تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الجمع بين رزق الله لجميع الدواب وموت بعضها جوعًا


امانى يسرى محمد
2025/09/04, 01:45 AM
الجمع بين رزق الله لجميع الدواب وموت بعضها جوعًا


الجانب الأول :

قد علمنا وآمنا وتيقنا أن الله تعالى قد خلق خلقه وأحصاهم عدداً وتكفل بكل أرزاقهم فلم ينس منهم أحداً لقوله تعالى ** وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين } ... وجاء فى تفسير ابن كثير ما نصه : ((أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ مُتَكَفِّل بِأَرْزَاقِ الْمَخْلُوقَات مِنْ سَائِر دَوَابّ الْأَرْض صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا بَحْرِيّهَا وَبَرِّيّهَا وَأَنَّهُ يَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا أَيْ يَعْلَم أَيْنَ مُنْتَهَى سَيْرهَا فِي الْأَرْض وَأَيْنَ تَأْوِي إِلَيْهِ مِنْ وَكْرهَا وَهُوَ مُسْتَوْدَعهَا . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة وَغَيْره عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا " أَيْ حَيْثُ تَأْوِي " وَمُسْتَوْدَعهَا" حيث تموت))


الجانب الثاني :

واللهُ تعالى الذى أوجب على نفسه التكفل برزق عباده - كما فى الآية السابقة - هو نفسه الذى أخبرنا أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لحكمة منه سبحانه , ولم يُلْزِم نفسه سبحانه أن تكون كل أرزاقه واسعة حتى يشترط هؤلاء الجهال عليه ذلك ... فقد قال تعالى ** الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا فى الآخرة إلا متاع } ... وقال تعالى {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون} .... وقال أيضاً ** وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} ...


الجانب الثالث :

وهو سبحانه الذي أوجب على نفسه التكفل برزق عباده والذي يبسط الرزق أو يضيقه لحكمة منه - كما في الآيات السابقة - فهو نفسه الذي أخبرنا عن حكمته من تضييق الرزق على بعض عباده قائلاً ** ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير} ... فهو سبحانه وتعالى عليم بعباده وخبير بما يصلحهم ويفسدهم ولأجل ذلك ينزل الرزق وفقاً لما يقتضيه علمه وحكمته لا وفقاً لأمزجة الملاحدة وأهوائهم ...


فنفهم من كل الآيات الكريمة السابقة أن الرزق قد يكون إذاً ضيقاً وقد يكون واسعاً ... فبالإضافة إلى ثبوت هذه الحقيقة نقلاً ، فهذا هو المقبول عقلاً والمُشاهَد على أرض الواقع ، فالناس يتفاوتون فى أرزاقهم ... أما الملاحدة فتوهموا أن الله تعالى مُلْزم - وحاشاه - بتوفير الرزق لعباده شريطة أن يكون ذلك الرزق واسعاً ، وإلا لو كان رزقهم ضيقاً فمعنى ذلك أن الله لم يتكفل برزقهم .... ولا أعلم من أين أتى هؤلاء بهذا الشرط العجيب إن كان المتكفل بأرزاقهم سبحانه لم يوجب على نفسه سعة الرزق لجميع عباده بل أخبرنا بخلاف ذلك ؟؟!!! .... أرأيتَ أخي الكريم تدليس الملاحدة ومغالطاتهم ؟؟!! .... شبهتهم في أصلها مبنية على هذه المغالطة ..


الجانب الرابع :

قرر الله تعالى في القرآن الكريم أن سُنَّته فى عباده هى جَعْلُهم درجات فوق بعضهم البعض فيتفاوتون في أرزاقهم وليسوا سواءاً ... فقد قال تعالى {وهو الذى جعلكم خلائف فى الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} .... وقال تعالى {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون} .... أما الملاحدة المدلسون فيغضون الطرف عمداً عن هذه الحقيقة لأجل أن تقوم لشبهتهم قائمة ... وهيهات ..


الجانب الخامس :

قرر الله تعالى في القرآن الكريم أن الابتلاء هو أيضاً سنته في عباده في هذه الدنيا .... فقد قال تعالى {ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} .... وقال تعالى ** كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} .... لكن الملاحدة لا بأس لديهم في مخالفة المشاهَد والمعايَن في هذه الحياة الدنيا وكأن الدنيا جنة غناء مثلاً .... وبالتالي عندما تحصل بها المجاعات فسيكون ذلك راجعاً لا إلى طبيعة هذه الدنيا القائمة على الابتلاء والمحن ، وإنما إلى أن الله تعالى لم يرزق هؤلاء الجوعى ... عجباً !!!


كما أن هؤلاء الملاحدة قد قَصَروا مفهوم الرزق على مجرد الإطعام والمال فقط ، وجهلوا أن مفهوم الرزق أوسع وأشمل من مجرد المال والأكل بكثير .... فكل ما امتن الله به على عباده من العطايا هو رزق ، فالمال والطعام والصحة والزواج والإنجاب والسمعة الطيبة ومحبة الناس وحُسن الخلق والذكاء والفطنة والنجاح ........ إلخ كلها أرزاق من الله عز وجل ..
فلو علمنا أن الرزق اسم جامع لكل خير تفضل الله به على عباده (فرضية صحيحة) .. ولو أن الأمر من المفترض أن يكون على الشاكلة التي يظنها الملاحدة من أن الله إن لم يوسع رزق عباده كلهم فلا يضيق عليهم شيئاً (فرضية خاطئة) ..لترتب على هاتين الفرضيتين ما يلي:

1- لوَجَبَ على الله تعالى أن يُطعم كل عباده فلا يبقى أحداً جائعاً أو يموت جوعاً
2- لوجب على الله تعالى أن يرزق كل عباده بالمال فلا يكون منهم فقير
3- لوجب على الله تعالى أن يرزق كل خلقه بالزواج رجالاً ونساءاً فلا يبقى أحد على وجه الأرض دون زواج
4- لوجب على الله تعالى أن يرزق كل عباده بالذرية والأولاد , فلا يكون بين عباده عقيم
5- لوجب على الله تعالى يرزق كل عباده بالصحة والعافية فلا يُمْرِض منهم أحد

وإلا لو منع الله رزقه أو ضَيَّقه على بعض عباده فى هذه الأمور , فمعنى ذلك أنه لم يتكفل بأرزاقهم
فهل هذا يستقيم عقلاً ؟؟!! ... بالطبع لا ... فهو مخالف للعقل وللواقع وللنقل جميعهم
ولو أعطى الله كل عباده كل شئ ولم يمنعهم أو يضيق عليهم في شئ لامتنعت سنة ابتلاء الخلق ... ولـَناقضنا الجانب الرابع والخامس من جوانب قضية الرزق في القرآن الكريم ... بل ولـَمَا كانت هذه دنيا أصلاً ، فالرزق الواسع الذى لا ينقطع ولا يمتنع فى الجنة فقط لا غير ..


الجانب السادس :

الله سبحانه وتعالى الذي تكفل برزق العباد هو نفسه الي أمرهم بطلب أسبابه والسعي لتحصيله ، فقد قال سبحانه [فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ] ، وقد عُلِم بالشرع والعقل والنظر أن مَنْ قعد عن طلب الرزق لن يناله ولو كان مؤمنًا ، ولا يتعارض ذلك مع حقيقة تكفل الله تعالى بأرزاق عباده ، بل تكفل الله بالرزق يلزمه سعيٌ من العبد للحصول على الرزق المقدَّر والمكفول له ، ولذا من سعى إلى الرزق واتخذ أسبابه وجدَّ في طلبه فسيناله ولو كان كافرًا .

وبالرجوع للحديث عن ضحايا المجاعات فأقول أن الله تعالى إن أنزل المجاعة ببعض الأقوام فلنعلم أنه سبحانه قد سبَّب الأسباب للخلاص منها ، وأمر سبحانه عباده من أصحاب العافية والقوة والمال باتخاذ تلك الأسباب لرفع الضر عن أولي الضرر بإطعامهم وإغاثتهم ومد يد العون لهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا ، وجعل الله سبحانه في سَوْق الرزق للمحتاجين ثوابًا عظيمًا ، وبذا ليس المُلام هو الله تعالى الذي أمر عباده بإطعام الجائعين وإغاثة الملهوفين والسعي في تفريج كربات المكروبين حتى جعل سقاية كلب يلهث الثرى من العطش سببًا في الغفران لبغي من البغايا ، بل المُلام هو من خالف أمره ولم يتمثل تعاليمه ، فلم يطعم جائعًا ولا أغاث ملهوفًا ، بل وقف متفرجًا مكتفيًا بلوم القدر !! بالضبط كالفقراء الذين جعل الله لهم رزقهم حقًا واجبًا في زكاة الأغنياء ، فإن تعسر حال الفقير فالملام هو الغني الذي أكل حقه ظلمًا ، وليس الله جل جلاله الذي تكفل برزقه واستودعه الغني وأمره بأداء الحقوق إلى أهلها من الفقراء والمساكين .

فإن كان الملحد يعلم علم اليقين بوجوب اتخاذ الأسباب لتحصيل الرزق المكفول ، فلماذا يتغاضى عما أمر الله تعالى به عباده تجاه أولي الضرر والمجاعات والذي هو من جملة الرزق الذي كفله الله تعالى للمكروبين وجعل بعض عباده سببًا لإيصال ذلك الرزق المكفول إليهم ، ثم يزعم الملحد كذبًا أن الله تعالى لم يتكفل برزق هؤلاء ؟ قاتَل الله اتباع الهوى واستحباب العمى .


الجانب السابع :

تكفل الله تعالى بحفظ ذلك الرزق وإيصاله لكل عباده بحيث لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها (قليلاً كان أو كثيراً) وأجلها (طويلاً كان أو قصيراً) .... فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ "..... المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ خذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُمَ )الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه

ولذا نسأل الملاحدة سؤالاً أخيراً إن كان لديهم بقية باقية من عقل :
هل هؤلاء الذين توفاهم الله تعالى فى مجاعة أو ما شابه قد استكملوا أرزاقهم وآجالهم ؟؟
أم ماتوا دون أن يستكملوا أرزأقهم وآجالهم ؟!

إن أجاب الملاحــدة : " نعم قد استوفى هؤلاء أرزاقهم وآجالهم " ،
فقد نقضوا شبهتهم بأنفسهم ، ووافقوا القرآن والسنة فيما جاءا به
وإن أجاب الملاحدة : " لا لم يستوفوا أرزاقهم ولا آجالهم , فقد ماتوا لأن الله لم يرزقهم أو لأنه قد ضيق عليهم "


فأسألهم والسؤال لهم ولكل عاقل منصف :
وهل كان الرزق الواسع سبباً فى منع الموت عن أصحابه ؟؟!
هل يموت الشبعَى الذين يأكلون مِلْء بطونهم ؟؟ أم لا ؟؟!
هل يموت الأغنياء أصحاب الأموال الطائلـــة ؟؟ أم لا ؟؟!
هل يموت الأصحاء وهم في كامل عافيتهــــم ؟؟ أم لا ؟؟!

وأترك الإجابة لأصحاب العقول ... فيبدو أن المجاعات والموت هما مبلغ الملاحدة من العلم .... وقد صدق فيهم قول المولى عز وجل {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}



المصدر
المنبر الاسلامى حورس

عــادل محمد
2025/09/05, 06:19 PM
الرزق في ضوء الكتاب والسنة
أحمد محمد يوسف

الرزق في ضوء الكتاب والسنة


الحمد لله الذي خلق الخلق، وتكلف برزقهم، وقسم الأرزاق بحكمته وعلمه، ورغم هذه الحقيقة نجد أنَّ الشغل والهمَّ الذي يُصبح الناس عليه ويُمسون هو الحصول على الرزق، فكلُّنا يريد ويسعى أن يكون رزقه واسعًا، الكل يأمل الغنى والصحة والأبناء والمنصب.



معنى الرزق:

قال ابن منظور في لسان العرب: الرزق هو ما تقوم به حياة كل كائن حي ماديًّا كان أو معنويًّا.



ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الرزق ما ينتفع به الإنسان، وهو نوعان: رزق يقوم به البدن (هو الأكل والشرب واللباس والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك)، ورزق يقوم به الدين (هو العلم والإيمان).



طرق الحصول على الرزق:

لضرورة الرزق للحياة فإن الناس تسعى للحصول على الرزق بطرق متعددة، فمنهم: من يستخدم كل السبل للحصول على مراده من منظور دنيوي، حتى وإن كان هذا الكسب من الحرام (السرقة، الرشوة، أكل مال الغير، ظلم الناس) يُكرِّس حياته كلها لطلب المال، أما المؤمن فيطلب الرزق باتِّباع شرع الله، ويجد أن شرع الله وضَّح للناس وأرشدهم للطريق السليم لفهم قضية الرزق وسبل الحصول عليه للتخلُّص من هذا الهم وانشغال العقل بمسألة الرزق.



الرزق من قضايا الإيمان:

الرزق من القضايا الغيبة الإيمانية المرتبطة بالقدر (هو ركن من أركان الإيمان).



1- الرزاق هو الله عز وجل: (قضية الرزق في الإسلام وكيف نفهمها، أ علي عبدالعال):

من أسماء الله الحسنى "الرزَّاقُ"، صيغة مبالغة من "رازق"؛ للدلالة على الكثرة، فالرزَّاق: الكثير الرزق، وهو شأن من شؤون ربوبيته عزَّ وجلَّ، وهو رزَّاق لجميع عبادهبكل أنواع الرزق؛ قال الله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ï´¾ [الذاريات: 58]، وقال تعالى: ï´؟ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ï´¾ [العنكبوت: 60]، وقال تعالى: ï´؟ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ï´¾ [الذاريات: 22]، وقال تعالى: ï´؟ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ï´¾ [الحجر: 21].



2- الرزق مقسوم مكتوب من عند الله من قبل أن تُخلَق(قضية الرزق في الإسلام وكيف نفهمها، أ علي عبدالعال):

كتب المقادير قبل خلق الخليقة: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، قال: وعرشه على الماء))؛ رواه مسلم.



الله مقسم الأرزاق بعلمه بأحوال الخلق وحكمته جل وعلا في تقسيم الأرزاق، قال تعالى: ï´؟ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ï´¾ [هود: 6].



وإن مما قضاه الله وقدره من قبل أن يُولَد الإنسان، أربع، فعَنْ عبدالله بنِ مَسْعود قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ..))؛ صحيح مسلم.



3 – الرزق محتوم للخلق لن ينقص (قضية الرزق في الإسلام، وكيف نفهمها، أ علي عبدالعال):

الله تكفَّل بالأرزاق، فلا يستطيع أحدٌ أن يمنعه أو يرده، وإذا أرادك الله برَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَ، وما كُتب للعبد مِن رِزق وأجل، فلا بد أن يستكمله في حياته حتى قبل موته؛ قال تعالى: ï´؟ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ï´¾ [الذاريات: 22، 23].



روى أبو نعيم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن رُوح القدس (أي جبريل) نفَث (ألقى) في رُوعي (قلبي) أن نفسًا لن تموتَ حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فأجملوا في الطلبِ، ولا يحملَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصيةٍ؛ فإن اللهَ لا ينال ما عنده إلا بطاعته))؛ صحيح الجامع للألباني.



روى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرِّزقَ ليطلُب العبدَ أكثرَ مما يطلبه أجله))؛ حديث حسن، صحيح الجامع للألباني، حديث 1630.



كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد))؛ رواه البخاري.



الحكمة من تقسيم الأرزاق:

والله تعالى قسَّم الأرزاق بحكمته وعدله المطلق، في هذه الدنيا، يوزِّع الأرزاق على عباده بحسب حاجتهم وقدرة تحمُّلهم له، جعل هذا غنيًّا وهذا فقيرًا، وآخر بين هذا وذاك؛ لعلمه سبحانه وتعالى أن من أغناه لا يصلح له الفقر، وكذلك من أفقره لا يصلح له الغنى؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ï´¾ [الإسراء: 30]، يقول ابن كثير: أي خبير بصير بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر، قال الله تعالى:ï´؟ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ï´¾ [الشورى: 27].



وترتيبًا على ما سبق، نجد أنه يجب على المؤمن الحرص على ما يلي:

1- الرضا والتسليم بما قسمه الله:

لكى تعيش سعيدًا في حياتك وتفوز برضا الله يجب أن ترضى بما قسمه الله لك وتخرج من دائرة الصراع التي لن تكون نهايتها إلا ما كتب الله لك، قال صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرةَ، كُنْ وَرِعًا تَكُنْ من أَعْبَدِ الناسِ، وارْضَ بما قسم اللهُ لكَ تَكُن من أَغْنَى الناسِ، وأَحِبَّ للمسلمينَ والمؤمنينَ ما تُحِبُّ لنفسِكَ وأهلِ بيتِكَ، واكْرَهْ لهم ما تَكْرَهُ لنفسِكَ وأهلِ بيتِكَ تَكُنْ مؤمنًا....))؛ الراوي: أبو هريرة |المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الجامع.



فهذه الدنيا الفانية يعطيها الله لمن يحب، ومن لا يحب: أعطاها لقارون وفرعون وهو لا يحبهم، وأعطاها لعبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ولسيدنا سليمان وهو يحبهم.



وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج))، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ï´؟ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ï´¾ [الأنعام: 44].



2- الأخذ بالأسباب مع حسن التوكُّل على الله، ثم تنتظر ما يتفضَّل الله به عليك:

الأسباب المادية:

قال تعالى:ï´؟ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ï´¾ [الملك: 15].



يجب على المسلم الأخذ بالأسباب مع حُسْن التوكُّل على الله، وانتظار فضل الله، وعدم الاعتقاد بأن الأسباب تؤَثِّر بذاتها؛ فهناك أسباب تكون سببًا في النتائج، وبعضها لا يكون سببًا في النتائج؛ لأن الله هو القادر على كل شيء بالتوكُّل عليه، يصنع المعجزاتكما أرشد إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قَالَ: ((لَوْ أَنَّكُمْ تَتوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا))؛ صحَّحه الألباني.



وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان آدم عليه السلام حرَّاثًا، ونوح نجَّارًا، وإدريس خيَّاطًا، وإبراهيم ولوط زارعين، وصالح تاجرًا، وداود زرَّادًا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله عليهم رُعاةً".



الأسباب المعنوية:

وهناك عدد من الطاعات جاءت الأدلة بأنها تستجلب الرزق وتكون سببًا في نزول البركة، ومنها:

• الاستغفار: ï´؟ وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ï´¾ [هود: 52].



ï´؟ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ï´¾ [نوح: - 12].



• الإنفاق في سبيل الله، قال الله تعالى: ï´؟ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ï´¾ [سبأ: 39].



ï´؟ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ï´¾ [البقرة: 261].



وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمَّ أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا))؛ رواه البخاري ومسلم.



((بينما رجلٌ بفلاةٍ إذ سمعَ رعدًا في سحابٍ، فسمعَ فيه كلامًا: اسقِ حديقةَ فلان - باسمه - فجاءَ ذلكَ السحابُ إلى حرّةٍ فأفرغَ ما فيهِ من الماءِ، ثم جاء إلى أذنابِ شرجٍ فانتهى إلى شرجةٍ، فاستوعبتِ الماءَ، ومشَى الرجلُ مع السحابَةِ حتى انتهى إلى رجلٍ قائمٍ في حديقةٍ له يسقِيها، فقال: يا عبدالله، ما اسمُكَ؟ قال: ولم تسأَلُ؟ قال: إني سمعت في سحابٍ هذا ماؤُه: اسقِ حديقةَ فلانٍ، باسمكَ، فما تصنعُ فيها إذا صرمتَها؟ قال: أما إن قلتَ ذلك فإني أجعلها على ثلاثةِ أثلاثٍ: أجعلُ ثلثًا لي ولأهلي، وأردُّ ثلثًا فيها، وأجعلُ ثلثًا للمساكينِ والسائلينَ وابن السبيلِ))؛ الراوي:أبو هريرة| المحدث:الألباني|المصدر:السلسلة الصحيحة.



• صلة الرحم: من أعظم الأسباب التي تزيد في الرزق وتحل به البركة لواصل الرحم، روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)).



• تقوى الله -عز وجل- في السر والعلن؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ï´¾ [الطلاق: 2، 3]، قال ابن كثير-رحمه الله-: "أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ أي: من جهةٍ لا تخطر بباله"، وقال الله: ï´؟ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [الأعراف: 96].



قصة دولة سبأ: ï´؟ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ï´¾ [سبأ: 15 - 17].



• الحفاظ على الصلاة، حيث يقول الله تبارك وتعالى: ï´؟ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ï´¾ [طه: 132].



كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، ويقول لهم: «الصلاةَ الصلاةَ»، ثم يتلو هذه الآية: ï´؟ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ï´¾، وفي تفسيرها: فإذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب.



وكان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إذا أصابتهم خصاصة أو شدة أو ضيق بادروا إلى الصلاة، وأمروا أهلهم بها.



الدعاء:

الدعاء أيضًا من جملة الأسباب الشرعية أو طاعة لله وامتثال لأوامره؛ لكن لا يجوز للعبد أن يعطل أسباب مطالبه الدينية والدنيوية، اعتمادًا على مجرد الدعاء.



ويقول الله تعالى: ï´؟ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ï´¾ [البقرة: 186].



كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك))، هذا الحديث قال المنذريُّ: إن إسناده صحيحٌ.



قصة نبي الله زكريا عليه السلام: ï´؟ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ï´¾ [الأنبياء: 89، 90].

الألوكة
..............