ابوفارس.
2012/07/04, 04:09 AM
الحــــــــــــــــرب النفســـــــــــية
التعريف
الاستعمال المخطط للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير على أراء ومشاعر وسلوكيات العدو بطريقة تسهل الوصول للأهداف
أختلف الباحثون في تحديد تعريف واضح ومحدد لحرب الكلمة أو ما يصطلح عليه البعض الحرب النفسية
ويأتي هذا الاختلاف بالأراء من كون حرب الكلمة غير محددة النشاط والمجال والوسائل أضافة الى كونها لا تستند على قواعد علمية ثابتة في ميدان عملها حالها في ذلك حال الدعاية السياسية وقد أطلق الأعلاميون على حرب الكلمة مصطلحات وتسميات أخرى عديدة منها الحرب النفسية هي أكثر شيوعاً من بقية التسميات وغسل الدماغ ، وحب المعتقد ، والحرب الباردة والحرب السياسية ، وحرب الاعصاب ، ولكن كل هذه المصطلحات تعني جميعها مفهوماً واحداً .
فالحرب النفسية أو حرب الكلمة حقيقة قديمة وهي موجودة منذ أن وجد الصراع البشري ولكنها كمصطلح لم يظهر الاّ بعد الحرب العالمية الثانية .
ولقد بذل بول لينباجر وهو من الرواد الذين كتبوا في مجال الحرب النفسية جهوداً واضحة للوصول الى تعريف جامع شامل فقال : إنها إستخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية واقتصادية أو سياسية بما تتطلبه الدعاية ويضيف ( إنها تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية )
وعدّ البعض حرب الكلمة من أشد وظائف أجهزة الاعلام ضراوة وعنف
فعبر نابليون بونابرت عن معنى قوة الكلمة قائلا انني أرهب صرير القلم أكثر من دوي المدافع )
في أحد مؤلفاته يقول يجب أن نعمل ولنعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم فيطلعوا على وسائلنا الدعائية فاذا أستفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعامتها وأسسها فعندئذ سوف لا تفيدنا مساعدات أمريكا وتأييد بريطانيا وصداقة ألمانيا عندها سنقف أمام العرب وجهاً لوجه مجردين من أفضل أسلحتنا ) .
كما أنك قد تقتل انسانا برصاصة فقد تقتل روحة وجسده بكلمه
ففي الماضي كنا نعتقد أن تعذيب الانسان أقصى تعذيب هو تعذيبه جسديا بالقتل، أو قطع الاعضاء.....الخ
لكن مؤخراً اكتشف أن هناك نوعا معروفا أشد من ذلك إنه التعذيب النفسي الروحي
حين يحس الانسان أن ارادته وقوته الداخلية محطمة وليس بها حول ولا قوة
حينما يحس أن الضعف ينبع من داخله وليس للآخر آثر فيه.
بخلاف التعذيب الجسدي فإنه يشعر المرء بحقه الذي اغتصب منه ظلما فربما زاده ذلك قوة ودافعا.
أما التعذيب الداخلي فهو يصيب الانسان بالاستسلام الداخلي والخارجي وهذا يختلف أيضا عن الشعور بالنقص من أجل ظلم خارجي فإنه قد يقوده للأمام كالأعسر مثلا
أما في الحرب النفسية فإنها تدفع المرء للركون للواقع المرير والاستسلام له دون محاولة تغييره
وهذا هو ما يدفع الخصم إلى هذا الطريق من ألوان الحروب فهو أقل تكلفة من الناحية المادية كماانه لايمكن معرفة نتائجها الا بعد زمن ليس بقصير ، فهي وسيلة بعيدة المدى وليس من الضروري أن يظهر تأثيرها مباشرة مثل المعارك الحربية ، فالحرب النفسية ليست مباشرة وليست وجها لوجه . ويقول المخطط العسكري الصيني " صن تزو " : " إن اعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال ".
الاهداف والادوات
وقد حدد البروفسور رجيارداكروس هم أهداف هذه الحرب بالتالي :-
1- تحطيم قيم وأخلاقيات الشعب الذي توجه اليه الحرب النفسية .
2- إرباك نظرته السياسية وقتل كافة معتقداته ومثله التي يؤمن بها .
3- إعطاؤه الدروس الجديدة ليؤمن بعد ذلك بكل مانؤمن به أجراء عملية غسل دماغ .
4- زيادة شقة الخلاف بين الحكومات وشعبها .
5- غرس بذور الفرقة بين أبناء الشعب .
وقد قسم عدد من الباحثين الحرب النفسية الى عدة أقسام رئيسية منها :
السوقية والتعبوية والحرب المعززة للمعنويات التي تتوجه نحو السكان المدنيين لضمان الحصول على تعاونهم الوثيق .
الادوات
- الدعاية
تعتبر الدعاية هى الاداة الرئيسية للحرب النفسية , وقد لعب دورا كبيرا جدا فى تاريخ الحروب النفسية ، لغرض ترويج معلومات وأراء وفق تخطيط معين بقصد التأثير على عقول ومشاعر وأعمال مجموعة معينة من البشر لغرض معين وهي أحد أسلحة الحرب النفسية الفتاكة مما حفز الدول على التفنن في كيفية إستخدامها .
ونذكر كمثال اسطورة الجيش الاسرائيلى الذى لا يقهر وان خط بارليف من المستحيل تحطيمه والذى نجحت الدعاية الصهيونية فى الترويج له بشكل كبير بعد حرب 1967 من اجل هزم العرب معنويا وقتل اى امل لهم فى نصر قريب , ووقتها تخيل الناس ان الاسرائليين من كوكب اخر ومن المستحيل هزيمتهم ولكن كل هذا تحطم بعد ان فطن العرب للخدعة الكبرى وتغاضوا عن كل هذا الهراء ونجحوا فى تحطيم هذه الاسطورة.
يتفاوت غرض اللجوء الي الدعاية في السلم عنه في الحرب ، ففي السلم يستهدف من الدعاية الدعوة لمناصرة قضية أو عقيدة معينة وتثبيط عزيمة الاعداء في عرقلة تنفيذ البرامج السياسية للحكومة أما في الحرب فانها تستهدف إدامة معنويات السكان وتهيأتهم نفسياً لقبول فكرة الحرب وما يترتب عليها وما ينجم عليها من ويلات إضافة الى تثبيط عزيمة العدو ومحاولة التأثير على الدول المحايدة ولابد هنا من الاشارة الى ان الدعاية تشمل كل وسائل الاتصال الجماهيري وهي في الوقت الحاضر الفضائيات والاذاعات والصحف والانترنيت ........الخ
وتستهدف الدعاية في المقام الأول بث الفرقة وعدم الوئام بين صفوف الخصم ووحداته المقاتلة
- الإشاعة
يصنف علماء النفس الاشاعات الى ثلاثة أصناف رئيسية هي إشاعة الخوف ،وإشاعة الأمل،وإشاعة الحقد مع التأكيد من إن الاشاعة تسري في جسد الشعب الضعيف الاعصاب كسريان النار في الهشيم.
قد لا تكون الاشاعة كلية معتمدة على الخيال، فقد تعتمد على جزء من الحقيقة من اجل إمكانية تصديقها وتقبلها من قبل الناس ان زمن الحرب هو انسب وقت لتلك الإشاعات ونشرها حيث يكون الأفراد في حالة استعداد نفسي لتصديق كثير من الأخبار والأقاويل التي يسمعونها نظرا لحاله التوتر النفسي الذي يعيشونه
والإشاعات التي تستخدم في الحرب على نوعين إشاعات الخوف وإشاعات الرغبة . وإشاعات الخوف بما تنطوي علية من إنذار بالخطر تهدف إلى الكف من ثقة الشخص بالنهاية المظفرة لمجهوداته الحربية ، فهي إذا كانت تولد قلقا لا لزوم له كانت أحيانا تؤدى إلى نظرة انهزامية . وإشاعات الرغبة من ناحية أخرى تحتوى على تفاؤل ساذج. إذ تؤدى إلى القناعة والرضي عن الحال والخنوع وقبول أي حال ممكن.
فعلي سبيل المثال انتشرت في الحرب العالمية الأولى الشائعات والقصص التي تقول الألمان يقطعون أيدي الأطفال وانهم يغلون جثث الموتى ويصنعون منها الصابون وانهم يصلبون أسرى الحرب وفي الجانب الألمان كانت تنتشر شائعات تقول أن الحلفاء يستخدمون الغوريلات والناس المتوحشين من أفريقيا واسيا في حرب الناس المتحضرين وانهم يستخدمون رصاص دمدم وانهم يعتقلون المدنيين الأبرياء. •
- الضغوط الاقتصادية
وتمارس بطرق متعددة منها الحصار الاقتصادي والمقاطعة الاقتصادية بهدف منع وصول الاطعمة والمواد الضرورية وتجميد إمكانيات البلد الانتاجية وبما يؤدي الى الجوع والحرمان الذي من شأنه أن يخلق أزمات نفسية ونقمة متزايدة .
المناورة السياسية التي تتكامل فعاليتها وترتبط بالعوامل السابقة التي تم ذكرها كالدعاية والاشاعة ، وتبرز المناورة السياسية بشكل خاص وقت السلم وبمظاهر متعددة منها التهديد المستمر بالحرب كالتهديد الذي مارسه هتلر منذ عام 1936الذي جعل تيشكوسلوفاكيا آنذاك تتنازل عن منطقة السويدات دون أن تطلق طلقة واحدة إضافة الى أساليب أخرى تعتمد على التلويح بأستخدام القوة.
-الاعمال العسكرية الرادعة
وتأتي استكمالاً لأقسام الحرب النفسية الاخرى وتأخذ أشكالا متعددة منها شن الغارات الجوية والحركات الاستنزافية وإستخدام الاسلحة بكل انواعها .
مجالات الحرب النفسية :-
1. يمكن أن توجه الحرب النفسية على المستوى العالمي او الدولي مثل الاقناع الرأي العام او تضليله وعزم الخصم عن أصدقائه وجلب التأييد والمساعدة العسكرية والاقتصادية والفنية من جانب الأصدقاء .
2. على المستوى القومي ، وذلك لشغل العرب (كمثال واقعى ) في معارك جانبية ، وخلق الأزمات والصراعات الداخلية وباستغلال هذه الإحداث وتصعيدها ، ومحاولة الدس واستخدام أبواق الدعاية في أشعال لهيبها ، وكذلك استهداف النيل من الوحدة العربية والتشكيك في نوايا العرب ، وفي إخلاصهم وفي التزاماتهم إزاء القضية العربية المصيرية ، ومن ذلك إثارة روح الشك والريبة في نوايا العرب اواء بعضهم البعض . كذلك إشاعة خرافة التفوق الحضاري الإسرائيلي فهم يزعمون انهم أرباب الحضارة الغربية نفسها .
3. إشاعة الفرقة والانقسام بين صفوف الامه ، ونقصد هنا بالفرقة بوجه عام ، أي التفرقة بين الشعوب حكومته ، وبين الأمة وحلفائها ، وبين القادة والجنود ، وبين الأغلبية من السكان والاقليات ، والتفرقة بين الأحزاب والطوائف وأرباب الشيع والمذاهب المختلفة ، والتفرقة بين الجيش وبين المدنيين ، وبين النساء والرجال ، وبين الكبار والصغار وبين الأجيال المختلفة ، وتؤدي هذه التفرقة إلى تمزيق الجبهة الداخلية واستنفاذ الطاقات في الخصومات.
4. والصراعات الداخلية .
5. إضعاف إيمان الشعب بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية ، وإثارة الشك في نفسية وفي شرعية قضيته ، وزعزعة الأمل في النصر ، وعلى ذلك فانه يتخاذل ويسهل إقناعه بالهزيمة .
6. محاولة كسب جميع العناصر المعزولة في المجتمع لصالح الدولة المعادية حيث تشجع المعارضة والتمرد والتخريب في داخل البلاد.
الاعلام ودوره فى الحرب النفسية
للإعلام سلاحا ذو حدين( وذلك باعتبار الإعلام أداة من أدوات الدعاية التي قد تكون بناءة أو مدمرة في نفس الوقت) فمنه ما هو مسلط علينا من قبل أعدائنا وهدفه الهاءنا وإبعادنا عن القضايا الأساسية وإفساد عقيدتنا ومعتقداتنا بل والأخطرمن ذلك زرع أفكار ومعتقدات من شأنها هزيمة الروح المعنوية لنا ولشبابنا,ومنه أيضا ما هو من شأنه رفعة الأمة والتوعية الصحيحة للشباب ولكل فئات المجتمع.
حرب أكتوبر 1973 م كانت ملحمة حقيقية برع فيها رجال المخابرات والعسكريين على حد سواء وان كان دور رجال المخابرات أعمق واكبر أثرا . ففي عام 1968 م وفى الوقت الذي كان فيه كلُُُُ ُ من الطرفين المصري والإسرائيلي مستمرفى الصراع والكل يستعد للحظة الحاسمة , اكتشف رجال المخابرات واحدا من أهم المصادر التي تنهل منها المخابرات الإسرائيلية المعلومات وهذا المصدر هو الشعب نفس . حيث تم تعيين جواسيس كتخصصه فقط في الإنصات إلى أحاديث الناس في كل مكان ,في العمل والبيت والشارع ووسائل المواصلات وحتى في السينما والمقاهي وأماكن اللهو والمرح ,فكل من يعرف حقيقة أويسمع أمرا ما يتباهى بالحديث عن معلوماته في كل مكان دون اهتمام أو حذر أو تقدير .
وقد استعان رجال المخابرات بالإعلام لمواجهة هذا التسرب الهائل في المعلومات الذي يفيد العدو إفاده بالغة . ففي البداية بدأ رجال المخابرات بطلب التوعية من رجال الدين من شيوخ وقساوسة لتوعية الناس إلى ضرورة التزام الصمت حتى لا يستفيد العدو من ألسنتنا . وبعد ذلك جاء دور الطوائف الأخرى التي تكسب ثقة واهتمام المواطنين مثل الأدباء والصحفيين ومؤلفي الأغاني ومعدي التمثيليات ومخرجي المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية .
وانطلق سيل من الروايات والكتب والمقالات والمسلسلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية يغمر وسائل الإعلام ويملأ أسماع وعيون وعقول الناس . والتف الناس حول أجهزه الراديو لمتابعة مسلسل (كلاب الحراسة) الذي كتبه (كمال إسماعيل) وكتب (محمود صبحي) في برنامج (عيله مرزوق أفندى) وكتب (رأفت الخياط) (البعثة 69) ويقدم (محمد كامل) (المصيدة) وقدم (فائق إسماعيل) مسلسلين هما(اللصان والجاسوس) و (لا أسمع لا أرى لا أتكلم) والكل يدعو إلى نفس الفكرة كلُ ُ بطريقته .
وفى نفس الوقت كان هناك العشرات من أصحاب الأقلام يقدمون المقالات في الصحف المختلفة مثل (حسين فهمي) و (أنيس منصور) و (عبد السلام داوود) و (صلاح هلال) وغيرهم
ونجحت الحملة أكثر وأكثر حتى إن جريدة (جيروساليم بوست) الإسرائيلية قد نشرت مقالا في عددها الصادر بتاريخ26/4/1972 تحذر من خطورة الحملة التي تقوم بها أجهزة الإعلام المصري لتوعية الشعب
وبالفعل نجحت الحملة الإعلامية المصرية نجاحا منقطع النظير وتأكد هذا تماما عندما كانت تحركات الجيش في أكتوبر 1973 م واضحة للجميع ولم تنفك ألسنةالشعب . وهكذا نرى التأثير الهائل للإعلام بشتى صوره من صحافة وإذاعة وتلفزيون وخطابة على الأفراد
مثال أخر يؤكد الدور الذي يمكن أن تلعبه الدعاية الموجهة من قبل وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق ما يريده مستخدموها من أهداف .... طوال فترة الحرب العالمية الثانية كان الألمان يستمعون إلى إذاعة ألمانية ناطقه بالعامية تنقل إليهم أخبار قادتهم وجبهتهم على نحو يوحى بأن فريقا من جنرالات الجيش المعارضين للنازية هم من يبثها من مكان مجهول من داخل ألمانيا وخاصة مع خطبها الساخنة التي تدعو لرفعة ألمانيا وتهاجم الحلفاء وقادتهم وزاد ارتباط الألمان بتلك الإذاعة المجهولة دون أن يخطر ببال احدهم حتى قادتهم أنفسهم أنها إذاعة بريطانية بحته أي من قبل أعدائهم يتم بثها من قلب لندن تحت إشراف ( ايان فليمنج) شخصيا وهو بريطاني الذي كان يدس السم في العسل يوميا ويتسلل إلى أعماق الروح المعنوية الألمانية وينسفها نسفا من خلال قصص ملفقة عن قاده الألمان وساستهم . وقد كان لهذه الإذاعة أكبر الأثر في هزيمة الروح المعنوية للألمان حتى انتهت الحرب باستسلام ألمانيا.
مدارس الحرب النفسية الاعلامية
1. مدرسة الفكر الاعلامى البرجوازى
ويمثلها الاعلام الغربى , وتهدف هذه المدرسة الى تصدير فكرة عن الغرب بأنه الخلاص لكل من يريد النجاة من التخلف والظلم والفقر , وكل ما دون الغرب يقف فى اخر طابور الحضارة والتقدم …!
2. مدرسة الفكر الاعلامى التبعى
وتتمثل هذه المدرسة فى اعلام الدول النامية والذى يقدم ما يمليه الغرب عليه من افكار وتصورات يريد الغرب ان يوصلها لهذه الشعوب النامية بطريق غير مباشر كى يهزموا هذه الشعوب معنويا وقتل الامل بين ابنائها
3. مدرسة الفكر الاعلامى المتلاعب
وتتمثل هذه المدرسة فى الاعلام الانتهازى الغير هادف الذى يصدر افكار تافهة للشباب لقتل الهمم ونشر الرذيلة والجهل فى المجتمع , وترك المواضيع الهامة والحيوية والتركيز على تفاهات الامور
غسل المخ (الدّماغ):
إنَّ مصطلح (غسل الدماغ) يقع ضمن المصطلحات التي تُسْتَخدم في الحرب النَّفْسِيَّة، وأول ما أطلق بعد الحرب العالمية الثانية، من قِبَل الصَّحفي الأمريكي (إدوارد هنتر)، عن طريق ترجمته للكلمة الصينية (هي تاو)، التي معناها ـ لدى الصينيين اصطلاح الفكر، ويُراد به: تجريد العقل من ذخيرته ومعلوماته ومبادئه، وهو أيضاً تشكيل التفكير بطريقة التفجير، وتغيير الاتجاهات النَّفْسِيَّة، وهو محاولة توجيه الفكر الإنساني أو العمل الإنساني ضدّ رغبة الفرد أو ضدّ إرادته أو ضدّ ما يتفق مع أفكاره، ومعتقداته، وقيمه، فهو عملية إعادة تعليم، وهو عملية تحويل الإيمان أو العقيدة التي كفر بها، ثم الإيمان
وقد اقترنت عملية (غسيل الدماغ) بالعالِم النَّفسي الروسي (بافلوف)، حيث ركَّز في أبحاثه على نظام الإشارات لإثبات نظرية (الفعل المنعكس الشرطي)، وتعني القيام بسلوك معيَّن نتيجة لمؤثّرات خارجية، ويمكن تمييز طبيعة الفرد الذاتية من بيئته.
ويمكن تلخيص طرق (غسل الدماغ) التي تتبّع حديثاً في الخطوات التالية:-
[1] عزل الفرد اجتماعياً ومناداته برقم وليس باسم، واستغلال مؤثّرات الجو، والتَّعب، والجوع، والألم، والأساليب الأخرى مثل: الصدمات الكهربائية، واستخدام العقاقير المخدّرة، مثل: الكحول والمواد الكيميائية. وهذه كلّها تضعف قدرة الفرد على التحكُّم في إرادته، ثم إيجاد صراع وخوف أساس، بحيث تصل حالة الفرد إلى درجة أنْ يكون فيها متلهّفاً للخلاص، ويرافق ذلك نتيجة الإحساس بالذنب، وجعل حالة التشكيك لديه، وتعريضه للمرض الجسمي، والعقلي، والضغط الفسيولوجي.
[2] تستخدم مع الفرد اللين، والمهادنة، والتساهل، والدِّقة، والاعتذار عن المعاملة السابقة، وإظهار الصداقة له.
[3] يفهم الفرد بعد ذلك إذا ما اعترف، فإنَّ المعاملة له ستزداد تحسُّناً، ويمكن أن يعيش.
[4] وتأتي بعدها عملية الإقناع، وهي عملية إعادة تعليم الفرد، بحيث ينقد نفسه إلى أنْ يصل إلى الاعتراف النَّهائي.
[5] ثم يحدث تغيُّر مفهوم الذَّات لدى الفرد باستخدام أساليب مثل: التقويم الإيحائي، أو الإيحاء النَّفسي.
[6] يتم محو الأفكار المراد محوها نهائياً.
[7] تقديم الأفكار الجديدة، ويشجِّع الفرد على تعلُّم معايير سلوكية جديدة وأدوار اجتماعية جديدة، وبذلك يتم تحويله إلى فرد جديد.
ينبع التأثير الاكبر للحرب النفسية من خلال تحطيم معنويات الخصم وجعله يدخل المعركة وهو موقن بالهزيمة فيها حتى لو كان هو الطرف الاقوى , لأنه يشعر بالضعف فى داخله كرد فعل للدعاية التى تهاجم معنوياته وتشكك فى قدراته وتبرز الطرف الاخر بصورة اقوى كثيرا مما هو فى الواقع
والهدف هوبث اليأس، و الإستسلام في نفوس العدو. تضخيم أخطاء العدو و ذلك لإحداث نوع من فقد الثقة بين الشعب و قيادته إضعاف الجبهة الداخلية للعدو، و إحداث الثغرات بها، و تشكيك الجماهير في قدرة قيادتها السياسية، و التشكيك بالقوة المسلحة. العمل على تفتيت الوحدة بين الأفراد و القوات المسلحة حتى لا يثقوا ببعضهم
إن الحرب النفسية هي اكثر خطورة من الحرب العسكرية لأنها تستخدم وسائل متعددة ، إذ توجه تأثيرها على أعصاب الناس ومعنوياتهم ووجدانهم ، وفوق ذلك كله فإنها تكون في الغالب مقنعة بحيث لا ينتبه الناس إلى أهدافها ، ومن ثم لايحطاطون لها. فأنت تدرك خطر القنابل والمدافع وتحمي نفسك منها . ولكن الحرب النفسية تتسلل إلى نفسك دون أن تدري . وكذلك فان جبهتها اكثر شمولا واتساعا من الحرب العسكرية لأنها تهاجم المدنيين والعسكريين على حد سواء .
نماذج من التاريخ
جوبلز
انه الدكتور/ جوزيف جوبلز , مدير الدعاية السياسية للحكم النازى ابان حكم هتلر فى الحرب العالمية الثانية
ان جوبلز قد قام بعمل لا يقل خطورة عن غزو القوات الالمانية لاوروبا الا وهو ترويج الفكر النازى للشعب الالمانى وجعلهم يؤمنون به ايمانا مطلقا وكان هذا هو سر علو كعب المانيا فى السنوات الاولى للحرب , انه نجح فى ترسيخ شعار ( المانيا فوق الجميع ) داخل وجدان كل المانى من الطفل الصغير الى الشيخ العجوز , انه قد اعطاهم الاحساس بالقوة و علو الجنس الارى على باقى اجناس الارض بفضل خطبه الرنانة وكلامه الذى لعب بمشاعر الملايين , وهذا ما جعل ايضا اعداء المانيا يرتعدون خوفا من اى شئ يمس المانيا بصلة …..!
الاسكندر الاكبر
يعتبر الاسكندر الاكبر من اقدم من استخدموا الحرب النفسية وقد استخدمها فى حروبه كثيرا , حيث كان من اساليبه صنع عدد كبير جدا من الدروع والخوذات الضخمة وكان يتركها خلفه فى اى مكان يعبره بجيشه , ليجدها عدوه ويعتقد ان جيش الاسكندر به عمالقة من الرجال فيرتعد العدو رعبا قبل ان يلتقى بجيش الاسكندر ويمتنع عن ملاحقته …!
جنكيز خان
كان من عادة القائد المغولى جنكيز خان ان يبعث امام جيشه بمن ينشر وسط البلد المستهدفة كلاما يدل على اعداد المغوليين الكبيرة وافعالهم الوحشية من اجل بث الرعب فى النفوس ..! كما انه كان يقوم بخداع جيش عدوه , فيجعلهم يعتقدون ان جيشه اكبر من الواقع عن طريق مجموعة مدربة من الفرسان الذين كانوا يتحركون من مكان لأخر بسرعة كبيرة ، وقد لجأ(جنكيز خان) إلى أسلوب إرسال الجواسيس في بداية القرن الحادي عشر الميلادي ، لبثّ الرُّعب في نفوس الأعداء، من خلال التهويل، وإطلاق الشائعات، ومحاولة إضعاف معنويات المقاتلين.
الولايات المتحدة الامريكية
كثيرا ما استخدمت الولايات المتحدة الحرب النفسية فى تحدياتها الدولية , فقد استخدمتها فى حروبها مع بنما وفيتنام , وتجلت هذه الحرب النفسية اثناء حرب الخليج … حيث استخدمت احدى الوحدات الصغيرة للقوات الامريكية مكبرات الصوت والتى اخذت تطلق اصوات الهليكوبتر والدبابات من خلال شرائط مسجلة من اجل ايحاء الجيش العراقى بأن امكانيات الوحدة اكبر بكثير من حقيقة الامر …!
كما قامت قوات التحالف فى هذه الحرب بأسقاط 29 مليون منشور على جميع وحدات الجيش العراقى , يقوم بعضها بتهديد الجيش العراقى وتتوعده فى حالة عدم الاستسلام وبعضها الاخر يذكر الجنود العراقيون بالاهل الذين ينتظرون عودتهم …!
و منذ أقدم العصور استخدم العراقيون القدماء الحرب النَّفْسِيَّة، والمنحوتات والألواح الجدارية شاهد على ذلك. حيث استعمل الآشوريون الهدايا في محاولة لكسب ودّ الأعداء، وكذلك الاستعراضات ذات الطابع العسكري، الذي يُراد به بثّ الرُّعب والخوف لدى الأعداء، وكذلك استعمال الخدع المباغتة.
وقد برع الصِّينيون في الحرب النَّفْسِيَّفة و أدركوا أهمية العلاقات الفردية في تكوين التحالفات، وأعطوا للتثقيف الذاتي أهمية كبرى، وقد أصبحوا بذلك الرواد في تقويم الأفكار وتحويل الاتجاهات.
- نابليون بونابرت
قام (نابليون بونابرت) أثناء حملته على مصر 1798م، من خلال المنشورات التي وزعت على المصريين، للتأثير على العقل العربي المسلم في مصر، واستمالة عطفه، وعدم مقاومته كفاتح مستعمر، وما ادّعاؤه الإسلام وبأنَّه لا يعارض النَّصرانية إلاَّ محاولة للتأثير على الفرد المصري.
- عند دراساتنا للحربين العالميتين نجد أنَّ الدُّول قد وضعت للحرب النَّفْسِيَّة المكانة الكبيرة، وذلك للاتصال الجماهيري عن طريق الدِّعاية، فكانت لـ (بريطانيا) أساليبها المعروفة كدولة، وهي التي أنشأت في وزارتها الخارجية عام 1914م مكتباً للدِّعاية، حيث نقلت تجربتها إلى ألمانيا الهتلرية، والولايات المتحدّة، وتبعها الاتحاد السوفيتي.
-استغلت النازية هذه التجربة أكبر استغلال، فأسَّس الدكتور/ غويلز سنة 1939م وزارة الدِّعاية، لمراقبة الشعب الألماني، وكذلك الدِّعاية النازية: (الألمان فوق الجميع)، و(الجيش الذي لا يُقْهَر)، وقد استسلمت للألمان جيوش بكاملها بدون قتال.
الحرب النفسية والاسلام
تذكر لنا آيات القرآن الكريم الممارسة النَّفْسِيَّة التي ضلَّل بموجبها إبليس ـ عليه اللَّعنة ـ نبي الله آدم [ع]. كما تبيِّن لنا الآيات القرآنية ما دار من قصص الأنبياء، وكيف كان الكافرون يقلّلون من شأن الأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ.
فسيدنا آدم [ع] ـ أبو الأنبياء ـ أول من مورست ضدّه الحرب النَّفْسِيَّة من قبل إبليس ـ عليه اللَّعنة ـ، وتبيِّن الآيات بوضوح العمل الذي يقوم به الشيطان في التضليل، وهو شكل من أشكال الحرب النَّفْسِيَّة، كما تتناول الآيات صوراً وأساليب مختلفة للحرب النَّفْسِيَّة.
يبيِّن القرآن أنَّ الشيطان هو الذي يوسوس ويحرِّك دوافع الشرّ والانحراف، قال تعالى: (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23))[الأعراف: 19-23].
ومعنى قوله تعالى: (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) "أي جراهما إلى المعصية"
وكما تحدّث القرآن الكريم عن عمل الشيطان في الغواية والتضليل، فقد تحدّثت السُّـنَّة عن العمل ذاته، فعن رسول الله [ص] فيما يرويه عن ربه: (إنَّ كلَّ مال منحت عبادي فهو لهم حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلَتُ لهم، وأَمَرَتْهُم أنْ يشركوا بي ما لم أنزِّل به سلطاناً، وإنَّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاَّ بقايا من أهل الكتاب) صحيح مسلم، كتاب الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها، برقم 63.
فكذلك الرسول ؛ تعرَّض له المشركين بالأذى المعنوي، فاتهموه بـ (الأبتر)؛ لأنَّه ليس لديه أبناء ذكور يخلّدون ذكره، إذ مات جميع أبنائه صغاراً، فردّ عليهم القرآن بقوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)[الكوثر: 3]، أي: إنَّ مبغضك وكارهك هو الذي سينقطع ذكره.
وقد أمرت آيات كثيرة النَّبي [ص] بألاَّ يضيق ولا يحزن فيما يوجه إليه من حرب نفسيَّة، فقال تعالى (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النمل: 70]، وقال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)[النحل: 127].
هذه الآيات وغيرها بمثابة تحصين نفسي للرسول [ص] والدَّعوة الإسلامية، حتى لا تتداعى أمام حرب الكفار النَّفْسِيَّة في ذلك الوقت
كما يزوِّد القرآن الكريم سيدنا محمد [ص] بجرعات نفسيّة كبيرة، فيتحدّى الكفار، فيعجزوا عن مسايرة منطقه، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[هود: 13-14].
ابرز الحروب النفسية ضد المسلمين (التتار)
بالإضافة إلى إعداد الطرق، وتهيئة الوسائل اللازمة لضمان الإمداد والتموين للحملة التترية، وبالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية الهائلة التي قام بها التتار لإنجاح خطتهم في إسقاط الخلافة الإسلامية، فإن هولاكو لجأ أيضًا إلى سلاح رهيب، وهو الحرب النفسية على المسلمين..
القيام ببعض الحملات الإرهابية في المناطق المحيطة بالعراق والتي لم يكن لها غرض إلا بث الرعب، وإحياء ذكرى الحملات التترية الرهيبة التي تمت في السابق في عهود "جنكيزخان" و"أوكيتاي"..
فالحملة التترية الأولى والتي كانت في عهد جنكيزخان مر عليها أكثر من ثلاثين سنة، وهناك أجيال من المسلمين لم تر هذه الأحداث أصلًا، وإنما سمعت بها فقط من آبائها وأجدادها.. وليس من سمع كمن شاهد.. والحملة التترية الثانية في عهد أوكيتاي لم يكن من همها التدمير والإبادة في بلاد المسلمين، وإنما كانت موجهة في الأساس لروسيا وشرق أوروبا، ومن ثم لم يتأثر بها المسلمون بصورة كبيرة..
ولذلك أراد هولاكو أن يقوم ببعض النشاط العسكري التدميري والإرهابي بغرض إعلام المسلمين أن حروب التتار ما زالت لا تقاوم.. وأن جيوش التتار ما زالت قوية ومنتشرة..
من ذلك مثلًا ما حدث في سنة 650هـ عندما قامت فرقة تترية بمهاجمة مناطق الجزيرة وسروج وسنجار، وهي مناطق في شمال العراق، فقتلوا ونهبوا وسبوا، ومما فعلوه في هذه الهجمة أنهم استولوا على أموال ضخمة كانت في قافلة تجارية، وقد بلغت هذه الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار، (وما أشبه هذا بما يحدث اليوم تحت مسميات مثل: تجميد الأموال..)
فكانت هذه الحروب بمثابة حروب الاستنزاف، فأضعفت من قوة الخلافة والمسلمين كثيرًا، وهيأت المناخ للحرب الكبيرة القادمة.. وأمثال هذه الحروب يتكرر في التاريخ كثيرًا
- ومن وسائل التتار الخطيرة في حربهم النفسية ضد المسلمين الحرب الإعلامية القذرة التي كان يقودها بعض من أتباع التتار في بلاد المسلمين يتحدثون فيها عن قدرات التتار الهائلة، واستعداداتهم الخرافية، ويوسعون الفجوة جدًا بين إمكانيات التتار وإمكانيات المسلمين.. وتسربت هذه الأفكار إلى وسائل الإعلام في زمانهم.. ووسائل الإعلام في ذلك الوقت هم الشعراء والأدباء والقصاصون والمؤرخون.. وقد ظهر في كتاباتهم ما يجعل المسلمين يحبطون تمامًا من قتال التتار وذلك مثل:
- التتار تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم.. (كناية عن قوة وبأس المخابرات التترية، وحسن التمويه والتخفي عندهم، بالإضافة إلى ضعف المخابرات الإسلامية وهوانها)..
- التتار إذا أرادوا جهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه..
- التتار نساؤهم يقاتلن كرجالهم.. (فأصبح رجال المسلمين يخافون من نساء التتار)..!!
- التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها، وتأكل عروق النبات، ولا تحتاج إلى الشعير!..
- التتار لا يحتاجون إلى الإمداد والتموين والمؤن؛ فإنهم يتحركون بالأغنام والبقر والخيول ولا يحتاجون مددًا..
- التتار يأكلون جميع اللحوم.. ويأكلون ..... بني آدم!!!..
وكان أيضًا من وسائل التتار المشهورة لشن حرب نفسية على المسلمين كتابة الرسائل التهددية الخطيرة، وإرسالها إلى ملوك وأمراء المسلمين، وكان من حماقة هؤلاء الأمراء أنهم يكشفون مثل هذه الرسائل على الناس، فتحدث الرهبة من التتار، وكان التتار من الذكاء بحيث إنهم كانوا يستخدمون بعض الوصوليين والمنافقين من الأدباء المسلمين ليكتبوا لهم هذه الرسائل، وليصوغوها بالطريقة التي يفهمها المسلمون في ذلك الزمان، وبأسلوب السجع المشهور آنذاك، وهذا ولا شك يصل إلى قلوب الناس أكثر من الكلام المترجم الذي قد يفهم بأكثر من صورة، كما أن التتار حاولوا في رسائلهم أن يخدعوا الناس بأنهم من المسلمين، وليسوا من الكفار،
وكمثال على هذه الرسائل، الرسالة التي أرسلها هولاكو إلى أحد أمراء المسلمين وقال فيها:
"نحن جنود الله..
بنا ينتقم ممن عتا وتجبر، وطغى وتكبر، وبأمر الله ما ائتمر..
نحن قد أهلكنا البلاد، وأبدنا العباد، وقتلنا النساء والأولاد..
فيا أيها الباقون، أنتم بمن مضى لاحقون..
ويا أيها الغافلون، أنتم إليهم تساقون..
مقصدنا الانتقام، وملكنا لا يرام، ونزيلنا لا يضام..
وعدلنا في ملكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر؟
دمرنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقناهم العذاب..
وجعلنا عظيمهم صغيرًا، وأميرهم أسيرًا..
تحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون، وعن قليل تعلمون على ما تقدمون
وقد أعذر من أنذر"..
ولا شك أن مثل هذه الرسالة إذا وقعت في يد خائف أو جبان، فإنه لن يقوى على الحراك أبدًا بعد قراءتها، وكان هذا هو عين المرجو من وراء مثل هذه الرسائل!!..
- ومن وسائل التتار أيضًا لشن الحرب النفسية على المسلمين إعلان التحالفات
و بث الروح الهجومية لدى المقاتلين أثناء التدريب وكذا الانضباط العسكري وروح الفريق وهي عوامل فعالة لمكافحة الدعاية التخريبية للعدو.
الحرب النفسية والصهيونية
فالمصطلحات و التعاريف ليست "مجرد كلام" كما قد يظن البعض، بل نقاط مرجعية تسهم بتحديد قوانين اللعبة السياسية، وقوالب يُصَبُ داخلها الرأي العام، وهي على المدى البعيد، إذا تركت تعمل دون خطابٍ بديل،
ذات تأثير تراكمي يخترق الوعي الجمعي العربي ويفجره من الداخل، وينشئ قطاعات شعبية وثقافية عربية تفقد الهوية والانتماء وتتحول إلى موالاة الصهيونية
المصطلحات والتعاريف إذن مفاتيح لنمط محدد من الوعي في وسائل الإعلام والثقافة السائدة يهدف إلى تبرير الأمر الواقع وخلق حالة من التكيف معه، من قبل المتضررين منه أساساً.
الصهاينة يجيدون لعب هذه اللعبة. فقد نجحوا بجعل مصطلح "إرهابي" مرافقا لصورة الفلسطيني والعربي والمسلم في الإعلام الغربي. وكانت البعثة الفلسطينية في الجامعة العربية قد تقدمت بورقة في صيف عام 1997 تطلب فيها من وسائل الإعلام العربية أن تتبنى مصطلحات معينة تؤكد الحقوق العربية وتقاوم الهيمنة الصهيونية في الإعلام العالمي، عوضا عن تبني مصطلحاتها، ومن الإقتراحات المقدمة في تلك الورقة ما يلي، أقدمها مع بعض الإضافات والتعديلات، الجذرية أحياناً:
- ضرورة استخدام تعبيري "مستعمرات" و"مستعمرين"، عوضاً عن "مستوطنات" و"مستوطنين"، لأن الإستيطان يوحي بسكن أراضٍ خالية من السكان، بينما الإستعمار يقوم على فكرة الإحتلال بالقوة وطرد السكان الأصليين، هذا مع العلم أن مصطلح "استعمار" نفسه يحمل لفظياً شحنة إيجابية لأنه مشتقٌ من فكرة التعمير والبناء، ولكن استخدام مصطلح "مستعمرة" يظل أفضل بالتأكيد من مصطلح"مستوطنة"، لأن كلمة استعمار عادت واكتسبت معناها الحقيقي بفضل نضالات شعوب العالم الثالث .
- ضرورة استخدام مصطلح " فلسطينيو ال 48" أو "عرب فلسطين في مناطق ال 48" عوضا عن التعبير المستخدم عادة وهو "عرب إسرائيل" الذي يتنكر لمبدأ وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده حسب الميثاق الوطني الفلسطيني، والذي يكرس انتماء العرب كأقلية لدولة الكيان الصهيوني.
- ضرورة استخدام مصطلح " قوات الاحتلال الصهيونية" أو "رئيس حكومة الإحتلال" عوضاً عن استخدام" الجيش الإسرائيلي" أو " القوات الإسرائيلية".
- ضرورة استخدام " أعمال المقاومة ضد الإحتلال" عوضاً عن "أعمال العنف" الرائجة في وسائل الإعلام العربية لأن " أعمال العنف" لا مشروعية لها.
- ضرورة إضافة تعبير "العربية المحتلة " كلما ذكرت القدس، أو أي جزء من فلسطين وضرورة استخدام الأسماء العربية الأصلية، مثلاً " جبل ابوغنيم" وليس "هارهوما" كما يسميها اليهود، أو الضفة الغربية وليس يهودا والسامرة، الخ…
- ضرورة استعمال كلمة فلسطين بمعناها الحقيقي وليس الضفة وغزة فقط. وقد يبدو معظم هذه الإقتراحات بديهياً، ولكن مجموعة من المصطلحات المشبوهة وجدت طريقها إلى الخطاب السياسي العربي خلال مرحلة التسعينات الرمادية . أدوارد سعيد مثلاً كان يقول "النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي" عوضاً عن "الصراع العربي -الصهيوني"، والفرق بين كلمة نزاع وكلمة صراع كبير، وكذلك الفرق بين عربي- صهيوني من جهة وفلسطيني- "إسرائيلي" من جهة أخرى. فالتعبير عن المسألة على شكل نزاع يجعلها اكثر قابلية للحل، وجعل هذا النزاع المزعوم فلسطينياً فقط، يضعف الطرف الفلسطيني ويعزله عن عمقه العربي، أما الاستخدام المتكرر لتعبير " إسرائيل" و"إسرائيلي"، فيعود العقل الجمعي العربي على التعايش مع "إسرائيل". لذلك يجب دائماً ان تحاصر في مزدوجين، لإبقاء مسافة كافية بيننا وبين ما نرفض وجوده، أو فهي الكيان الصهيوني. أما تعبير " الشرق الأوسط"، فيجب تجنبه ومحاولة استخدام الوطن العربي والعالم الإسلامي عوضا عنه.
كما ان اسرائيل تشن حربها النفسية لاقناع العالم بأن اسرائيل دولة متقدمة فانها تصف العرب بأنهم شعوب متخلفة وان الاسلام الخطر القادم لتقرمين السلام، وأن ما لدى العرب من قوة مصدرها الطاقة فانهم يهدرون بذلك الغرب وان التخلف ادنى أن تكون الشخصية العربية متخلفة ولدى العرب أراء متفرقة وان اليهودية اكثر صلة بالمسيحية فاليهودية المسيحية تفرض بعودة المسيح، كما أنها تجمع العهد لكى تقيم الهيكل الثالث وان ظهور المسيح مرتبط بذلك، وان العرب معادون للسامية وان منظمة التحرير الفلسطينية انما لا تمثل الشعب الفلسطينى ما تمثلها من ارهاب الدولى والاقليمى.
و لقد أخذ الاعتقاد بأن العرب قد استسلموا لإسرائيل يسود تدريجيا بين الأكاديميين ، والأمر من ذلك كثرة التندر والسخرية الموجهة إلى من الأكاديميين الصهيونيين والمعجبين بهم في الندوات والمحاضرات . حتى وقف أستاذ صهيوني يصف كريكاتورا إنجليزيا ساخرا في حرب 1973 ، حول صورة عربي قبل الحرب يسير أمام زوجاته الأربعة ، وبجانبها صورة نفس العربي يسير خلف زوجاته الأربعة مقتربا من حقل ألغام بعد الحرب ….! حتى الحضور من الإنجليز لم يضحكوا لتلك النكتة الباردة كالصقيع.
وفي محاضرة أخرى عن الدبلوماسية البريطانية في الشرق الأوسط ، لم يقل محاضرين كلمة واحدة عن إلعدوان الإسرائيلي القائم على الشعب الفلسطيني ، بل تحدثا عن عدوان العرب على العرب ، وكيف وجد أحدهم " عبدا عربيا قد ربط نفسه على سارية علم المندوب السامي في أحدى الدول العربية مطالبا بتحريره ، فأعطاه المندوب كتابا رسميا يعتقه من العبودية ، وأهمل المحاضر تحرير بلال مؤذن الرسول ( صلعم) وأن الإسلام منع العبودية حال قيامه ، وأن عمر بن الخطاب أكد ذلك بقوله الشهير : " كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أحرارا " قبل ألف عام من قانون منع العبودية البريطاني ، والف عام قبل أن تستعبد بريطانيا شعوبا بأسرها في عهد الاستعمار.
مواجهة الحروب النفسية
اى مواجهة عملية وناجحة ضد أية حرب نفسية يتعرض لها بلد ما تتطلب إستخدام وسائل فاعلة يمكن إجمال أبرزها بمايلي :-
أولا :
مكافحة نشاط الجماعات المعادية في الداخل أو ما أصطلح على تسميته بالرتل الخامس حيث ظهر هذا التعبير خلال الحرب الاهلية الاسبانية عندما قال الجنرال (مولا ) أحد قادة فرونكو ( إن أربعة أرتال تتقدم على مدريد للاستيلاء عليها ولكن هناك رتلاً خامساً كاملاً داخل المدينة له القابلية على إنجاز ما لا يستطيع أي رتل انجازه ) . والرتل الخامس سلاح فعال مهمته تحطيم كيان الامم من الداخل بإضعافها وتفتيت شملها بالاشاعات والاراجيف لاثارة الفزع بين صفوف المواطنين وأثارة النعرات القومية والطائفية والعرقية بينهم والقيام بأعمال الشغب والتخريب التي تخلق الفوضى.
إن مثل هذا النوع ينبغي مواجهته بشدة وصرامة وإتخاذ التدابير اللازمة لوقف نشاطه بالتنسيق مع فعاليات الحرب النفسية الأخرى وفي مقدمتها الاعلام الذي تقع عليه مسوؤلية كبيرة بالكشف عن أهداف العدو أمام الرأي العام المحلي والعالمي كوسيلة من وسائل الدعاية المضادة اضافة الى اعتماد مايلي :-
1- وجود منهاج توعية شامل يستهدف تنمية الشعور بالمسؤولية لدى المواطنين مع توضيح دقيق للدورالخطير للمجموعات المعادية وإيضاح وسائلهم وأساليبهم التخريبية .
2- تحقيق الوحدة الوطنية المتماسكة وقطع الطريق على محاولات زرع بذور الفرقة وقد أثبتت الأحداث في العالم وفي العراق بعد أحداث 2003 إن الشعب المفكك الاواصر يكون خير مرتع للاعداء ومهما كانت تسمياتهم .
3- إتخاذ تدابير كفوءة لمواجهة الاشاعة من أهمها إطلاع الشعب بشكل صادق على ما يجري بعيداً عن أساليب الخداع والمراوغة التي سرعان ما يكتشفها الشعب .
4- وضع سياسة إعلامية وطنية موحدة للشعب والتحذير من محاولات إشاعة عوامل الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد والتصدي لمثل تلك المخططات التي تسهل للاعداء تحقيق مآربهم .
5- مد جسور الثقة بين الشعب والسلطة وتعميقها والتواصل الحقيقي مع المواطنين والاستماع الى شكاواهم وآرائهم ومناقشتها معهم .
ثانياً :- إتخاذ تدابير عملية للاعتماد على علم النفس والاجتماع والسياسة والسوق العسكري لمجابهة ما يخطط له العدو حالياً ومستقبلاً وهذا يتطلب دراية ومعلومات واسعة عن الجانب الآخر (العدو) يمكن استحصالها من خلال مواطني البلد في الخارج .
ويتفق علماء النفس وخبراء الحرب النفسية على أن الحرب النفسية " تؤثر بفعالية أكثر على الجنود الخالين من الإيمان الحق ومن العقائد الثابتة وذوي الوعي السياسي الضيق وغير المثقفين ". وفي التاريخ الإسلامي أمثلة كثيرة على قوة العقيدة في مواجهة الحرب النفسية للعدو، منها أن قائد الروم في معركة اليرموك التي بعث إلى خالد بن الوليد برسالة تنطوي على التخويف والضغط النفسي وعلى أساليب التخذيل والدعوة إلى الاستسلام. والحرب النفسية كما ذكرت في البداية تستهدف النيل من نفوس ومعنويات الجنود والمقاتلين في ميدان القتال كما تستهدف أبناء الشعب بمختلف فئاته من عمال وفلاحين ومثقفين وهي بذلك أكثر اتساعا وشمولا من ساحة القتال لذلك فان تأثيرها أكثر خطورة وأشد ضررا كما أنها لا تعتمد على المواجهة الصريحة كما يحدث في المعارك العسكرية ولكنها تلجأ إلى أساليب خفية وملتوية ومقنعة غير معروفة بالنسبة لغالبية الشعب.
1. عدم إذاعة الأخبار والمعلومات عن الظروف العسكرية والاقتصادية والاجتماعية للوطن وذلك لأن العدو يحاول جمعها والاستفادة منها كما يجب الاحتفاظ بوجه خاص بأسرار الوطن حتى لا يلتقطها الأعداء.
2. القيام بعمل إيجابي فعال في ميدان التوعية القومية وتنفيذ الإشاعات المسموعة بالاستناد إلى الحجج والبراهين المنطقية والحقائق الملموسة الواقعية التي تحض الشعب ضد سموم الإشاعات المغرضة التي يروجها الأعداء وذلك بعقد الندوات والقاء المحاضرات في التوعية والإرشاد القومي.
3. العمل على تنمية الشعور بالثقة بالنفس وكذلك الإيمان بالله وبالوطن فان الثقة بالنفس أيساس كل نجاح كما إنها الدعامة القوية التي يقوم عليها صمود الشعب واستمرار نضاله وغرس القيم الدينية والخلقية حتى لا تدع الفرصة لتسرب المبادئ الانهزامية.
4. الدعوة لمواصلة الكفاح والصمود وعدم اليأس وحث الناس على المساهمة الإيجابية في المعركة كل في موقعه، فالعامل والموظف والفلاح كل يستطيع أن يضرب بمعوله في الإنتاج الذي يرتد أثره ولا شك على الجندي الرابض على خط النار، فان الجهاد في الإنتاج لا يقل أهمية ولا شرفا عن الجهاد في ساحة القتال.
5. الاهتمام بالتدريب العسكري وكذا على أساليب الدفاع المدني، لان التدريب من شانه أن يبعث على الثقة بالنفس والاعتزاز بها كما يقوي الإحساس بالقدرة على مواجهة الخطر وعلى تزكية روح المبادرة في مهاجمة والحاق الهزيمة به.
6. التوعية المستمرة لأفراد الجيش بنوايا العدو وأهمية الدفاع عن الوطن ويلاحظ أن أي نقص في الإعلام لجنودنا ما هو إلا مدخل للدعاية التخريبية للعدو.
7. تنمية العلاقات الودية والصريحة بين القادة والمقاتلين حتى تسهل مكافحة الدعاية التخريبية للعدو، واستغلال جماعات الإعلام في الوحدات لمعاونة القائد في تنفيذ مهام توعية الأفراد وهم أفراد منتقمين من بين المقاتلين على درجة عالية من الكفاءة والذكاء والشجاعة ويحظون بإعجاب زملائهم.
8. بث الروح الهجومية لدى المقاتلين أثناء التدريب وكذا الانضباط العسكري وروح الفريق وهي عوامل فعالة لمكافحة الدعاية التخريبية للعدو.
سأصبر على ظلم الجميع لي ،، لكن عندما يأتي دوري لن أرحم أحد ..
--------------------------------------------------------------------------------
التعريف
الاستعمال المخطط للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير على أراء ومشاعر وسلوكيات العدو بطريقة تسهل الوصول للأهداف
أختلف الباحثون في تحديد تعريف واضح ومحدد لحرب الكلمة أو ما يصطلح عليه البعض الحرب النفسية
ويأتي هذا الاختلاف بالأراء من كون حرب الكلمة غير محددة النشاط والمجال والوسائل أضافة الى كونها لا تستند على قواعد علمية ثابتة في ميدان عملها حالها في ذلك حال الدعاية السياسية وقد أطلق الأعلاميون على حرب الكلمة مصطلحات وتسميات أخرى عديدة منها الحرب النفسية هي أكثر شيوعاً من بقية التسميات وغسل الدماغ ، وحب المعتقد ، والحرب الباردة والحرب السياسية ، وحرب الاعصاب ، ولكن كل هذه المصطلحات تعني جميعها مفهوماً واحداً .
فالحرب النفسية أو حرب الكلمة حقيقة قديمة وهي موجودة منذ أن وجد الصراع البشري ولكنها كمصطلح لم يظهر الاّ بعد الحرب العالمية الثانية .
ولقد بذل بول لينباجر وهو من الرواد الذين كتبوا في مجال الحرب النفسية جهوداً واضحة للوصول الى تعريف جامع شامل فقال : إنها إستخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية واقتصادية أو سياسية بما تتطلبه الدعاية ويضيف ( إنها تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية )
وعدّ البعض حرب الكلمة من أشد وظائف أجهزة الاعلام ضراوة وعنف
فعبر نابليون بونابرت عن معنى قوة الكلمة قائلا انني أرهب صرير القلم أكثر من دوي المدافع )
في أحد مؤلفاته يقول يجب أن نعمل ولنعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم فيطلعوا على وسائلنا الدعائية فاذا أستفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعامتها وأسسها فعندئذ سوف لا تفيدنا مساعدات أمريكا وتأييد بريطانيا وصداقة ألمانيا عندها سنقف أمام العرب وجهاً لوجه مجردين من أفضل أسلحتنا ) .
كما أنك قد تقتل انسانا برصاصة فقد تقتل روحة وجسده بكلمه
ففي الماضي كنا نعتقد أن تعذيب الانسان أقصى تعذيب هو تعذيبه جسديا بالقتل، أو قطع الاعضاء.....الخ
لكن مؤخراً اكتشف أن هناك نوعا معروفا أشد من ذلك إنه التعذيب النفسي الروحي
حين يحس الانسان أن ارادته وقوته الداخلية محطمة وليس بها حول ولا قوة
حينما يحس أن الضعف ينبع من داخله وليس للآخر آثر فيه.
بخلاف التعذيب الجسدي فإنه يشعر المرء بحقه الذي اغتصب منه ظلما فربما زاده ذلك قوة ودافعا.
أما التعذيب الداخلي فهو يصيب الانسان بالاستسلام الداخلي والخارجي وهذا يختلف أيضا عن الشعور بالنقص من أجل ظلم خارجي فإنه قد يقوده للأمام كالأعسر مثلا
أما في الحرب النفسية فإنها تدفع المرء للركون للواقع المرير والاستسلام له دون محاولة تغييره
وهذا هو ما يدفع الخصم إلى هذا الطريق من ألوان الحروب فهو أقل تكلفة من الناحية المادية كماانه لايمكن معرفة نتائجها الا بعد زمن ليس بقصير ، فهي وسيلة بعيدة المدى وليس من الضروري أن يظهر تأثيرها مباشرة مثل المعارك الحربية ، فالحرب النفسية ليست مباشرة وليست وجها لوجه . ويقول المخطط العسكري الصيني " صن تزو " : " إن اعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال ".
الاهداف والادوات
وقد حدد البروفسور رجيارداكروس هم أهداف هذه الحرب بالتالي :-
1- تحطيم قيم وأخلاقيات الشعب الذي توجه اليه الحرب النفسية .
2- إرباك نظرته السياسية وقتل كافة معتقداته ومثله التي يؤمن بها .
3- إعطاؤه الدروس الجديدة ليؤمن بعد ذلك بكل مانؤمن به أجراء عملية غسل دماغ .
4- زيادة شقة الخلاف بين الحكومات وشعبها .
5- غرس بذور الفرقة بين أبناء الشعب .
وقد قسم عدد من الباحثين الحرب النفسية الى عدة أقسام رئيسية منها :
السوقية والتعبوية والحرب المعززة للمعنويات التي تتوجه نحو السكان المدنيين لضمان الحصول على تعاونهم الوثيق .
الادوات
- الدعاية
تعتبر الدعاية هى الاداة الرئيسية للحرب النفسية , وقد لعب دورا كبيرا جدا فى تاريخ الحروب النفسية ، لغرض ترويج معلومات وأراء وفق تخطيط معين بقصد التأثير على عقول ومشاعر وأعمال مجموعة معينة من البشر لغرض معين وهي أحد أسلحة الحرب النفسية الفتاكة مما حفز الدول على التفنن في كيفية إستخدامها .
ونذكر كمثال اسطورة الجيش الاسرائيلى الذى لا يقهر وان خط بارليف من المستحيل تحطيمه والذى نجحت الدعاية الصهيونية فى الترويج له بشكل كبير بعد حرب 1967 من اجل هزم العرب معنويا وقتل اى امل لهم فى نصر قريب , ووقتها تخيل الناس ان الاسرائليين من كوكب اخر ومن المستحيل هزيمتهم ولكن كل هذا تحطم بعد ان فطن العرب للخدعة الكبرى وتغاضوا عن كل هذا الهراء ونجحوا فى تحطيم هذه الاسطورة.
يتفاوت غرض اللجوء الي الدعاية في السلم عنه في الحرب ، ففي السلم يستهدف من الدعاية الدعوة لمناصرة قضية أو عقيدة معينة وتثبيط عزيمة الاعداء في عرقلة تنفيذ البرامج السياسية للحكومة أما في الحرب فانها تستهدف إدامة معنويات السكان وتهيأتهم نفسياً لقبول فكرة الحرب وما يترتب عليها وما ينجم عليها من ويلات إضافة الى تثبيط عزيمة العدو ومحاولة التأثير على الدول المحايدة ولابد هنا من الاشارة الى ان الدعاية تشمل كل وسائل الاتصال الجماهيري وهي في الوقت الحاضر الفضائيات والاذاعات والصحف والانترنيت ........الخ
وتستهدف الدعاية في المقام الأول بث الفرقة وعدم الوئام بين صفوف الخصم ووحداته المقاتلة
- الإشاعة
يصنف علماء النفس الاشاعات الى ثلاثة أصناف رئيسية هي إشاعة الخوف ،وإشاعة الأمل،وإشاعة الحقد مع التأكيد من إن الاشاعة تسري في جسد الشعب الضعيف الاعصاب كسريان النار في الهشيم.
قد لا تكون الاشاعة كلية معتمدة على الخيال، فقد تعتمد على جزء من الحقيقة من اجل إمكانية تصديقها وتقبلها من قبل الناس ان زمن الحرب هو انسب وقت لتلك الإشاعات ونشرها حيث يكون الأفراد في حالة استعداد نفسي لتصديق كثير من الأخبار والأقاويل التي يسمعونها نظرا لحاله التوتر النفسي الذي يعيشونه
والإشاعات التي تستخدم في الحرب على نوعين إشاعات الخوف وإشاعات الرغبة . وإشاعات الخوف بما تنطوي علية من إنذار بالخطر تهدف إلى الكف من ثقة الشخص بالنهاية المظفرة لمجهوداته الحربية ، فهي إذا كانت تولد قلقا لا لزوم له كانت أحيانا تؤدى إلى نظرة انهزامية . وإشاعات الرغبة من ناحية أخرى تحتوى على تفاؤل ساذج. إذ تؤدى إلى القناعة والرضي عن الحال والخنوع وقبول أي حال ممكن.
فعلي سبيل المثال انتشرت في الحرب العالمية الأولى الشائعات والقصص التي تقول الألمان يقطعون أيدي الأطفال وانهم يغلون جثث الموتى ويصنعون منها الصابون وانهم يصلبون أسرى الحرب وفي الجانب الألمان كانت تنتشر شائعات تقول أن الحلفاء يستخدمون الغوريلات والناس المتوحشين من أفريقيا واسيا في حرب الناس المتحضرين وانهم يستخدمون رصاص دمدم وانهم يعتقلون المدنيين الأبرياء. •
- الضغوط الاقتصادية
وتمارس بطرق متعددة منها الحصار الاقتصادي والمقاطعة الاقتصادية بهدف منع وصول الاطعمة والمواد الضرورية وتجميد إمكانيات البلد الانتاجية وبما يؤدي الى الجوع والحرمان الذي من شأنه أن يخلق أزمات نفسية ونقمة متزايدة .
المناورة السياسية التي تتكامل فعاليتها وترتبط بالعوامل السابقة التي تم ذكرها كالدعاية والاشاعة ، وتبرز المناورة السياسية بشكل خاص وقت السلم وبمظاهر متعددة منها التهديد المستمر بالحرب كالتهديد الذي مارسه هتلر منذ عام 1936الذي جعل تيشكوسلوفاكيا آنذاك تتنازل عن منطقة السويدات دون أن تطلق طلقة واحدة إضافة الى أساليب أخرى تعتمد على التلويح بأستخدام القوة.
-الاعمال العسكرية الرادعة
وتأتي استكمالاً لأقسام الحرب النفسية الاخرى وتأخذ أشكالا متعددة منها شن الغارات الجوية والحركات الاستنزافية وإستخدام الاسلحة بكل انواعها .
مجالات الحرب النفسية :-
1. يمكن أن توجه الحرب النفسية على المستوى العالمي او الدولي مثل الاقناع الرأي العام او تضليله وعزم الخصم عن أصدقائه وجلب التأييد والمساعدة العسكرية والاقتصادية والفنية من جانب الأصدقاء .
2. على المستوى القومي ، وذلك لشغل العرب (كمثال واقعى ) في معارك جانبية ، وخلق الأزمات والصراعات الداخلية وباستغلال هذه الإحداث وتصعيدها ، ومحاولة الدس واستخدام أبواق الدعاية في أشعال لهيبها ، وكذلك استهداف النيل من الوحدة العربية والتشكيك في نوايا العرب ، وفي إخلاصهم وفي التزاماتهم إزاء القضية العربية المصيرية ، ومن ذلك إثارة روح الشك والريبة في نوايا العرب اواء بعضهم البعض . كذلك إشاعة خرافة التفوق الحضاري الإسرائيلي فهم يزعمون انهم أرباب الحضارة الغربية نفسها .
3. إشاعة الفرقة والانقسام بين صفوف الامه ، ونقصد هنا بالفرقة بوجه عام ، أي التفرقة بين الشعوب حكومته ، وبين الأمة وحلفائها ، وبين القادة والجنود ، وبين الأغلبية من السكان والاقليات ، والتفرقة بين الأحزاب والطوائف وأرباب الشيع والمذاهب المختلفة ، والتفرقة بين الجيش وبين المدنيين ، وبين النساء والرجال ، وبين الكبار والصغار وبين الأجيال المختلفة ، وتؤدي هذه التفرقة إلى تمزيق الجبهة الداخلية واستنفاذ الطاقات في الخصومات.
4. والصراعات الداخلية .
5. إضعاف إيمان الشعب بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية ، وإثارة الشك في نفسية وفي شرعية قضيته ، وزعزعة الأمل في النصر ، وعلى ذلك فانه يتخاذل ويسهل إقناعه بالهزيمة .
6. محاولة كسب جميع العناصر المعزولة في المجتمع لصالح الدولة المعادية حيث تشجع المعارضة والتمرد والتخريب في داخل البلاد.
الاعلام ودوره فى الحرب النفسية
للإعلام سلاحا ذو حدين( وذلك باعتبار الإعلام أداة من أدوات الدعاية التي قد تكون بناءة أو مدمرة في نفس الوقت) فمنه ما هو مسلط علينا من قبل أعدائنا وهدفه الهاءنا وإبعادنا عن القضايا الأساسية وإفساد عقيدتنا ومعتقداتنا بل والأخطرمن ذلك زرع أفكار ومعتقدات من شأنها هزيمة الروح المعنوية لنا ولشبابنا,ومنه أيضا ما هو من شأنه رفعة الأمة والتوعية الصحيحة للشباب ولكل فئات المجتمع.
حرب أكتوبر 1973 م كانت ملحمة حقيقية برع فيها رجال المخابرات والعسكريين على حد سواء وان كان دور رجال المخابرات أعمق واكبر أثرا . ففي عام 1968 م وفى الوقت الذي كان فيه كلُُُُ ُ من الطرفين المصري والإسرائيلي مستمرفى الصراع والكل يستعد للحظة الحاسمة , اكتشف رجال المخابرات واحدا من أهم المصادر التي تنهل منها المخابرات الإسرائيلية المعلومات وهذا المصدر هو الشعب نفس . حيث تم تعيين جواسيس كتخصصه فقط في الإنصات إلى أحاديث الناس في كل مكان ,في العمل والبيت والشارع ووسائل المواصلات وحتى في السينما والمقاهي وأماكن اللهو والمرح ,فكل من يعرف حقيقة أويسمع أمرا ما يتباهى بالحديث عن معلوماته في كل مكان دون اهتمام أو حذر أو تقدير .
وقد استعان رجال المخابرات بالإعلام لمواجهة هذا التسرب الهائل في المعلومات الذي يفيد العدو إفاده بالغة . ففي البداية بدأ رجال المخابرات بطلب التوعية من رجال الدين من شيوخ وقساوسة لتوعية الناس إلى ضرورة التزام الصمت حتى لا يستفيد العدو من ألسنتنا . وبعد ذلك جاء دور الطوائف الأخرى التي تكسب ثقة واهتمام المواطنين مثل الأدباء والصحفيين ومؤلفي الأغاني ومعدي التمثيليات ومخرجي المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية .
وانطلق سيل من الروايات والكتب والمقالات والمسلسلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية يغمر وسائل الإعلام ويملأ أسماع وعيون وعقول الناس . والتف الناس حول أجهزه الراديو لمتابعة مسلسل (كلاب الحراسة) الذي كتبه (كمال إسماعيل) وكتب (محمود صبحي) في برنامج (عيله مرزوق أفندى) وكتب (رأفت الخياط) (البعثة 69) ويقدم (محمد كامل) (المصيدة) وقدم (فائق إسماعيل) مسلسلين هما(اللصان والجاسوس) و (لا أسمع لا أرى لا أتكلم) والكل يدعو إلى نفس الفكرة كلُ ُ بطريقته .
وفى نفس الوقت كان هناك العشرات من أصحاب الأقلام يقدمون المقالات في الصحف المختلفة مثل (حسين فهمي) و (أنيس منصور) و (عبد السلام داوود) و (صلاح هلال) وغيرهم
ونجحت الحملة أكثر وأكثر حتى إن جريدة (جيروساليم بوست) الإسرائيلية قد نشرت مقالا في عددها الصادر بتاريخ26/4/1972 تحذر من خطورة الحملة التي تقوم بها أجهزة الإعلام المصري لتوعية الشعب
وبالفعل نجحت الحملة الإعلامية المصرية نجاحا منقطع النظير وتأكد هذا تماما عندما كانت تحركات الجيش في أكتوبر 1973 م واضحة للجميع ولم تنفك ألسنةالشعب . وهكذا نرى التأثير الهائل للإعلام بشتى صوره من صحافة وإذاعة وتلفزيون وخطابة على الأفراد
مثال أخر يؤكد الدور الذي يمكن أن تلعبه الدعاية الموجهة من قبل وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق ما يريده مستخدموها من أهداف .... طوال فترة الحرب العالمية الثانية كان الألمان يستمعون إلى إذاعة ألمانية ناطقه بالعامية تنقل إليهم أخبار قادتهم وجبهتهم على نحو يوحى بأن فريقا من جنرالات الجيش المعارضين للنازية هم من يبثها من مكان مجهول من داخل ألمانيا وخاصة مع خطبها الساخنة التي تدعو لرفعة ألمانيا وتهاجم الحلفاء وقادتهم وزاد ارتباط الألمان بتلك الإذاعة المجهولة دون أن يخطر ببال احدهم حتى قادتهم أنفسهم أنها إذاعة بريطانية بحته أي من قبل أعدائهم يتم بثها من قلب لندن تحت إشراف ( ايان فليمنج) شخصيا وهو بريطاني الذي كان يدس السم في العسل يوميا ويتسلل إلى أعماق الروح المعنوية الألمانية وينسفها نسفا من خلال قصص ملفقة عن قاده الألمان وساستهم . وقد كان لهذه الإذاعة أكبر الأثر في هزيمة الروح المعنوية للألمان حتى انتهت الحرب باستسلام ألمانيا.
مدارس الحرب النفسية الاعلامية
1. مدرسة الفكر الاعلامى البرجوازى
ويمثلها الاعلام الغربى , وتهدف هذه المدرسة الى تصدير فكرة عن الغرب بأنه الخلاص لكل من يريد النجاة من التخلف والظلم والفقر , وكل ما دون الغرب يقف فى اخر طابور الحضارة والتقدم …!
2. مدرسة الفكر الاعلامى التبعى
وتتمثل هذه المدرسة فى اعلام الدول النامية والذى يقدم ما يمليه الغرب عليه من افكار وتصورات يريد الغرب ان يوصلها لهذه الشعوب النامية بطريق غير مباشر كى يهزموا هذه الشعوب معنويا وقتل الامل بين ابنائها
3. مدرسة الفكر الاعلامى المتلاعب
وتتمثل هذه المدرسة فى الاعلام الانتهازى الغير هادف الذى يصدر افكار تافهة للشباب لقتل الهمم ونشر الرذيلة والجهل فى المجتمع , وترك المواضيع الهامة والحيوية والتركيز على تفاهات الامور
غسل المخ (الدّماغ):
إنَّ مصطلح (غسل الدماغ) يقع ضمن المصطلحات التي تُسْتَخدم في الحرب النَّفْسِيَّة، وأول ما أطلق بعد الحرب العالمية الثانية، من قِبَل الصَّحفي الأمريكي (إدوارد هنتر)، عن طريق ترجمته للكلمة الصينية (هي تاو)، التي معناها ـ لدى الصينيين اصطلاح الفكر، ويُراد به: تجريد العقل من ذخيرته ومعلوماته ومبادئه، وهو أيضاً تشكيل التفكير بطريقة التفجير، وتغيير الاتجاهات النَّفْسِيَّة، وهو محاولة توجيه الفكر الإنساني أو العمل الإنساني ضدّ رغبة الفرد أو ضدّ إرادته أو ضدّ ما يتفق مع أفكاره، ومعتقداته، وقيمه، فهو عملية إعادة تعليم، وهو عملية تحويل الإيمان أو العقيدة التي كفر بها، ثم الإيمان
وقد اقترنت عملية (غسيل الدماغ) بالعالِم النَّفسي الروسي (بافلوف)، حيث ركَّز في أبحاثه على نظام الإشارات لإثبات نظرية (الفعل المنعكس الشرطي)، وتعني القيام بسلوك معيَّن نتيجة لمؤثّرات خارجية، ويمكن تمييز طبيعة الفرد الذاتية من بيئته.
ويمكن تلخيص طرق (غسل الدماغ) التي تتبّع حديثاً في الخطوات التالية:-
[1] عزل الفرد اجتماعياً ومناداته برقم وليس باسم، واستغلال مؤثّرات الجو، والتَّعب، والجوع، والألم، والأساليب الأخرى مثل: الصدمات الكهربائية، واستخدام العقاقير المخدّرة، مثل: الكحول والمواد الكيميائية. وهذه كلّها تضعف قدرة الفرد على التحكُّم في إرادته، ثم إيجاد صراع وخوف أساس، بحيث تصل حالة الفرد إلى درجة أنْ يكون فيها متلهّفاً للخلاص، ويرافق ذلك نتيجة الإحساس بالذنب، وجعل حالة التشكيك لديه، وتعريضه للمرض الجسمي، والعقلي، والضغط الفسيولوجي.
[2] تستخدم مع الفرد اللين، والمهادنة، والتساهل، والدِّقة، والاعتذار عن المعاملة السابقة، وإظهار الصداقة له.
[3] يفهم الفرد بعد ذلك إذا ما اعترف، فإنَّ المعاملة له ستزداد تحسُّناً، ويمكن أن يعيش.
[4] وتأتي بعدها عملية الإقناع، وهي عملية إعادة تعليم الفرد، بحيث ينقد نفسه إلى أنْ يصل إلى الاعتراف النَّهائي.
[5] ثم يحدث تغيُّر مفهوم الذَّات لدى الفرد باستخدام أساليب مثل: التقويم الإيحائي، أو الإيحاء النَّفسي.
[6] يتم محو الأفكار المراد محوها نهائياً.
[7] تقديم الأفكار الجديدة، ويشجِّع الفرد على تعلُّم معايير سلوكية جديدة وأدوار اجتماعية جديدة، وبذلك يتم تحويله إلى فرد جديد.
ينبع التأثير الاكبر للحرب النفسية من خلال تحطيم معنويات الخصم وجعله يدخل المعركة وهو موقن بالهزيمة فيها حتى لو كان هو الطرف الاقوى , لأنه يشعر بالضعف فى داخله كرد فعل للدعاية التى تهاجم معنوياته وتشكك فى قدراته وتبرز الطرف الاخر بصورة اقوى كثيرا مما هو فى الواقع
والهدف هوبث اليأس، و الإستسلام في نفوس العدو. تضخيم أخطاء العدو و ذلك لإحداث نوع من فقد الثقة بين الشعب و قيادته إضعاف الجبهة الداخلية للعدو، و إحداث الثغرات بها، و تشكيك الجماهير في قدرة قيادتها السياسية، و التشكيك بالقوة المسلحة. العمل على تفتيت الوحدة بين الأفراد و القوات المسلحة حتى لا يثقوا ببعضهم
إن الحرب النفسية هي اكثر خطورة من الحرب العسكرية لأنها تستخدم وسائل متعددة ، إذ توجه تأثيرها على أعصاب الناس ومعنوياتهم ووجدانهم ، وفوق ذلك كله فإنها تكون في الغالب مقنعة بحيث لا ينتبه الناس إلى أهدافها ، ومن ثم لايحطاطون لها. فأنت تدرك خطر القنابل والمدافع وتحمي نفسك منها . ولكن الحرب النفسية تتسلل إلى نفسك دون أن تدري . وكذلك فان جبهتها اكثر شمولا واتساعا من الحرب العسكرية لأنها تهاجم المدنيين والعسكريين على حد سواء .
نماذج من التاريخ
جوبلز
انه الدكتور/ جوزيف جوبلز , مدير الدعاية السياسية للحكم النازى ابان حكم هتلر فى الحرب العالمية الثانية
ان جوبلز قد قام بعمل لا يقل خطورة عن غزو القوات الالمانية لاوروبا الا وهو ترويج الفكر النازى للشعب الالمانى وجعلهم يؤمنون به ايمانا مطلقا وكان هذا هو سر علو كعب المانيا فى السنوات الاولى للحرب , انه نجح فى ترسيخ شعار ( المانيا فوق الجميع ) داخل وجدان كل المانى من الطفل الصغير الى الشيخ العجوز , انه قد اعطاهم الاحساس بالقوة و علو الجنس الارى على باقى اجناس الارض بفضل خطبه الرنانة وكلامه الذى لعب بمشاعر الملايين , وهذا ما جعل ايضا اعداء المانيا يرتعدون خوفا من اى شئ يمس المانيا بصلة …..!
الاسكندر الاكبر
يعتبر الاسكندر الاكبر من اقدم من استخدموا الحرب النفسية وقد استخدمها فى حروبه كثيرا , حيث كان من اساليبه صنع عدد كبير جدا من الدروع والخوذات الضخمة وكان يتركها خلفه فى اى مكان يعبره بجيشه , ليجدها عدوه ويعتقد ان جيش الاسكندر به عمالقة من الرجال فيرتعد العدو رعبا قبل ان يلتقى بجيش الاسكندر ويمتنع عن ملاحقته …!
جنكيز خان
كان من عادة القائد المغولى جنكيز خان ان يبعث امام جيشه بمن ينشر وسط البلد المستهدفة كلاما يدل على اعداد المغوليين الكبيرة وافعالهم الوحشية من اجل بث الرعب فى النفوس ..! كما انه كان يقوم بخداع جيش عدوه , فيجعلهم يعتقدون ان جيشه اكبر من الواقع عن طريق مجموعة مدربة من الفرسان الذين كانوا يتحركون من مكان لأخر بسرعة كبيرة ، وقد لجأ(جنكيز خان) إلى أسلوب إرسال الجواسيس في بداية القرن الحادي عشر الميلادي ، لبثّ الرُّعب في نفوس الأعداء، من خلال التهويل، وإطلاق الشائعات، ومحاولة إضعاف معنويات المقاتلين.
الولايات المتحدة الامريكية
كثيرا ما استخدمت الولايات المتحدة الحرب النفسية فى تحدياتها الدولية , فقد استخدمتها فى حروبها مع بنما وفيتنام , وتجلت هذه الحرب النفسية اثناء حرب الخليج … حيث استخدمت احدى الوحدات الصغيرة للقوات الامريكية مكبرات الصوت والتى اخذت تطلق اصوات الهليكوبتر والدبابات من خلال شرائط مسجلة من اجل ايحاء الجيش العراقى بأن امكانيات الوحدة اكبر بكثير من حقيقة الامر …!
كما قامت قوات التحالف فى هذه الحرب بأسقاط 29 مليون منشور على جميع وحدات الجيش العراقى , يقوم بعضها بتهديد الجيش العراقى وتتوعده فى حالة عدم الاستسلام وبعضها الاخر يذكر الجنود العراقيون بالاهل الذين ينتظرون عودتهم …!
و منذ أقدم العصور استخدم العراقيون القدماء الحرب النَّفْسِيَّة، والمنحوتات والألواح الجدارية شاهد على ذلك. حيث استعمل الآشوريون الهدايا في محاولة لكسب ودّ الأعداء، وكذلك الاستعراضات ذات الطابع العسكري، الذي يُراد به بثّ الرُّعب والخوف لدى الأعداء، وكذلك استعمال الخدع المباغتة.
وقد برع الصِّينيون في الحرب النَّفْسِيَّفة و أدركوا أهمية العلاقات الفردية في تكوين التحالفات، وأعطوا للتثقيف الذاتي أهمية كبرى، وقد أصبحوا بذلك الرواد في تقويم الأفكار وتحويل الاتجاهات.
- نابليون بونابرت
قام (نابليون بونابرت) أثناء حملته على مصر 1798م، من خلال المنشورات التي وزعت على المصريين، للتأثير على العقل العربي المسلم في مصر، واستمالة عطفه، وعدم مقاومته كفاتح مستعمر، وما ادّعاؤه الإسلام وبأنَّه لا يعارض النَّصرانية إلاَّ محاولة للتأثير على الفرد المصري.
- عند دراساتنا للحربين العالميتين نجد أنَّ الدُّول قد وضعت للحرب النَّفْسِيَّة المكانة الكبيرة، وذلك للاتصال الجماهيري عن طريق الدِّعاية، فكانت لـ (بريطانيا) أساليبها المعروفة كدولة، وهي التي أنشأت في وزارتها الخارجية عام 1914م مكتباً للدِّعاية، حيث نقلت تجربتها إلى ألمانيا الهتلرية، والولايات المتحدّة، وتبعها الاتحاد السوفيتي.
-استغلت النازية هذه التجربة أكبر استغلال، فأسَّس الدكتور/ غويلز سنة 1939م وزارة الدِّعاية، لمراقبة الشعب الألماني، وكذلك الدِّعاية النازية: (الألمان فوق الجميع)، و(الجيش الذي لا يُقْهَر)، وقد استسلمت للألمان جيوش بكاملها بدون قتال.
الحرب النفسية والاسلام
تذكر لنا آيات القرآن الكريم الممارسة النَّفْسِيَّة التي ضلَّل بموجبها إبليس ـ عليه اللَّعنة ـ نبي الله آدم [ع]. كما تبيِّن لنا الآيات القرآنية ما دار من قصص الأنبياء، وكيف كان الكافرون يقلّلون من شأن الأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ.
فسيدنا آدم [ع] ـ أبو الأنبياء ـ أول من مورست ضدّه الحرب النَّفْسِيَّة من قبل إبليس ـ عليه اللَّعنة ـ، وتبيِّن الآيات بوضوح العمل الذي يقوم به الشيطان في التضليل، وهو شكل من أشكال الحرب النَّفْسِيَّة، كما تتناول الآيات صوراً وأساليب مختلفة للحرب النَّفْسِيَّة.
يبيِّن القرآن أنَّ الشيطان هو الذي يوسوس ويحرِّك دوافع الشرّ والانحراف، قال تعالى: (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23))[الأعراف: 19-23].
ومعنى قوله تعالى: (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) "أي جراهما إلى المعصية"
وكما تحدّث القرآن الكريم عن عمل الشيطان في الغواية والتضليل، فقد تحدّثت السُّـنَّة عن العمل ذاته، فعن رسول الله [ص] فيما يرويه عن ربه: (إنَّ كلَّ مال منحت عبادي فهو لهم حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلَتُ لهم، وأَمَرَتْهُم أنْ يشركوا بي ما لم أنزِّل به سلطاناً، وإنَّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاَّ بقايا من أهل الكتاب) صحيح مسلم، كتاب الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها، برقم 63.
فكذلك الرسول ؛ تعرَّض له المشركين بالأذى المعنوي، فاتهموه بـ (الأبتر)؛ لأنَّه ليس لديه أبناء ذكور يخلّدون ذكره، إذ مات جميع أبنائه صغاراً، فردّ عليهم القرآن بقوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)[الكوثر: 3]، أي: إنَّ مبغضك وكارهك هو الذي سينقطع ذكره.
وقد أمرت آيات كثيرة النَّبي [ص] بألاَّ يضيق ولا يحزن فيما يوجه إليه من حرب نفسيَّة، فقال تعالى (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النمل: 70]، وقال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)[النحل: 127].
هذه الآيات وغيرها بمثابة تحصين نفسي للرسول [ص] والدَّعوة الإسلامية، حتى لا تتداعى أمام حرب الكفار النَّفْسِيَّة في ذلك الوقت
كما يزوِّد القرآن الكريم سيدنا محمد [ص] بجرعات نفسيّة كبيرة، فيتحدّى الكفار، فيعجزوا عن مسايرة منطقه، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[هود: 13-14].
ابرز الحروب النفسية ضد المسلمين (التتار)
بالإضافة إلى إعداد الطرق، وتهيئة الوسائل اللازمة لضمان الإمداد والتموين للحملة التترية، وبالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية الهائلة التي قام بها التتار لإنجاح خطتهم في إسقاط الخلافة الإسلامية، فإن هولاكو لجأ أيضًا إلى سلاح رهيب، وهو الحرب النفسية على المسلمين..
القيام ببعض الحملات الإرهابية في المناطق المحيطة بالعراق والتي لم يكن لها غرض إلا بث الرعب، وإحياء ذكرى الحملات التترية الرهيبة التي تمت في السابق في عهود "جنكيزخان" و"أوكيتاي"..
فالحملة التترية الأولى والتي كانت في عهد جنكيزخان مر عليها أكثر من ثلاثين سنة، وهناك أجيال من المسلمين لم تر هذه الأحداث أصلًا، وإنما سمعت بها فقط من آبائها وأجدادها.. وليس من سمع كمن شاهد.. والحملة التترية الثانية في عهد أوكيتاي لم يكن من همها التدمير والإبادة في بلاد المسلمين، وإنما كانت موجهة في الأساس لروسيا وشرق أوروبا، ومن ثم لم يتأثر بها المسلمون بصورة كبيرة..
ولذلك أراد هولاكو أن يقوم ببعض النشاط العسكري التدميري والإرهابي بغرض إعلام المسلمين أن حروب التتار ما زالت لا تقاوم.. وأن جيوش التتار ما زالت قوية ومنتشرة..
من ذلك مثلًا ما حدث في سنة 650هـ عندما قامت فرقة تترية بمهاجمة مناطق الجزيرة وسروج وسنجار، وهي مناطق في شمال العراق، فقتلوا ونهبوا وسبوا، ومما فعلوه في هذه الهجمة أنهم استولوا على أموال ضخمة كانت في قافلة تجارية، وقد بلغت هذه الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار، (وما أشبه هذا بما يحدث اليوم تحت مسميات مثل: تجميد الأموال..)
فكانت هذه الحروب بمثابة حروب الاستنزاف، فأضعفت من قوة الخلافة والمسلمين كثيرًا، وهيأت المناخ للحرب الكبيرة القادمة.. وأمثال هذه الحروب يتكرر في التاريخ كثيرًا
- ومن وسائل التتار الخطيرة في حربهم النفسية ضد المسلمين الحرب الإعلامية القذرة التي كان يقودها بعض من أتباع التتار في بلاد المسلمين يتحدثون فيها عن قدرات التتار الهائلة، واستعداداتهم الخرافية، ويوسعون الفجوة جدًا بين إمكانيات التتار وإمكانيات المسلمين.. وتسربت هذه الأفكار إلى وسائل الإعلام في زمانهم.. ووسائل الإعلام في ذلك الوقت هم الشعراء والأدباء والقصاصون والمؤرخون.. وقد ظهر في كتاباتهم ما يجعل المسلمين يحبطون تمامًا من قتال التتار وذلك مثل:
- التتار تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم.. (كناية عن قوة وبأس المخابرات التترية، وحسن التمويه والتخفي عندهم، بالإضافة إلى ضعف المخابرات الإسلامية وهوانها)..
- التتار إذا أرادوا جهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه..
- التتار نساؤهم يقاتلن كرجالهم.. (فأصبح رجال المسلمين يخافون من نساء التتار)..!!
- التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها، وتأكل عروق النبات، ولا تحتاج إلى الشعير!..
- التتار لا يحتاجون إلى الإمداد والتموين والمؤن؛ فإنهم يتحركون بالأغنام والبقر والخيول ولا يحتاجون مددًا..
- التتار يأكلون جميع اللحوم.. ويأكلون ..... بني آدم!!!..
وكان أيضًا من وسائل التتار المشهورة لشن حرب نفسية على المسلمين كتابة الرسائل التهددية الخطيرة، وإرسالها إلى ملوك وأمراء المسلمين، وكان من حماقة هؤلاء الأمراء أنهم يكشفون مثل هذه الرسائل على الناس، فتحدث الرهبة من التتار، وكان التتار من الذكاء بحيث إنهم كانوا يستخدمون بعض الوصوليين والمنافقين من الأدباء المسلمين ليكتبوا لهم هذه الرسائل، وليصوغوها بالطريقة التي يفهمها المسلمون في ذلك الزمان، وبأسلوب السجع المشهور آنذاك، وهذا ولا شك يصل إلى قلوب الناس أكثر من الكلام المترجم الذي قد يفهم بأكثر من صورة، كما أن التتار حاولوا في رسائلهم أن يخدعوا الناس بأنهم من المسلمين، وليسوا من الكفار،
وكمثال على هذه الرسائل، الرسالة التي أرسلها هولاكو إلى أحد أمراء المسلمين وقال فيها:
"نحن جنود الله..
بنا ينتقم ممن عتا وتجبر، وطغى وتكبر، وبأمر الله ما ائتمر..
نحن قد أهلكنا البلاد، وأبدنا العباد، وقتلنا النساء والأولاد..
فيا أيها الباقون، أنتم بمن مضى لاحقون..
ويا أيها الغافلون، أنتم إليهم تساقون..
مقصدنا الانتقام، وملكنا لا يرام، ونزيلنا لا يضام..
وعدلنا في ملكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر؟
دمرنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقناهم العذاب..
وجعلنا عظيمهم صغيرًا، وأميرهم أسيرًا..
تحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون، وعن قليل تعلمون على ما تقدمون
وقد أعذر من أنذر"..
ولا شك أن مثل هذه الرسالة إذا وقعت في يد خائف أو جبان، فإنه لن يقوى على الحراك أبدًا بعد قراءتها، وكان هذا هو عين المرجو من وراء مثل هذه الرسائل!!..
- ومن وسائل التتار أيضًا لشن الحرب النفسية على المسلمين إعلان التحالفات
و بث الروح الهجومية لدى المقاتلين أثناء التدريب وكذا الانضباط العسكري وروح الفريق وهي عوامل فعالة لمكافحة الدعاية التخريبية للعدو.
الحرب النفسية والصهيونية
فالمصطلحات و التعاريف ليست "مجرد كلام" كما قد يظن البعض، بل نقاط مرجعية تسهم بتحديد قوانين اللعبة السياسية، وقوالب يُصَبُ داخلها الرأي العام، وهي على المدى البعيد، إذا تركت تعمل دون خطابٍ بديل،
ذات تأثير تراكمي يخترق الوعي الجمعي العربي ويفجره من الداخل، وينشئ قطاعات شعبية وثقافية عربية تفقد الهوية والانتماء وتتحول إلى موالاة الصهيونية
المصطلحات والتعاريف إذن مفاتيح لنمط محدد من الوعي في وسائل الإعلام والثقافة السائدة يهدف إلى تبرير الأمر الواقع وخلق حالة من التكيف معه، من قبل المتضررين منه أساساً.
الصهاينة يجيدون لعب هذه اللعبة. فقد نجحوا بجعل مصطلح "إرهابي" مرافقا لصورة الفلسطيني والعربي والمسلم في الإعلام الغربي. وكانت البعثة الفلسطينية في الجامعة العربية قد تقدمت بورقة في صيف عام 1997 تطلب فيها من وسائل الإعلام العربية أن تتبنى مصطلحات معينة تؤكد الحقوق العربية وتقاوم الهيمنة الصهيونية في الإعلام العالمي، عوضا عن تبني مصطلحاتها، ومن الإقتراحات المقدمة في تلك الورقة ما يلي، أقدمها مع بعض الإضافات والتعديلات، الجذرية أحياناً:
- ضرورة استخدام تعبيري "مستعمرات" و"مستعمرين"، عوضاً عن "مستوطنات" و"مستوطنين"، لأن الإستيطان يوحي بسكن أراضٍ خالية من السكان، بينما الإستعمار يقوم على فكرة الإحتلال بالقوة وطرد السكان الأصليين، هذا مع العلم أن مصطلح "استعمار" نفسه يحمل لفظياً شحنة إيجابية لأنه مشتقٌ من فكرة التعمير والبناء، ولكن استخدام مصطلح "مستعمرة" يظل أفضل بالتأكيد من مصطلح"مستوطنة"، لأن كلمة استعمار عادت واكتسبت معناها الحقيقي بفضل نضالات شعوب العالم الثالث .
- ضرورة استخدام مصطلح " فلسطينيو ال 48" أو "عرب فلسطين في مناطق ال 48" عوضا عن التعبير المستخدم عادة وهو "عرب إسرائيل" الذي يتنكر لمبدأ وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده حسب الميثاق الوطني الفلسطيني، والذي يكرس انتماء العرب كأقلية لدولة الكيان الصهيوني.
- ضرورة استخدام مصطلح " قوات الاحتلال الصهيونية" أو "رئيس حكومة الإحتلال" عوضاً عن استخدام" الجيش الإسرائيلي" أو " القوات الإسرائيلية".
- ضرورة استخدام " أعمال المقاومة ضد الإحتلال" عوضاً عن "أعمال العنف" الرائجة في وسائل الإعلام العربية لأن " أعمال العنف" لا مشروعية لها.
- ضرورة إضافة تعبير "العربية المحتلة " كلما ذكرت القدس، أو أي جزء من فلسطين وضرورة استخدام الأسماء العربية الأصلية، مثلاً " جبل ابوغنيم" وليس "هارهوما" كما يسميها اليهود، أو الضفة الغربية وليس يهودا والسامرة، الخ…
- ضرورة استعمال كلمة فلسطين بمعناها الحقيقي وليس الضفة وغزة فقط. وقد يبدو معظم هذه الإقتراحات بديهياً، ولكن مجموعة من المصطلحات المشبوهة وجدت طريقها إلى الخطاب السياسي العربي خلال مرحلة التسعينات الرمادية . أدوارد سعيد مثلاً كان يقول "النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي" عوضاً عن "الصراع العربي -الصهيوني"، والفرق بين كلمة نزاع وكلمة صراع كبير، وكذلك الفرق بين عربي- صهيوني من جهة وفلسطيني- "إسرائيلي" من جهة أخرى. فالتعبير عن المسألة على شكل نزاع يجعلها اكثر قابلية للحل، وجعل هذا النزاع المزعوم فلسطينياً فقط، يضعف الطرف الفلسطيني ويعزله عن عمقه العربي، أما الاستخدام المتكرر لتعبير " إسرائيل" و"إسرائيلي"، فيعود العقل الجمعي العربي على التعايش مع "إسرائيل". لذلك يجب دائماً ان تحاصر في مزدوجين، لإبقاء مسافة كافية بيننا وبين ما نرفض وجوده، أو فهي الكيان الصهيوني. أما تعبير " الشرق الأوسط"، فيجب تجنبه ومحاولة استخدام الوطن العربي والعالم الإسلامي عوضا عنه.
كما ان اسرائيل تشن حربها النفسية لاقناع العالم بأن اسرائيل دولة متقدمة فانها تصف العرب بأنهم شعوب متخلفة وان الاسلام الخطر القادم لتقرمين السلام، وأن ما لدى العرب من قوة مصدرها الطاقة فانهم يهدرون بذلك الغرب وان التخلف ادنى أن تكون الشخصية العربية متخلفة ولدى العرب أراء متفرقة وان اليهودية اكثر صلة بالمسيحية فاليهودية المسيحية تفرض بعودة المسيح، كما أنها تجمع العهد لكى تقيم الهيكل الثالث وان ظهور المسيح مرتبط بذلك، وان العرب معادون للسامية وان منظمة التحرير الفلسطينية انما لا تمثل الشعب الفلسطينى ما تمثلها من ارهاب الدولى والاقليمى.
و لقد أخذ الاعتقاد بأن العرب قد استسلموا لإسرائيل يسود تدريجيا بين الأكاديميين ، والأمر من ذلك كثرة التندر والسخرية الموجهة إلى من الأكاديميين الصهيونيين والمعجبين بهم في الندوات والمحاضرات . حتى وقف أستاذ صهيوني يصف كريكاتورا إنجليزيا ساخرا في حرب 1973 ، حول صورة عربي قبل الحرب يسير أمام زوجاته الأربعة ، وبجانبها صورة نفس العربي يسير خلف زوجاته الأربعة مقتربا من حقل ألغام بعد الحرب ….! حتى الحضور من الإنجليز لم يضحكوا لتلك النكتة الباردة كالصقيع.
وفي محاضرة أخرى عن الدبلوماسية البريطانية في الشرق الأوسط ، لم يقل محاضرين كلمة واحدة عن إلعدوان الإسرائيلي القائم على الشعب الفلسطيني ، بل تحدثا عن عدوان العرب على العرب ، وكيف وجد أحدهم " عبدا عربيا قد ربط نفسه على سارية علم المندوب السامي في أحدى الدول العربية مطالبا بتحريره ، فأعطاه المندوب كتابا رسميا يعتقه من العبودية ، وأهمل المحاضر تحرير بلال مؤذن الرسول ( صلعم) وأن الإسلام منع العبودية حال قيامه ، وأن عمر بن الخطاب أكد ذلك بقوله الشهير : " كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أحرارا " قبل ألف عام من قانون منع العبودية البريطاني ، والف عام قبل أن تستعبد بريطانيا شعوبا بأسرها في عهد الاستعمار.
مواجهة الحروب النفسية
اى مواجهة عملية وناجحة ضد أية حرب نفسية يتعرض لها بلد ما تتطلب إستخدام وسائل فاعلة يمكن إجمال أبرزها بمايلي :-
أولا :
مكافحة نشاط الجماعات المعادية في الداخل أو ما أصطلح على تسميته بالرتل الخامس حيث ظهر هذا التعبير خلال الحرب الاهلية الاسبانية عندما قال الجنرال (مولا ) أحد قادة فرونكو ( إن أربعة أرتال تتقدم على مدريد للاستيلاء عليها ولكن هناك رتلاً خامساً كاملاً داخل المدينة له القابلية على إنجاز ما لا يستطيع أي رتل انجازه ) . والرتل الخامس سلاح فعال مهمته تحطيم كيان الامم من الداخل بإضعافها وتفتيت شملها بالاشاعات والاراجيف لاثارة الفزع بين صفوف المواطنين وأثارة النعرات القومية والطائفية والعرقية بينهم والقيام بأعمال الشغب والتخريب التي تخلق الفوضى.
إن مثل هذا النوع ينبغي مواجهته بشدة وصرامة وإتخاذ التدابير اللازمة لوقف نشاطه بالتنسيق مع فعاليات الحرب النفسية الأخرى وفي مقدمتها الاعلام الذي تقع عليه مسوؤلية كبيرة بالكشف عن أهداف العدو أمام الرأي العام المحلي والعالمي كوسيلة من وسائل الدعاية المضادة اضافة الى اعتماد مايلي :-
1- وجود منهاج توعية شامل يستهدف تنمية الشعور بالمسؤولية لدى المواطنين مع توضيح دقيق للدورالخطير للمجموعات المعادية وإيضاح وسائلهم وأساليبهم التخريبية .
2- تحقيق الوحدة الوطنية المتماسكة وقطع الطريق على محاولات زرع بذور الفرقة وقد أثبتت الأحداث في العالم وفي العراق بعد أحداث 2003 إن الشعب المفكك الاواصر يكون خير مرتع للاعداء ومهما كانت تسمياتهم .
3- إتخاذ تدابير كفوءة لمواجهة الاشاعة من أهمها إطلاع الشعب بشكل صادق على ما يجري بعيداً عن أساليب الخداع والمراوغة التي سرعان ما يكتشفها الشعب .
4- وضع سياسة إعلامية وطنية موحدة للشعب والتحذير من محاولات إشاعة عوامل الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد والتصدي لمثل تلك المخططات التي تسهل للاعداء تحقيق مآربهم .
5- مد جسور الثقة بين الشعب والسلطة وتعميقها والتواصل الحقيقي مع المواطنين والاستماع الى شكاواهم وآرائهم ومناقشتها معهم .
ثانياً :- إتخاذ تدابير عملية للاعتماد على علم النفس والاجتماع والسياسة والسوق العسكري لمجابهة ما يخطط له العدو حالياً ومستقبلاً وهذا يتطلب دراية ومعلومات واسعة عن الجانب الآخر (العدو) يمكن استحصالها من خلال مواطني البلد في الخارج .
ويتفق علماء النفس وخبراء الحرب النفسية على أن الحرب النفسية " تؤثر بفعالية أكثر على الجنود الخالين من الإيمان الحق ومن العقائد الثابتة وذوي الوعي السياسي الضيق وغير المثقفين ". وفي التاريخ الإسلامي أمثلة كثيرة على قوة العقيدة في مواجهة الحرب النفسية للعدو، منها أن قائد الروم في معركة اليرموك التي بعث إلى خالد بن الوليد برسالة تنطوي على التخويف والضغط النفسي وعلى أساليب التخذيل والدعوة إلى الاستسلام. والحرب النفسية كما ذكرت في البداية تستهدف النيل من نفوس ومعنويات الجنود والمقاتلين في ميدان القتال كما تستهدف أبناء الشعب بمختلف فئاته من عمال وفلاحين ومثقفين وهي بذلك أكثر اتساعا وشمولا من ساحة القتال لذلك فان تأثيرها أكثر خطورة وأشد ضررا كما أنها لا تعتمد على المواجهة الصريحة كما يحدث في المعارك العسكرية ولكنها تلجأ إلى أساليب خفية وملتوية ومقنعة غير معروفة بالنسبة لغالبية الشعب.
1. عدم إذاعة الأخبار والمعلومات عن الظروف العسكرية والاقتصادية والاجتماعية للوطن وذلك لأن العدو يحاول جمعها والاستفادة منها كما يجب الاحتفاظ بوجه خاص بأسرار الوطن حتى لا يلتقطها الأعداء.
2. القيام بعمل إيجابي فعال في ميدان التوعية القومية وتنفيذ الإشاعات المسموعة بالاستناد إلى الحجج والبراهين المنطقية والحقائق الملموسة الواقعية التي تحض الشعب ضد سموم الإشاعات المغرضة التي يروجها الأعداء وذلك بعقد الندوات والقاء المحاضرات في التوعية والإرشاد القومي.
3. العمل على تنمية الشعور بالثقة بالنفس وكذلك الإيمان بالله وبالوطن فان الثقة بالنفس أيساس كل نجاح كما إنها الدعامة القوية التي يقوم عليها صمود الشعب واستمرار نضاله وغرس القيم الدينية والخلقية حتى لا تدع الفرصة لتسرب المبادئ الانهزامية.
4. الدعوة لمواصلة الكفاح والصمود وعدم اليأس وحث الناس على المساهمة الإيجابية في المعركة كل في موقعه، فالعامل والموظف والفلاح كل يستطيع أن يضرب بمعوله في الإنتاج الذي يرتد أثره ولا شك على الجندي الرابض على خط النار، فان الجهاد في الإنتاج لا يقل أهمية ولا شرفا عن الجهاد في ساحة القتال.
5. الاهتمام بالتدريب العسكري وكذا على أساليب الدفاع المدني، لان التدريب من شانه أن يبعث على الثقة بالنفس والاعتزاز بها كما يقوي الإحساس بالقدرة على مواجهة الخطر وعلى تزكية روح المبادرة في مهاجمة والحاق الهزيمة به.
6. التوعية المستمرة لأفراد الجيش بنوايا العدو وأهمية الدفاع عن الوطن ويلاحظ أن أي نقص في الإعلام لجنودنا ما هو إلا مدخل للدعاية التخريبية للعدو.
7. تنمية العلاقات الودية والصريحة بين القادة والمقاتلين حتى تسهل مكافحة الدعاية التخريبية للعدو، واستغلال جماعات الإعلام في الوحدات لمعاونة القائد في تنفيذ مهام توعية الأفراد وهم أفراد منتقمين من بين المقاتلين على درجة عالية من الكفاءة والذكاء والشجاعة ويحظون بإعجاب زملائهم.
8. بث الروح الهجومية لدى المقاتلين أثناء التدريب وكذا الانضباط العسكري وروح الفريق وهي عوامل فعالة لمكافحة الدعاية التخريبية للعدو.
سأصبر على ظلم الجميع لي ،، لكن عندما يأتي دوري لن أرحم أحد ..
--------------------------------------------------------------------------------