المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أزمة قبور


عــادل محمد
2020/08/11, 12:26 PM
في وجل تقدمنا إلى بوابة المقبرة، فيتفتح البواب دار الآخرة، وندلف جميعا على أكتافنا ذلك النعش نحمله وكلنا في لباس حزن. في ذلك المكان الموحش ليس هناك ميت سوى هذه الجثة، هكذا نظن، وننسى القلوب الميتة في أجوافنا التي لا تنظر إلى المقبرة إلا عبر أحجارها وأشجارها القصيرة.



نتقن فن الشكوى والنقد على قلة القبور وبعثرتها وقلة ترتيبها ونظافتها، ولو شكت المقبرة لشكت منا قلة الزيارة إلا لداء الواجب والواجب مثقل بنا كما نحن مثقلون به.



إن القبور لو اشتكت لاشتكت ذلك الغافل الواقف على شفيرها وهو يحاكي صديقه عن المدة المتبقية لإنهاء بناء العمارة، أو إنتاج المزرعة، أو آخر مكاسبه المالية في سوق الأسهم. هذا كله، وعرق حفار القبور ينادي أن عجلوا لي بهذه الجيفة حتى نتخلص منها. والآخر متكئ على جدار الأمل ينتظر تحرك تلك المساحي والخلاص من الطابور الطويل الذي يقف فيه المعزون.



هيه يا أيها القبر، أتذكر يوم جلس على شفيرك محمد - صلى الله عليه وسلم - وحوله أصحابه رضوان الله عليهم، قد طأطأوا رؤوسهم يستمعون للموعظة، والكون ساكن كأن التاريخ جالس معهم يستمع لوحي كلمات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يشير إلى القبر بعود ويقول: لمثل هذا فأعدوا.



القلب والقبر لفظتان متقاربتان في اللفظ ومتقاربتان في المعنى. فالقلب يدفن الأسرار والافكار والذكريات والآمال. والقبر يدفن هذا كله. بل ويجعلك القبر تخرج من مقبرة الآخرة إلى مقبرة الدنيا، فما الدنيا على سعتها إلا قبر فسيح. وأما المآل فهو في المكان الذي خرجت منه.



كان لدينا رجل كبير في السن، دفن من الموتى ما جعله من رواد المقابر وزوارها، حتى أصبح يقول في آخر عمره: هنا مكان الراحة، هنا مكان الراحة. إلى أن استلقى على وسادة لحده ومضى وتبقت كلماته تنير الطريق للسائرين.