في الدنيا والآخرة ، أبين له ، والأب لا ينجح مع أولاده بتربيته إلا إذا حاسبهم على واحدة ، وغض بصره عن عشرة ، لو أنه أثقل عليهم بالنصائح لكرهوا وجوده ، وكرهوا نصيحته ، لابد أن تكون النصيحة من حين إلى آخر ، أغض البصر عن واحدة ، وأدقق في واحدة .

إن هذا القول قد يأخذه بعض المتشددين بأنه تفلت وتفريط ولين في غير موضعه ، ما القول في ذلك ؟
أنا واعذرني فيما أقول أعدّ أن أكثر أخطاء الأبناء سببها الآباء ، في الأصل ما الذي يحصل ؟ ينجب الأب ابناً يهمله لسنوات طويلة ، ثم يصحو ، وقد بلغ سن المراهقة ، أهمله من سن الخامسة ، لم يكن معه ، لم يألف أباه ، لم يألف مجالسه ، لم يألف حركاته الطيبة ، أبعده عنه ، ارتاح من دونه ، هذه مشكلة ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( الزموا أولادكم )) .

أنا دعيت إلى نزهة ، شيء مريح لي أن أدع ابني في البيت ، وفي غيبتي سيعيش مع أصدقاء السوء ، يتعلم منهم من بذاءتهم ، من انحرافهم ، من قصص ماجنة ، أنا مرتاح مع أصدقائي في نزهة ، أما حينما آخذ ابني معي ، ويتمتع بما أتمتع ، ويرى أدبي في السلوك والمعاملة ، أنا أكون قد نقلته إلى مستوى راقٍ ، فالزموا أولادكم ، تحتاج إلى جهد ، لكن ثمارها يانعة جداً ، أما لو أنك تخليت عن ابنك الذي يحصل أن الآباء يهملون أبناءهم ، وهم صغار ، يتعلمون من أصدقائهم ، ومن رفقائهم كلمات وسلوكًا لا يرضي الله عز وجل ، فلذلك حينما يفاجأ الآباء بانحراف أولادهم لا يحتملون ، فيكونون قساةً عليهم ، أنا أطمئنهم أن انحراف أبناءهم في البداية سببه الآباء ، أما حينما يستيقظ بعد فوات الأوان يكون قد انتهى كل شيء .
أنا أتمنى على الآباء والأمهات بالذات أن ينتبهوا إلى أولادهم في سن مبكرة جداً ، وإلا بعد أن يعوج الابن بسبب إهمال والديه لن يستطيع أن يقومه أبوه بكلمة قاسية ، ولا بضرب مبرح ، انتهى الأمر .

هناك قواعد على قدر كبير من الأهمية في التربية قواعد إسلامية تربوية ، أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنهجه ، بقوله ، بفعله ، هل لنا من بعض هذه الأمور ، يصحو هذا الأب من غفلته ، ويرى أبناءه على هذا التفلت عن منهج الله .

كان عليه الصلاة والسلام في بيت أحد أقربائه فصاحبة البيت نادت ابنها ، وقال : تعال هاكَ ، أي تعال خذ ، ولم يظهر ما في يديها ، فالنبي عليه الصلاة والسلام سألها : ماذا أردت أن تعطيه ؟ قالت : تمرة ، وأرته إياها ، قال : أما إنك لو لم تفعلِ ذلك لعدت عليك كذبة .

مرة جاءني صديق قريب من أمريكا ، ومعه ابنه ، فيبدو أن ابنه كان صعب الانقياد ، أزعج جدته ، قالت له جدته : اسكت ، و مساءً سآخذك إلى مكان جميل ، فصدقها ، وسكت ، وانتظر المساء ، فلم تأخذه معها ، فهو ابن صغير ، قال : أنت كذابة .
نحن نعطي وعودا ، انتظر ، اسكت ، سوف أعطيك ، سوف آخذك إلى مكان جميل ، الأب الذي وفقه الله في تربية أولاده لا يمكن أن يعد أولاده شيئاً إلا ويلبيه لهم ، وإلا فقد مصداقيته .
فهذه تربية الأولاد مسؤولية كبيرة تحتاج إلى علم ، وتحتاج إلى فهم ، وتحتاج إلى دراية وحكمة حتى يغدو هذا الابن ملتصقاً بأبيه ، معجباً به ، يمشي بهديه .

هل إذا استجاب الولد لأبويه بالتزام منهج الله ، هل يشقان عليه بمنتهى الطاعات والنوافل ، وصورة العبادة التي يريدونها له بأسمى حللها ؟

هذا من عدم حكمتهم ، تعلم أن التكاليف الشرعية تبدأ في سن البلوغ ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نكلف أبناءنا تكاليف تربوية ، ندربه على الصيام في وقت مبكر ، فإذا صام نصف النهار قبلناه منه ، نعلمه الصلاة ، فإذا صلى الفرض قبلناه منه ، فلابد من التدرج ، خالق الأكوان حينما حرم الخمر حرمها بالتدريج مع أصحاب رسول الله ، قال الله تعالى :
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [ سورة النساء : من الآية 43]
لم يحرمها دفعةً واحدة ، مع أنها منسوخة كلها ؟ بقيت كي تعلم الدعاة إلى الله ، وتعلم الدعاة كيف يربون أبناءهم ، لابد من مرحلة فيها حل وسط بين التفلت والتمسك ، إن هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق ، سددوا وقاربوا ، هذا السلوك ناجح جداً مع الأبناء ،

حينما يرى الابن أن الدين ليس شيئاً ثقيلاً عليه فالأب يعظ ، وينصح من حين إلى آخر ، ويغض بصره من حين إلى آخر ، حتى يملك قلب ابنه ، أما إذا قسا عليه ، وطالبه بأوامر هو لا يفعلها هذه المشكلة ، أحياناً الأب يطالب ابنه بأوامر هو لا يفعلها .
يا أيها الرجل المعلم غيـــره هلا لنفسك كان التعليــم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيــها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنهى عن خلق وتأتي مثلـه عار عليك إذا فعلت عظيم
هذه كلمة صادقة للآباء الأب لمجرد أن يكون قدوةً ويكون رحيماً يفعل في أولاده المعجزات ، يجب أن يكون قدوةً ، وأن يكون حكيماً ورحيماً ، ومحسناً ، إن أدى هذا صار كلامه يسري في أبنائه كالسحر .

وهناك نقطة دقيقة جداً ، أن يلزم أولاده ، البعض يلزم المسجد ، يلزم مجلس علم ، والبعض الآخر يلزم المقاهي ، ويلزم ما يلزم ، ويهمل أبناءه ، أين الحكمة ، أين الميزان في هذا ؟

والله حينما يهمل أولاده سواء أكان الأب في المسجد ، وقد أهمل أولاده ، أو كان في ملهى ـ لا سمح الله ـ وأهمل أولاده فإهمال الأولاد ذنب كبير لا يغفره أن تكون في المسجد ، الأمر سيان ، خذه معك إلى المسجد ، أنا والله عقب خطبة الجمعة أقدم لأي طفل جاء مع أبيه قطعة حلوى ثمينة ، وقد يكلفنا الشيء الكثير ، لكن هذا نوع من الترغيب .

ما معنى المسجد ؟ يعني فيه طعام طيب ، أكلة طيبة ، بتعبير الأطفال قطعة حلوى ، وفي العيد أقدم لكل طفل جاء مع أبيه إلى المسجد قطعة حلوى ، ومبلغا من المال ورقا جديدا ، أنا أريد أن أدع خبرةً مريحةً عند الطفل إذا أتى إلى المسجد ، وأمنع أحداً أن يضعه في الصف الآخر ، أسمح له أن يقف في الصف الأول ، وأسأله عن اسمه ، وعن حاله ، وعن دراسته ، وعن معلمه ، لأن هؤلاء الأطفال أحباب الله ، ولا تأتي هذه النفس إلا بالإحسان ، المحسن حكيم ، أما الواعظ القاسي فغير حكيم ، ولن يستطيع أن يصل إلى شيء .

وهناك حكمة كبيرة ، من سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يؤدي الفرض في المسجد ، ويؤدي ركعتا السنة في المنزل ، لا يكون البيت قبراً ، الفرض في المسجد ، والسنة في البيت ، يكون قد أحيا هذا البيت بذكر الله كي يتعلم الأبناء ، ويألفون هذا .
لو أن إنساناً صلى مع زوجته وأولاده في البيت ، لو تركهم ، وصلى في المسجد لا يصلون ، بعض العلماء يعد هذه الصلاة صلاة جماعة ، إذا أيقظت زوجتك وأولادك ، وصلوا معك فبعض العلماء يعد هذا من صلاة الجماعة .

yaqot
2014/02/21, 02:05 AM
شكر خاص
للأستاذ أشرف فتحي
الذي جعله الله لي سبب طيب لكتابة هذا الموضوع
لصدق مشاعره في كتابة موضوعه القيم
والدي العزيز رحمك الله

أبـو على
2014/02/21, 04:44 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل خير

جلال العسيلى
2014/02/21, 07:34 AM
بارك الله فيك أخي
وجعل ماقدمته في موازين حسناتك
تحياتي لك

yaqot
2014/02/25, 02:48 AM
أحبائي في الله
شرفني مروركم الكريم
جزاكم الله خيرا
وأثابكم الفردوس الأعلى

اشرف فتحى
2014/02/25, 11:19 PM
أخى الحبيب
بارك الله بك ولك
وجزاك الله خيرا
وأثابك الفردوس الأعلى
على هذا الموضوع القيم
واصل إبداعك

yaqot
2014/02/27, 01:03 AM
أخي الحبيب
شرفني مرورك الغالي
جزاك الله خيراً
وأثابك الفردوس الأعلى