المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العنوان: نحن أولى بالرثاء الشاعر صالح جودت


albasher_2010
2012/01/13, 04:36 AM
أمـع الاسـراء نادته السماء ؟
كـدت أن أحـسـبه فى الأنبياء

علـت الطائـرة الثـكلى بـه
فتـخيلت بـراقا فـى الفضاء

كدت أن أسمـع فى مـوكـبه
نغـم الأمـلاك يعـلو بالدعاء

كـدت أن ألـمـح فى معراجه
طـيـف جبريل يحيى الشهداء

كدت أن أشهـد فـى آفـاقـه
مشـهـد الجـنة وعـد السعداء

* * *

قـلت والجثمان يعلو فى السما
إنـه حـيـاً ومـيتاً فى علاء

وتمثلت مسـيـحاً صـاعـداً
أفمـا كـان مـسيـح الزعماء

يحـمل الآلام عنـهـم ويـرى
أنـه الـفـادى إذا عـز الفداء

صـلبـتـه لـوعة دامـيـة
فى خـيام اللاجـئين التعسـاء

صـرعـته مـحنة القتلى على
سـاحة الأردن والجوعى الظماء

طعـنته يـد قـابـيل الـتـى
طـوت العـهد وأودت بالاخاء

ذبـحته نـكـبة العـرب التى
جددت فى الناس ذكرى كربلاء

* * *

طـائر الاحـزان لا تــنأ به
إنـه كـان لـنـا أحـلى رجاء

وتـرفـق .. إن مـن تـحمله
كان من يحمل عن مصر العناء

كان مـن يحنو عـلى أمـتـه
كـان مـن يدفع عنها الأشقياء

عاش ما عـاش فـقيـرا زاهدا
ينـكـر الأخـذ ويدعو للعطاء

وهـو مـن كـان بـما يملكه
من قلوب الناس ، أغنى الأغنياء

يـا فنـاء "القبة" استقبل فتى
لم يزل فى مجـده فـوق الفناء

ثـائـر الثـوار نـاداه الـذى
تسـكن الـروح لـه عند النداء

خيـم الصمت علـى مـنـبره
بـعـد أن كان خطيب الخطباء

وانحنينا ، بعـد أن كـنا بـه
نـرفع الـرأس ونمشى الخيلاء

حـمل المـدفع أمـضى مدفع
يقـهر الـصلب احتمالا ومضاء

نحن لولا الـمـوت قـلنا إنـه
كـان كالأقدار يـقضى ما يشاء

لو سـئـلنا فـدية فـى دمـه
لافتـدته كـل مـصر بـالدماء

كان لا ينطق فيـنا عن هـوى
أو يـقـول الـقول للناس رياء

كان كـالأهـرام مـجدا وعـلا
كـان كـالنيل انـطلاقا ووفاء

كـان كـالسد شمـوخا ونـدى
كـان كـالأزهـر طهرا ونقاء

كـان فـى تـاريخنا أكرم من
كـرم الـعـلم وزكـى العلماء

ورعى الـفن وحـيـا أهـلـه
وحـباهـم بـأكـاليل الـثناء

وحـمى الدين ونـادى بالتـقى
فى زمـان قـل فـيه الأتقياء

واصـطـفاه الله للعـرب ، فما
كـان إلا خـامسـاً فى الخلفاء

يا أبـا الشـعب وبـانى عـزه
كـلنـا بـعدك فـى اليتم سواء

لم تمـت روحك فينا ، بل غفت
غـفوة الـعابد فى غـار حراء

واسـتراحت فى جـوار آمـن
فى رحـاب الله خـير الأمـناء

غيـر أنـا لن نرى الوجه الذى
كان إن أشـرق فى الليل أضاء

والـقوام الـفارع الـحلو الذى
كـبـرت فـيه معانى الكبرياء

لا ، ولـن نسعد بالصوت الذى
رن بـالحـب وغـنى بالإخاء

"أيـها الأخـوة" .. لن نسمعها
"أيها الأخوة" .. ماتت فى الغناء

بعد أن كـانت نشـيدا للربـى
وصـدى عـذبا وعطرا للهواء

يـا حبـيبا راح مـا ودعـنا
سـوف نبـكيك إلى يـوم اللقاء

قـم تـجد فى كـل بيت مأتما
وعـلى كـل طـريق بـرحاء

ليـس فينا غيـر من خر ومن
غـص بالبلوى ومن شق الرداء

احـتملنا الـدهر فى أحـداثـه
وارتـضيـنا منه ما سر وساء

غيـر أنا قد وقـفنـا ها هـنا
وقـفة التـائه فـى لـيل عماء

نسـأل الاقـدار مـاذا أظهرت
من عواديها ، وماذا فى الخـفاء

إن للـرحمن فـى أحـكـامـه
حـكمـة يقـصر عنها الحكماء

كنت ملء الكون عـزما وهدى
ونـضـالا وجـلالا وذكــاء

أى داء نـابـغـى غـالـنـا
فـيك ، إلا ان يـكون المجد داء

كـنت فـينا فرحة الدنيا ، فإن
هـى ولـت ، فعلى الدنيا العفاء

يا رجـال العهد ، صونوا عهده
إنمـا أنـتم عـليـه أوصـياء

وإذا مـات جـمال ، فلـيكـن
لوصـاياه لـكم طـول البـقاء

خـلدوا فى حـناياكم ، كـمـا
تـخلد الأديـان بـعد الأنبـياء

واحـفظوا ثـورته طـاهـرة
وانفـضوا كل انحراف والتواء

وخـذوا العـبرة مـنه إذ مضى
يـرأب الصـدع ويـعلو بالبناء

واذكـروا فـى كـل فجر إنـه
مـات بالـعدوان مجروح الإباء

فـاثبتوا ، لا تنـزلوا عن حبة
استـبيحت من رمال الصحراء

واسمعوا القـدس تناديكم ، فلا
تقبلوا فى القدس ما دون الجلاء

لا تـقولوا نـحن أحـرار ، إذا
ظـل أهـلونا عـبيدا وإمـاء

شـددوا الـنكر عـلى أعدائكم
واطرحوا الصبر فقد فاض الإناء

نحـن بـاردنا إلى السلم ، وهم
أنكـروه ، فلـنبادر بـالـعداء

شـرف الهـدنة يـعفيـنـا إذا
لـم يكـن أعـداؤنا بـالشرفاء

شـف الهـدنة ألا نـرتـضى
فـى طـريق الحل عوداً للوراء

امسـحـوا الأعـياد من أيامنا
غير عيد لو رفضنا الصبر جاء

إنـه العـيد الـذى نـحـيا له
كـل عـيد ما خلا النصر هباء

يـا قـضاء نـرتضيه ، بينما
نجـهل الحكمة فى هذا القضاء

أأعـزى فـى جـمـال أمـة
لا تـرى فـيـه سبيلا للعزاء ؟

أو ارثـيه بـدمـعى ودمـى ؟
نحـن فى المـأساة أولى بالرثاء

لا تـلوموا عـيتا فى مـوقف
بـات أعـيا الناس فيه الشعراء

albasher_2010
2012/01/13, 04:41 AM
كـلا ... فما صَـدق الناعـى ولا الخبـرُ وتلك أعـلامُك الغــراءُ تنتظــرُ
يا باعث الروح فى الموتى : الطِّرادُ(1) دنا والخيـل تصهـل والميـدان يستعـر
والقـدس من لوعـة اللقيـا لناصــرها تهفو بأرجائهـا الآيــاتُ والسـورُ
وهللت خـلفَ حطيـــنٍ كتائبُهــــا وافتــر مـكتئبٌ ، واشتد مُنكسـرُ
كلا ، وفى ذروة الأحــلام مـوعدنــا والعطــر أوشك أن يُفضى به الزَّهر
أَيَدْلَهِمُّ الدجـى ، فالليــــل لا قـبسٌ وتستكن المنــى فاللــحن لا وتـرُ
ودمعــة فى مآقــى المجــد حائـرةٌ يجــرى بها الفلك الـدوار والقـدرُ
فى سكـرة من جنـون الليـل عابثـــةٍ أطيافُهــا اللهبُ المحمـوم والنـذرُ
تَدْوى بها فى المــدى النيــران خاسرة ً فكل صيحـة أُمٍّ مــدفــعٌ هَــدِرُ
مددت طرفــى لما جـــال جـــائلُه فى مشهد الـروع عاد الطرف ينحسرُ
أقسى على الوطـن المكسـورِ جـانحُـه جــرحٌ يسيل وشعب فيـه ينتحـرُ
تأبى فلسطيــن أن ينســابَ مـن دمنا فى غير ساحتهــا الحمـراء مُنهمرُ
تأبى ، ويأبــى أبو الأحــرار ما لمعت إلا على فُرقــةٍ أحــلامنا الغـررُ
إيهٍ أبا خــــــالـدٍ يـا ليت كلَّ دمٍ حَقنتَ فــداكَ لمــا جئت تنتصـر
لما حملت همــوم الشــرق فازدحـمت تستافِ من قلبــك الحانى وتعتصـرُ
ناديتهم ونَـدَاك السمــح يجمعهــــم وكم زهــا بـك فى ناديـك مؤتمرُ
حتى إذا عقدوا للخيـــر أمــرهُـــمُ ودعتهم .. ورسـول الموت ينتظر ..
أنت الشهيــد ، وهــذى الشمس باكيـة والليل والكــوكب اللّمـاح والقمـرُ
أنت الشهيــد ، وكـم أحييتَ مـن أُمـم فأنت حـى على التاريـخ مزدهرُ ...
ركبتَ من صهـوات العــزم أخشنهـا والحـر هـان عليه المـركبُ الوعرُ
وسعتَ دنيـاك فانسـاقت جــوانبهــا وكل بُعــدٍ إذا ناديـت يُختصــرُ
لهفـى عليك حملت العبء منفــــرداً حتى شكــا لك منك العبءُ يعتـذرُ
فكم بقبـرك آمــــال مجنحــــةٌ وكم تسـاقط فيـك الـزهر والثمـر
أتيتُ يومـك سـاهى الطـرف خاشعــهُ والحـزن يصـرخُ ، والآلام تسـتترُ
والصـدر بالصـدر آهـاتٌ ممزقـــة والهامُ مطـرقـةٌ والـدمــع يبتدرُ
قضى جمال .. ودوت فى المـدى وسـرت فالجـو من زفـرات الهـول منفطرُ
قضى جمال .. وغص النيـل وارتـجفت أمـواجه واشـرأب الورد والصـدرُ
قضى جمال .. ونـاح الســدُّ وانتـحبت على صـدى صوته الأهرام والعُصُر
قضى جمال .. ومــاج الشعب فى هلـع كالبحـر مصطخبـاً والسيـل ينحدرُ
نــادوا عليــه "حبيب الله" فاختلجت فى سـدرة المنتهى أوراقهـا الخُضُر
مَنْ فارسٌ عربـىُّ الطــيف مشتمـــل بالسـيف معتقل بالـرمـح معتمــرُ
ألقت على مقلتيـه الكبـريــاء سنــىً فالمجــد من عينـه ما يمنح النظرُ
من ذلك الأسمــر الممشــوق كحَّــله سهد الدجـى ، وجـلاه اليمن والظفرُ
من ذلك الشـاهق الجبــال أنجبــــه وادى النــدى ونمته فى العلا مُضَرُ
جمال ، يا منيــة الشعب الذى دمــيت أكفـه ، وبــراه فى السـرى السفر
سالت علـى عتبات البغـــى أدمعــه وقد تقلــم منه النـــاب والظفـرُ
آلى على الحــق أن يحيــى فكـان له فى كل معتــرك عــزٌ ومفتخـرُ
مواكب الشهـــداء الغــرّ مــا فتئت خطارةً ، والثــرى من حولها عَطِر
مصــارع للفــدائييـــن هش لهــا مسرى النبــىِّ وحن الركن والحجرُ
تدافعوا كهزيـــم الرعــد وانطلقــوا عبر الشهــادة لليــوم الذى نذروا
ضاقت بمثواهــم الأرض التـى اتسعت فرحبت باللقاء الأنــجـم الـزُهُـر
وثورةٍ من ضـفاف النيـل عــارمــةٍ يرتاع من هــولها المستعمرُ الأَشِرُ
كأنما هى فى الآفـــــاق عاصفــةٌ تجتاح من رمــم الماضـى ولا تذرُ
لَمَّ البغــاة عليها كل مـــا حشــدوا ووهجهــا فى ضميــر الله مستعرُ
ما قام من علــم حــر على أفــــق إلا وفى ومضــة من ومضهـا أثرُ
من ههنا، من قنــاة البـــأس رجعتنـا والـزحف والجحفل الجـرار والنفرُ
وخفق راياتنــا ما نــال من وطـــر إلا وكان له مــن بعــده وطــرُ
إرادة الشعب تُعيــى كلَّ معجــــزة إذا الطغـاة على خمـر الأذى سكروا
أأشتفى ، وهــواه الطـلق فى كبــدى وأكتفى ، وبنـات الشعـر تبتكر ؟!!
وذكرياتــى إذا غيبتهـــا انبـــعثت فكل طرفـــة عيــن خلفهـا ذِكَرُ
وكم يطيب على رجــع الهــوى أجلٌ وكم يضيـق غـداة الوحشـة العُمُـرُ
ومسنى اليأس لـولا عصبــةٌ صــدقت وعْداً ، وشــد عـراها عهدُه النضُر
ترعـى الرئاسـة فهـى اليـوم زاهيــة شماءُ ، لا عــوجٌ فيهــا ولا زورُ
يا ســاكن النيـل والأظــلال وارفـة وفى حمــاك المنـى تنأى بها السيرُ
أتيتُ أحمــل أحـزانـى وأســـكبها قصيــدةً فى حفيف الشــوق تنتثرُ
أزفها عن بنــى الأُردُنِّ تعــزيـــة حــرّى ، ترددها الآصــال والبُكُرُ
تستلهم العــزم من ذكــرى مُعنبرةٍ (2) أريجهــا بفضـاء الأرض منتشـرُ