تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الشدة واللين في قلب عمر بن الخطاب


AbuHossam
2024/02/18, 08:35 PM
لعل قوة عمر كانت توحي دائمًا بشدته، لكن في الواقع لقد امتزجت شدة عمر بن الخطاب باللين امتزاجًا عجيبًا، فهو والله شخصية عظيمة؛ إذ تجعلك منجذبًا له مع كل صفة نذكرها من صفاته وأخلاقه، لما وَلِيَ عمرُ الخلافة نادى بالصلاة جامعة، ثم صعِد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "بلغني أن الناس هابوا شِدَّتي، وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟ ومن قال ذلك، فقد صدق؛ فقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه، وكان من لا يبلغ أحدٌ صفته من اللين والرحمة، وكان كما قال الله عز وجل: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، فكنت بين يديه سيفًا مسلولًا حتى يغمِدني أو يَدَعني فأمضيَ، فلم أزَلْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفَّاه الله وهو عني راضٍ، والحمد لله على ذلك كثيرًا، وأنا به أسعد.

ثم وَلِيَ أمرَ المسلمين أبو بكر، فكان من لا ينكرون دَعَتَه وكرمه ولينه، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتي بلينه، فأكون سيفًا مسلولًا، حتى يغمِدني أو يدعني فأمضي، فلم أزل معه كذلك حتى قبضه الله عز وجل وهو عني راضٍ، والحمد لله على ذلك كثيرًا، وأنا به أسعد.

ثم إني قد وليت أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أُضعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والقصد، فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض"؛ هذه كانت كلمات أمير المؤمنين في أول خلافته؛ وهكذا قال الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، هكذا كان عمر بين الشدة واللين، فلم ينكر عمر رضي الله عنه ما قاله الناس عن شدته، وكيف ينكر تلك الشدة وهي تُستعمل على أهل الظلم والتعدي على المسلمين؟