تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحرب على غزة: مأساة واحدة وتغطية إعلامية متضاربة


عمادعادل ناصر
2010/07/04, 09:51 PM
تلقي مجازر غزة الشنيعة في فلسطين المحتلة بظلالها على الساحة الإعلامية العربية والدولية، حيث تمثل تطورات الأوضاع فيها العنوان الرئيسي في كل نشرة أخبار• التناول الإعلامي في أيامه الأولى كان تلقائيا وغير خاضع لأي توجهات إيديولوجية، إلا أنه مع الوقت ارتسمت ملامح توجهات وسائل الإعلام في تغطيتها المتواصلة•

طاهر أوشيحة

الهجوم الإسرائيلي على غزة في بدايته كان متناولا على أساس أنه اعتداء تعوّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي أن تقوم به داخل الأراضي الفلسطينية لسبب أو لآخر، وغالبا دون أي سبب• ولكن العدوان دام أكثر مما هو معهود، لذا بدأت السيناريوهات الإعلامية تحاك على جثث قتلى وجرحى غزة•

القنوات الإخبارية واظبت كل يوم على نقل صور الدمار وأشلاء القتلى وصراخ النساء وعويل الجرحى وآهاتهم، لكن التعليق على هذه الصور كان مختلفا أشد الاختلاف، اختلاف يعكس وجهات نظر مختلفة ورؤى متناقضة، قبل أن تتحول قضية غزة برمتها إلى أداة إعلامية لإعلان المواقف وصنع السياسات وتشكيل الجماعات والأحلاف•

عبر الأقمار الصناعية

تعيش الفضائيات، بكل انتماءاتها وتوجهاتها، سباقا محموما من أجل تناقل ورصد ما يحدث في غزة يوما بعد يوم، خاصة منها القنوات الإخبارية الخاصة، عربية كانت أم أجنبية موجهة، كل حاولت على طريقتها نقل المشهد الغزّاوي• وكان لهذه الفسيفساء الإعلامية وقعا على الجمهور، كما تجلت من خلالها العديد من نظريات الإعلام في تعاملها مع الخبر والأحداث من خلال تغطياتها المستمرة•

الشعارات كانت حاضرة وبقوة عبر الفضائيات المختلفة في زخم إعلامي كبير، حيث الأحداث والمستجدات تمطر على المشاهد وتتجاوزه أحيانا، فكل خمسة دقائق هناك الجديد• ومن بين هذه الشعارات التي رفعتها بعض القنوات في تغطيتها لما يحدث في غزة قناة الجزيرة، وباعتبارها أكبر قناة إخبارية ناطقة باللغة العربية، عنونت تغطيتها المستمرة للحدث بـ''الحرب على غزة'' مصحوبة برقم عدد الأيام التي تتواصل فيها هذه الحرب• وبنفس الطريقة، استعملت قناة العربية شعار ''اجتياح غزة'' للتعبير عن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة• عربيا دائما، الإعلام المصري واكب الحدث هو الآخر من خلال العديد من قنواته، أهمها قناة النيل الأخبار التي رفعت شعارات ''غزة تحت النيران'' و''المجزرة مستمرة''• أما في لبنان، فقناة المستقبل الأخبار اختارت ''غزة في دائرة العدوان'' كشعار ملازم لتغطيتها، بينما قناة المنار التابعة لحزب الله كان شعارها ''العدوان على غزة''• الإعلام الإيراني هو الآخر يتابع عن كثب ما يدور في غزة، من خلال قناة العالم التي رفعت شعار ''غزة صامدة''• أجنبيا، كان لغزة حضور مكثف في وسائل الإعلام، لكن دون اتخاذ شعارات، إلا إذا استثنينا قناة ''بي بي سي'' العربية وقناة روسيا اليوم، فالأولى اتخذت من ''الهجوم على غزة'' شعارا لتغطيتها، فيما كان شعار روسيا اليوم أكثر تأثيرا ''فاجعة غزة''•

هذه الشعارات بطبيعة الحال ليست اعتباطية ولا تلقائية، فهي تحمل في جوهرها دلالات عديدة، كيفتها تلك القنوات حسب طبيعة خطابها السياسي والإيديولوجي• فشعار الحرب على غزة أراده أصحابه أن يعطي لتغطيتهم نوعا من الموضوعية والشفافية، بوصف هجوم إسرائيل على غزة بالحرب المعلنة على هذه الرقعة الجغرافية من أرض فلسطين• أما اللذين اتخذوا من ''اجتياح، عدوان، الهجوم واعتداء'' شعارات، فإنهم أرادوا التنويه إلى شراسة العملية العسكرية الدائرة في القطاع• ولعل أكثر الشعارات تعبيرا عن وجهات نظر ومواقف خاصة تلك التي رفعتها قناة النيل المصرية، التي اختارت في بداية الأعمال العسكرية شعار ''غزة تحت النيران''، إشارة إلى ما تتعرض إليه• المنطقة ولكن فيما بعد، غيرت شعارها ليتناسب أكثر مع موقف السلطة المصرية، وذلك من خلال ''المجزرة مستمرة''، وذلك للإشارة إلى طول مدة العملية العسكرية الإسرائيلية، وبالتالي ضرورة الامتثال للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار التي قوبلت بالرفض، والتي اتخذت حجة من طرف وزيرة الخارجية الأمريكية في الأمم المتحدة عند امتناعها عن التصويت على القرار الأممي 1860 بقولها إن سبب امتناعها هو رغبة إعطاء المبادرة المصرية الفرنسية وقتا إضافيا للتجسيد، وهو عذر أقبح من ذنب• شعار قناة العالم الإيرانية هو أيضا ليس بريئا من التداعيات الإيديولوجية• ''غزة صامدة'' هو شعار يشير إلى أبعد الحدود إلى موقف إيران من القضية التي تساند المقاومة الفلسطينية في غزة والمتمثلة في حركة حماس، ''فغزة صامدة'' يشير إلى أن المقاومة صامدة، وبالتالي حركة حماس صامدة•

الصورة أبلغ من ألف كلمة

التغطية الإعلامية ليست شعارات فحسب، ولكن تتجسد أيضا من خلال التحليلات والتعقيبات التي يقدمها ضيوف وسائل الإعلام، كما للصورة الصحفية والنقل الحي دور في التغطية ككل• ففيما يخص النقل المباشر والصورة الصحفية، فقد تشابهت إلى أبعد حد تلك التي قدمها الإعلام العربي ككل، والتي تسلط الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة، فيما فضلت وسائل الإعلام الأجنبية، أوروبية كانت أم أمريكية، تقديم صور أرادوها أن تقدم نوعا من التوازن بين العمليات العسكرية الإسرائيلية ورد قوات المقاومة الفلسطينية، لإعطاء انطباع أن ما يجري في غزة هي مواجهات بين قوات الجيش الإسرائيلي ونشطاء حماس، على حد تعبير تلك القنوات• أما من الجهة الإسرائيلية، فكانت قناة ''رماتان'' أكثر القنوات تتبعا للحدث، حيث رصدت أهم التطورات على خطوط التماس ومواقع القصف، الشيء الذي دفع بالعديد من القنوات العربية والعالمية إلى نقل الصور التي كانت تبثها، إلا أن الخديعة الكبرى التي عمدت إليها القناة هي التركيز على العمليات التدميرية لمواقع المقاومة والتكتم على الخسائر الملحقة بالجيش الإسرائيلي، وكذا التكتم على استهداف المدنيين، مع التضخيم من حجم الخسائر التي تلحقها المقاومة بالمدنيين الإسرائيليين، فكانت معظم الصور التي نقلتها القناة عبارة عن صور بانورامية على مواقع القصف بشكل عام، مع التركيز على المواقع المستهدفة للمقاومة في عزة، وكذا صور الهلع والخوف للمدنيين الإسرائيليين جراء سقوط صواريخ المقاومة في محيط بلداتهم


ضيوف وسائل الإعلام هم بدورهم صنعوا الحدث، وحاولت كل قناة التكيف مع الأحداث ومع خطها الافتتاحي، من خلال الضيوف الذين تداولوا على النشرات الإخبارية والحصص الخاصة• ''قناة الجزيرة'' اعتمدت بشكل كبير على شبكة مراسيلها في فلسطين والمشكلة من طاقم مكون من خمسة مراسلين صحفيين، تتداول على نقل تغطياتهم وتعتمد عليهم في متابعة تطورات الأحداث على الأرض، إضافة إلى العديد من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين لمتابعة سير العمليات العسكرية، وكل ذلك بهدف تكريس الوجود الإسرائيلي في فلسطين، على أساس أنه كيان موجود ويجب التعامل معه• بينما عمدت قناة العربية إلى استضافة شخصيات من العيار الثقيل، حيث فتحت الباب أمام السلطة الفلسطينية باستضافة رئيس حكومتها سلام فياض الذي حاورته الصحفية جيزال خوري في برنامج ''بالعربي''، حوار كان الغرض منه إظهار حجم الخلاف بين فتح وحماس، وكذا الترويج للمبادرة المصرية من خلال استضافة وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيض• القنوات الأجنبية، من جهتها، فضلت استضافة الممثلين الدبلوماسيين الإسرائيليين والفلسطينيين في بلدانها، وكذا الخبراء العسكريين الإسرائيليين للوقوف على سير العمليات العسكرية وخلق توازن قوى لا جدوى من ادّعائه•


حرب المصطلحات

في ظل الزخم اللغوي، يظل الشغل الشاغل للصحفي هو انتقاء الكلمات والمصطلحات التي تخدم أكثر موضوعه، خاصة التي تعكس توجهه والخط الافتتاحي للوسيلة الإعلامية• المعادلة صعبة، والتلقائية مرفوضة، فإلى أي مدى تعكس تلك المصطلحات التناول الموضوعي للحدث؟ وهل هذه الأخيرة تخل بمعايير المهنية في التعامل مع الخبر وتداعياته؟ وفيما يخص تغطية ما يحدث في غزة، فقد اختلفت المصطلحات وتضاربت، وأحيانا تناقضت• وفي عرضنا هذا لأهم تلك المصطلحات المتداولة، سنحاول أن نجرب الحياد حتى لا نقع في فخ المصطلحات لنقدم حوصلة حولها• فأول تلك المصطلحات تلك الخاصة بالحدث في حد ذاته، فوصفه البعض بالهجوم والآخر بالاعتداء، كما كان اجتياحا وعملية عسكرية وحربا• أما عن سكان غزة المتوفين جراء ما حدث، فكانوا عند البعض ضحايا، وعند البعض الآخر شهداء• الفاعلون في الحدث هم قوات الجيش الإسرائيلي، قوات الاحتلال الإسرائيلي• الطرف الثاني في الحدث هم في قاموس البعض مقاومون، وعند البعض الآخر نشطاء حماس• أما من وقع عليهم الفعل، فهم طبيا جرحى، إنسانيا منكوبون، سياسيا مدنيون•

حرب المصطلحات طالت أيضا المناصب والمؤسسات• فبين رئيس الحكومة ورئيس السلطة ووزير الدفاع ووزير الحرب، الدولة الفلسطينية والأراضي الفلسطينية، مقاومين مسلحين ونشطاء، كثيرا ما تختلط أوراق الصحفيين وتصعب عليهم مهمة نقل الحدث، لتتجلى فكرة عدم إمكانية نقل الحدث دون التأثر به والتأثير فيه، الأمر الذي قد يشتكي منه العديد من الصحفيين، سواء عرب أم أجانب• فحتى وإن حرص الإعلام على توفير شرط الموضوعية، فإن المصطلحات كثيرا ما تخونه وتجعله ينحاز إلى هذا أو ذاك• وفي هذا المقام وفي موقعنا هذا، لا يسعنا إلا أن نأخذ موقفا ونختار مصطلحات، حتى وإن كان الأمر من وجهة نظر إعلامية غير مقبول، ولكن للضرورة أحكام•

غزة حتى وإن اختلف الإعلام في كيفية تغطية ما يحدث فيها واختلف الصحفيون في انتقاء المصطلحات لوصف ذلك، إلا أنها تبقى نقطة سوداء في تاريخ البشرية، شاهدة على بشاعة العنف وجشع الإنسان وتواطؤ العالم مع شر نفسه، ليصنع من هذه البقعة دمارا وخرابا، وتتضارب المصالح ويتسكع الجميع على جثث الأبرياء الذين لم يقترفوا أي ذنب، باستثناء أنهم ولدوا على أرض غزة•

حسام مشعل
2010/07/04, 10:22 PM
يارب انصر الاسلام يارب الف ششششششششششششكر لك