mohamadyaseen32
2012/07/28, 08:00 AM
هذا مقال لى كتبته منذ أيام
أرجو ممن يقرأه أن يبدى ملاحظاته
ويخبرنى برأيه فى المقال فرأيكم يهمنى
المقال بعنوان
الإخوان بين مطرقة العلمانيين وسندان العوام
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :-
.
.
هذه كلمات أكتبها لله ثم للتاريخ
.
وأسئل الله الإخلاص والصواب فى القول والعمل
....
...
قبل أن أصارحك بما فى جعبتى وما أرمى إليه بسهمى
دعنى أجتذبك من يدك لترجع معى أعواما للقرن الرابع الهجرى 400 هـ
حين كانت توجد قبيلة تسمى جدالة فى افريقيا وبالتحديد فى صحراء موريتانيا
كانت قبيلة جدالة قد دخلت فى الإسلام منذ قرون
لكن
فى هذه الحقبة من القرن الرابع الهجرى تدهورت أحوالهم وتفشى فيهم الإنحلال الأخلاقى الا من رحم ربى
وابتعدوا عان تحكيم كتاب الله وإقامة شعائر الإسلام
حتى حكمهم رجل يسمى : يحى بن ابراهيم
نظر يحيى بن إبراهيم في قبيلته فوجد أمورًا عجيبة وجد الناس وقد أدمنوا الخمور، واعتادوا الزنى،
حتى إن الرجل ليزني بحليلة جاره ولا يعترض جاره،
تمامًا كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: [وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ] {العنكبوت:29}.
ولماذا يعترض الجار وهو يفعل نفس الشيء مع جاره ؟!
فقد فشى الزنى بشكل مريع في جنوب موريتانيا في ذلك الزمن،
وكثر الزواج من أكثر من أربعة، والناس ما زالوا مسلمين ولا ينكر عليهم أحد ما يفعلونه،
فالسلب والنهب هو العرف السائد، القبائل مشتتة ومفرقة، القبيلة القوية تأكل الضعيفة،
____
ماذا يفعل يحى بن ابراهيم فى قبيلة جدالة وهم على وضعهم هذا ؟
كان يحيى بن إبراهيم الجُدالي صاحب الفطرة النقيّة يعلم أن كلّ ما يفعله قومه من المنكرات،
لكنه لم يكن بمقدوره التغيير؛ فالشعب كله في ضلال وعمى،
وبعيد كل البعد عن الدين، كما أن الرجل نفسه لا يملك من العلم ما يستطيع به أن يغيّر الناس.
وبعد حيْرة وتفكّر هداه ربُّه لأن يذهب إلى الحج
ثم وهو في طريق عودته يمربمدينة القيروان ( تونس الآن)،
فيكلّم علماءَها لعلّ واحدًا منهم أن يأتي معه فيُعلّم قبيلته الإسلام.
حتى قابل أبا عمران موسى بن عيسى الفاسي (368 - 430 هـ )
فحكى له قصته وسأله عن الدواء، فما كان من أبي عمران الفاسي
إلا أن أرسل معه شابا عالما يعلّم النّاس أمور دينهم.
كان هذا الشاب يسمى عبد الله بن ياسين
عبد الله بن ياسين ومهمة الأنبياء
اتّجه الشيخ عبد الله بن ياسين صَوْب الصحراء الكبرى، مخترقًا جنوب الجزائر وشمال موريتانيا
حتى وصل إلى الجنوب ، حيث قبيلة جُدَالة، وحيث الأرض المجدِبة والحرّ الشديد، وفي أناةٍ شديدة،
وبعد ما هالَه أمر الناس في ارتكاب المنكرات أمام بعضهم البعض ولا ينكر عليهم منكر
بدأ يعلم الناس ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر .
كان الناس في جهل مطبق وبعدٍ تام عن الإسلام
ولكن - وللأسف - ثار عليه أصحاب المصالح بل وثار عليه الشعب أيضًا،
فالكل يريد أن يعيش في شهواته وملذاته ودون قيد أو شرط
وأصحاب المصالح هم أكبر مستفيد مما يحدث، فبدأ الناس يجادلونه ويصدّونه عما يفعل،
ولم يستطع يحيى بن إبراهيم الجُدالي زعيم القبيلة أن يحميه،
وذلك لأن الشعب كان لا يعرف الفضيلة، وفي ذات الوقت كان رافضًا للتغيير، ولو أصر يحيى بن إبراهيم الجُدالي على موقفه هذا لخلعه الشعب ولخلعته القبيلة.
لم يقنط الشيخ عبد الله بن ياسين، وحاول المرة تلو المرة، فبدأ الناس يهددونه بالضرب،
وحين استمرّ على موقفه من تعليمهم الخير وهدايتهم إلى طريق رب العالمين،
قاموا بضربه ثم هددوه بالطرد من البلاد أو القتل.
لم يزدد موقف الشيخ إلا صلابة، ومرّت الأيام وهو يدعو ويدعو حتى قاموا بالفعل بطرده من البلاد،
ولسان حالهم: دعك عنا، اتركنا وشأننا، ارجع إلى قومك فعلمهم بدلًا منا، دع هذه البلاد تعيش كما تعيش فليس
هذا من شأنك،
وكأني أراه رأي العين وهو يقف خارج حدود القبيلة وبعد أن طرده الناس، تنحدر دموعه على خدّه،
ويقول مشفقًا على قومه: [يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ] {يس:26}.
يريد أن يغيّر ولا يستطيع،
حزّ في نفسه أن يولد الناس في هذه البلاد فلا يجدون من يعلمهم ويرشدهم
،
فأراد أن يبقى ولكن كيف يبقى؟ أيدخل جُدالة من جديد؟
لكنهم سيقتلونه،
.
ولو كان في ذلك صلاحًا لهم فأهلا بالموت، لكن هيهات ثم هيهات...
.
جلس رحمه الله يفكر ويفكر ثم هداه ربه سبحانه وتعالى، فما كان منه إلا أن تعمّق في الصحراء ناحية الجنوب بعيدًا عن الحواضر والمدنية،
.
حتى وصل إلى شمال السنغال
(التي لا نعرف عنها سوى فريقها القومي، رغم كونها بلدًا إسلاميًا كبيرًا، حيث أكثر من 90 % من سكانه من المسلمين).
.
وهناك وفي شمال السنغال اعتزلهم عبد الله بن ياسين، متنسكًا في جزيرة
صنع خيمة بسيطة له وجلس فيها وحده،
ثم بعث برسالة إلى أهل جُدالة في جنوب موريتانيا، تلك التي أخرجه أهلُها منها يخبرهم فيها بمكانه،
فمن يريد أن يتعلم العلم فليأتني في هذا المكان.
كان من الطبيعي أن يكون في جُدالة بعض الناس خاصّة من الشباب الذين تحرّكت قلوبهم وفطرتهم السوّية لهذا الدين،
لكنّ أصحاب المصالح ومراكز القوى في البلاد كانوا يمنعونهم من ذلك،
فحين علموا أنهم سيكونون بعيدين عن قومهم، ومن ثَمّ يكونون في مأمن مع شيخهم في أدغال السنغال، تاقت قلوبهم إلى لقياه، فنزلوا من جنوب موريتانيا إلى شمال السنغال،
وجلسوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين ولم يتجاوز عددهم في بادئ الأمر الخمسة نفر...!!
وفي خيمته وبصبر وأناة شديدين أخذ الشيخ عبد الله بن ياسين يعلّمهم الإسلام كما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وكيف أن الإسلام نظام شامل متكامل ينتظم كل أمور الحياة،
وبدأ يعلمهم العقيدة الصحيحة، والجهاد في سبيل الله، وكيف يركبون الخيل ويحملون السيوف، وكيف يعتمدون على أنفسهم في مطعمهم ومشربهم، وكيف ينزلون إلى الغابات فيصطادون الصيد ويأتون به إلى الخيمة يطبخونه ويأكلونه ولا يستجدون طعامهم ممن حولهم من الناس.
ذاق الرجال معه حلاوة الدين، ثم شعروا أن من واجبهم أن يأتوا بمعارفهم وأقربائهم وذويهم،
لينهلوا من هذا المعين، ويتذوقوا حلاوة ما تذوقوه،
فذهبوا إلى جُدالة - وكانوا خمسة رجال - وقد رجع كل منهم برجل فأصبحوا عشرة، ثم زادوا إلى عشرين،
وحين ضاقت عليهم الخيمة أقاموا خيمة ثانية فثالثة فرابعة، وبدأ العدد في ازدياد مستمر.
هذا ولم يملّ الشيخ عبد الله بن ياسين تعليمهم الإسلام من كل جوانبه، وكان يكثر من تعليمهم أنه إذا ما تعارض شيء مع القرآن أو السنة فلا ينظر إليه،
وأنه لا بدّ من المحافظة على هذه الأصول، فالقرآن الكريم والسنة المطهرّة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام.
مع كثرة الخيام وازدياد العدد إلى الخمسين فالمائة فالمائة وخمسين فالمائتين، أصبح من الصعب على الشيخ توصيل علمه إلى الجميع،
فقسمهم إلى مجموعات صغيرة، وجعل على كل منها واحدًا من النابغين، وهو نفس منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية من دار الأرقم بن أبي الأرقم،
وحين كان يجلس صلى الله عليه وسلم مع صحابته في مكة يعلمهم الإسلام، ومرورًا ببيعة العقبة الثانية حين قسم الاثنين والسبعين رجلًا من أهل المدينة المنورة إلى اثني عشر قسمًا، وجعل على كل قسم (خمسة نفر) منهم نقيبًا عليهم، ثم أرسلهم مرة أخرى إلى المدينة المنورة حتى قامت للمسلمين دولتهم.
وهكذا أيضًا كان منهج الشيخ عبد الله بن ياسين، حتى بلغ العدد في سنة 440 هـ بعد أربعة أعوام فقط من بداية دعوته ونزوحه إلى شمال السنغال إلى ألف نفس مسلمة
[نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ] {الصَّف:13}.
فبعد أن طُرد الرجل وأُوذي في الله وضُرب وهُدّد بالقتل، إذا به ينزل بمفرده إلى أعماق الصحراء حتى شمال السنغال وحيدًا طريدًا شريدًا، ثم في زمن لم يتعدى الأربع سنوات يتخرج من تحت يديه ألف رجل على أفضل ما يكون من فهم الإسلام وفقه الواقع.
وفي قبائل صنهاجة المفرّقة والمشتتة توزّع هؤلاء الألف الذين كانوا كما ينبغي أن يكون الرجال،
فأخذوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر،
يعلمون الناس الخير ويعرفونهم أمور دينهم، فبدأت جماعتهم تزداد شيئًا فشيئًا،
وبدأت أعدادهم تزداد
وبدأ أمرهم يقوى وأعدادهم تزداد، وبدأ المرابطون يصلون إلى أماكن أوسع حول المنطقة التي كانوا فيها في شمال السنغال،
فبدءوا يتوسعون حتى وصلت حدودهم من شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا،
وأدخلوا معهم جُدالة، فأصبحت جُدالة ولَمْتُونة جماعة واحدةً تمثّل جماعة المرابطين .
أما الشيخ "عبد الله بن ياسين" ففي إحدى جولاته وبينما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في إحدى القبائل، حاربوه وقاتلوه حتى استشهد رحمه الله سنة 451 هـ
بعد أن أمضى 11 عامًا من تربية الرجال على الجهاد والفقه الصحيح لمعاني الإسلام العظيمة،
استُشهد رحمه الله وقد ترك 12 ألف مجاهدا
قد تربوا على منهج سول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والسلف الصالح.
ويتولى الحكم يوسف بن تاشفين فيكمل المسيرة
و تتوسع دولة المرابطين بعد موت الشيخ الشهيد عبد الله بن ياسين
حتى تصير حدودها فى أوروبا من فرنسا شمالا لتضم أسبانيا والبرتغال داخل حدودها
إلى جيبوتى جنوبا فى وسط افريقيا
تلك الدولة التى هزت عرش الصليبيين وزعزعت استقرار أوروبا
وبدايتها كانت من رجل واحد هو : عبد الله بن ياسين
...
فيجب علينا أن لا نيأٍس
فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة
وأنت إن كنت مخلصا فى دعوتك سخر الله لك من يكمل المشوار من بعدك
كما سخر الله لـعبد الله بن ياسين البطل يوسف بن تاشفين ليسقى البذرة فتنبت
دولة المرابطين هى دولة حفظت الدين ونشرت الدعوة وجاهدت فى سبيل الله
وفتحت الفتوحات وجمعت شتات المسلمين فى الأندلس (أسبانيا والبرتغال حاليا )
وأصل هذه الدولة كما أسلفت هى رجل حمل هم الدين وهم الدعوة
حتى لقى الله شهيدا فى سبيل الله
...
الآن دعنى آخذك من القرن الرابع الهجرى
إلى العصر الحديث والقرن الثامن عشر الميلادى حين كانت الخلافة العثمانية ما زالت قائمة
تلك الخلافة التى أذلت رئوس الشرك وفرضت على فرنسا وأوروبا الجزية وعاش المسلمون فى ظلها قرونا من
العزة والتقدم والنهضة والجهاد فى سبيل الله
إلى أن ظهرت جماعة سرية يهودية تسمى المنظمة الماسونية وكانت فى قمة التنظيم والحيوية
ظهرت الماسونيه فى العالم الاسلامى أول ما ظهرت فى القرن الثامن عشر الميلادى وكانت تتسم بالسرية إلا أنها لفتت نظر الباب العالى (الحاكم العثمانى ) فاخضعها فى عام 1748 م للمراقبة الشديدة وضيق عليها .
• فى القرن التاسع عشر عادت الماسونية لتزيد من تغلغلها فى الدولة العثمانية تحت شعارات براقة وأنشأت أول محفل ماسونى علنى فى أزمير بتركيا عام 1887م
وفى خلال خمسة أعوام فقط صار للماسونية فى تركيا حوالى 170 محفلا ( مائة وسبعين محفلا )
وبلغ عدد المنضمين إليها من الاتراك حوالى عشرة الاف مسلم تركى معظمهم من الوزراء والنواب وقادة الجيش وكبار موظفى الدولة.
• ولقد تنبه السلطان عبد الحميد لخطر الماسونية فأصدر أوامره بغلق المحافل الماسونية وحل مجلس النواب الذى كانت الماسونية قد عششت فيه
ولكن بعدها نقل الماسونيون مركز نشاطهم إلى مدينة ( سالونيك) مركز يهود الدونمة حيث يصعب على السلطان مراقبتهم مراقبة جيدة.
• وفى غمرة اضطراب أوضاع الدولة العثمانية ومؤامرات أعدائها قام اليهودى الماسونى الثرى الكبير ( قره صو )بمقابلة السلطان العثمانى عبد الحميد
وعرض عليه بصفته نائبا عن الجمعية الماسونية هدية مقدارها 50 مليون ليرة ذهبية مع قرض بلا فائدة بمقدار مليون ليرة أخرى مقابل السماح لليهود لبعض الامتيازات فى فلسطين
ولكن السلطان عبد الحميد رفض العرض وأظهر غضبه واستيائه الشديد لذلك .
• استغل الماسونيون حالة التخلف العام التى أصابت الدولة العثمانية فخططوا للقضاء عليها
فأنشأوا حركة منظمة وسرية تنادى بالاصلاح وطرحوا الشعارات التى ظاهرها المطالبة بالاصلاح وباطنها الرغبة فى تخريب الدولة .
وأثيرت دعاية ضخمة وعالمية ضد الطبقة الحاكمة فى الدولة العثمانية وكانت مدعمة من الصهيونية (الماسونية )بقوة يصعب الوقوف أمام تيارها الجارف فى وسط شتات المسلمين وتكالب الأعداء على دولة الخلافة ...
وظهرت عبارات تهاجم السلطان العثمانى
مثل : ( لا حرية فى الدولة العثمانية ) ( الاستبداد يخيم عليها )
( السلطان يفتك بالعناصر المثقفة ويرميهم من نوافز القصر ) .
وقد أدت هذه الدعايات المغرضة إلى ظهور ثوار من المخدوعين يعادون الدولة بدعوى الاصلاح ولم ينتبه الكثيرون منهم للمراد من هذه الأكاذيب والافتراءات ومن يحركها .
• أنشأ الماسونيون جمعية الاتحاد والترقى (تركيا الفتاة) وأمدوها بالمال اللازم والدعاية الواسعة للتعاطف معها وكان اعضاؤها يجتمعون مع زعماء المحافل الماسونية ويتلقون منهم التوجيهات .
• فى عام 1896 م ذهب وفد من زعماء اليهود بزعامة هرتزل اليهودى لمقابلة السلطان عبد الحميد وعرضوا عليه أموالا كثيرة مغرية مقابل الموافقة على بيع أرضى غير مملوكة لأحد فى فلسطين والسماح بهجرة اليهود إليها وإنشاء مستعمرات يهودية فيها
فرفض السلطان عبد الحميد هذه المطالب بشدة . وقد حاول هرتزل محاولة أخرى عام 1902م باءت هى الأخرى بالفشل لصلابة السلطان عبد الحميد فى رفض مطالب اليهود رغم قوة إغرائهم .
• لما يئست اليهودية العالمية من استجابة السلطان عبد الحميد لرغبتها كان لزاما عليها أن تتخلص منه فسعت لإحداث انقلاب عسكرى فى اسطنبول لخلع السلطان
وتم ذلك بحجة عدم استجابة السلطان للاصوات المنادية بالاصلاح حيث قام اعضاء جماعة الاتحاد والترقى بانقلاب سنة1909م وأجبروا السلطان على توقيع وثيقة التنازل عن الحكم .
وقد نشرت حديثا وثيقة بخط السلطان عبد الحميد يقول فيها من منفاه أن الماسونية فى جمعية الاتحاد والترقى خلعوه لانه لم يوافق على التنازل عن أرض فلسطين لأطماع اليهود .
• بعد الانقلاب وخلع السلطان عبد الحميد وجد الماسون من التعاطف معهم ما كانوا محرومون منه فى عهد السلطان فأسس محفل الشرق العثمانى الماسونى
وضم أعضاء جمعية الاتحاد والترقى وكبار اليهود وكان مركزه فى مدينة سالونيك معقل يهود الدونمة
وكان مصطفى كمال والذى لقب بأتاتورك (أبوالترك) أحد اعضائها .
• ولقد زار السيد رشيد رضا اسطنبول بعد خلع عبد الحميد فوجد أن الماسونية قد تفشت فى الجيش ورأى عملها الفظيع فى إفساد العقائد الدينية
ونشر الفسق كشرب الخمر والقمار وفتح دور الدعارة فلما عاد من هذه الجولة إلى مصر أخذ ينشر هذه الحقائق فى مجلته المنار
• ولقد مارست جمعية الاتحاد والترقى اثناء حكمها لتركيا صورا كثيرة من الاستبداد والطغيان والذى بلغ اسوأ درجاته اثناء حكم مصطفى كمال أتاتورك والقادة العسكريين ....
ولقد شهدت البلاد من الماسى مالم تشهده خلال ثلاثة وثلاثين سنة من حكم السلطان عبد الحميد ....
ولقد لفظ مواطنون مخلصون كثيرون انفاسهم الاخيرة على أعواد المشانق التى نصبت لهم فى مختلف انحلاء البلاد فما تحرك من اجلهم أحد ولا ارتفع دفاعا عنهم أى صوت ...
بالاضافة إلى المصيبة الكبرى وهى وقوع إدارة البلاد تحت تأثير النفوذ الماسونى وتأثير يهود الدونمة وأتباعهم .
• كان السلطان عبد الحميد يدرك ابعاد المخطط الماسونى لإضعاف الدولة العثمانية وتمزيقها لذا عمل على تقوية الروابط بين العرب والأتراك ونادى بانشاء الجامعة الاسلامية لتوحيد الصفوف .
ولكن بعد إبعاد السلطان عبد الحميد مضى الماسونيون فى مخططهم بإثارة النعرات القومية الإنفصالية وذلك فى اتجاهين متضادين:
الإتجاه الأول : اثارة النعرة القومية الطورانية فى تركيا فكان حزب تركيا الفتاة والدعوة إلى أن تكون تركيا للاتراك وقد اتخذت من الدب شعارا وهو معبود الاترك قبل دخولهم فى الاسلام ...
الاتجاه الثانى : اثارة العناصر غير التركية كالعرب والأكراد ضد الأتراك بإدعاء اضطهاد الاتراك لهم وتنمية مشاعر السخط فيهم خاصة مع ظهور الدعوة إلى الطورانية مما يمهد الطريق للدعوة إلى الانفصال عن تركيا .
ولتقوية هذا الشعور وإنجاح المخطط:
(1) تم طرد كل الوزراء العرب وكثير من كبار موظفيهم فى أول وزارة شكلت بعد خلع السلطان عبد الحميد وادخل بدلا منم عددا من اليهود .
(2) عقدت الاجتماعات المشبوهة لاثارة العناصر غير التركية والمناداة باتخاذ سياسة
تعادى الولاء للدولة العثمانية وتدعو إلى الثورة عليها .
(3) لما استفحل الشعور العربى بالاضطهاد التركى خطط الغرب لحركة انفصال كبرى عن تركيا فظهر لورانس المسمى ب( لورانس العرب )
ليلعب دوره فى المخطط الماسونى بإتقان وذكاء حيث تعلم العربية ولغة البدو ولبس زيهم وعاش بينهم داعيا إلى الثورة العربية الكبرى
فانساق معه بعض الاشراف وقاد اللورد اللنبى الانجليزى جيش العرب الاتراك ونجح المخطط
• وقبل ذلك دفعت الماسونية تركيا لدخول الحرب العالمية الأولى للقتال إلى جانب ألمانيا لتلاقى الهزيمة وتتدخل دول الغرب للتحكم فيها .
• وجىء بمصطفى كمال أتاتورك ليقود تركيا أمام أوروبا واليونانيين
وأهديت إليه الإنتصارات لتضاف إليه البطولات ويظهر عن الاتراك فى صورة البطل المنقذ والفذ المصلح الذى انقذ تركيا من جيوش الحلفاء المنتصرة فى الحرب العالمية الكبرى ( وقد مدحه على ذلك أحمد شوقى ( سامحه الله ) وشبهه بخالد بن الوليد رضى الله عنه )
وذلك كله تمهيدا للقيام بدوره الأثيم فى إزالة الخلافة الإسلامية وصبغ تركيا بالقومية الطورانية .
• فى مارس 1924م ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الأسلامية وأحل الكتابة بالاتينية مكان الكتابة بالعربية
وأعلن العلمانية القائمة على فصل الدين عن الحكم فى تركيا .
وألغى العمل بالشريعة الإسلامية ووضع دستورا مدنيا لتركيا مستمد من القوانين السويسرية الوضعية.
وهكذا تحولت تركيا من دولة الخلافة الكبرى والتى تحكم البلاد الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها إلى دولة من دول العالم الثالث لا حساب لها ولا وزن تعيش عالة على الغرب وتعانى الأزمات والديون .
وبالرغم من أنضمامها إلى دول حلف الاطلنطى إلا انها مازالت تحت وطأه الأزمات الاقتصادية المتعددة .
• ما إن حققت الثورة العربية ما أراد الغرب لها وانفصل العرب عن تركيا
حتى سارعت الدول الأوربية المنتصرة تقتسم أراضى العرب ( بمقتضى معاهدة سايكس –بيكو)
وتجزئها إلى دويلات صغيرة مفتتة تفصل بينها الحواجز الجغرافية والسياسية فوضعت بعضها تحت الوصاية أو الانتداب باسم هيئة عصبة الامم
ووضع البعض الاخر تحت الاحتلال الاوربى ونالت انجلترا وفرنسا النصيب الأكبر.
وعمد الغرب إلى سياسة فرق تسد وبذر بذور العداء والشقاق بين هذه الدول بشكل يجعل من الصعب أن تلتقى فى يوم من الأيام .
فى الوقت الذى لم تحقق انجلترا للعرب شيئا بل قسمت اراضيهم مع فرنسا
فقد وفت بوعدها لليهود بإنشاء دولة لهم فى فلسطين.
وتحقق حلم اليهود الذى جاهدوا لأجله سنوات بل قرون تحقق حلمهم لما نام المسلمون عن واجبهم وألقوا بالحمل على بعضهم البعض
وفى هذا الوقت كانت مصر تحت الإحتلال الإنجليزى يعنى كانت من نصيب انجلترا
وقد تم الغاء تحكيم الشريعة بالتدريج حتى لا يثور الشعب وتم تسمية المحاكم الوضعية
بالمحاكم الأهلية بعد ثورة 52
حتى يشعر الناس أن هذه المحاكم ليست غريبة عليهم بل هى أهلية
وانتشر الغزو الفكرى فى الأمة وتصاعدت وتيرة العروبة والحزبية والوطنية
ليزيد تفرق الأمة الإسلامية ومعاداة الدول الإسلامية لبعضها فلا تقوم للخلافة قائمة
وكل هذا من تدبير أعداء الإسلام الذين زرعوا فينا الأفكار القاتلة
ودخلوا بأفكارهم فى عقر بيوتنا عن طريق التلفاز ووسائل الإعلام
فأفسدوا لنا الزوجات والأبناء ولا حول ولا قوة إلا بالله
.......
حسن البنا ولماذا أنشأ جماعة ؟
كان حسن البنا فى هذا الوقت شابا جامعيا واعيا يهتم بأحوال المسلمين
وعن هذا يقول حسن البنا : -
( لقد قامت تركيا بانقلابها الكمالي
وأعلن مصطفي كمال باشا إلغاء الخلافة، وفصل الدولة عن
الدين في أمة كانت إلى بضع سنوات في عرف الدنيا جمیعا مقر أمير المؤمنين،
واندفعت الحكومة التركية في هذا السبيل في كل مظاهر الحیاة.
ولقد تحولت الجامعة المصریة من معهد
أهلي إلى جامعة حكومیة تديرها الدولة وتضم عددا من الكليات النظامية،
وكانت للبحث الجامعى والحیاة الجامعية حينذاك في رؤوس الكثيرين صورة غريبة: مضمونها أن الجامعة لن تكون
جامعة علمانية إلا إذا ثارت على الدين وحاربت التقاليد الاجتماعية المستمدة منه،
واندفعت وراء هذا التفكير المادي المنقول عن الغرب بحذافیره،
وعرف أساتذتها وطلابها بالتحلل والانطلاق من كل
القیود.ولقد وضعت نواة” الحزب الديمقراطى” الذي مات قبل أن یولد ولم یكن له منهاج إلا أن یدعو إلى الحریة والديمقراطیة بهذا المعنى المعروف حینذاك: معنى التحلل والانطلاق. )
.
.
.
كان حسن البنا يؤمن أنه لابد من عمل إلزامى لإنقاذ الأمة الإسلامية من أيدى اليهود والجمعيات الماسونية
فكان يعتقد أنه لا يكفى مجرد الإيمان بالفكرة فقط بل لابد من العمل لأجل الفكرة
لأنه متى تراخى إلى الدنيا جذبته
وأنه لا يكفى العمل التطوعى لأن النفس كثيرا ما تغفل
ويظهر ذلك واضحا فى قوله :-
ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين
أن نؤمن بالفكرة إيمانا يخيل للناس حين نتحدث إليهم عنا أنها ستحملنا علي نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب
ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا ،
حتى إذا هدأت ثائرة الكلام وانفض نظام الجمع نسي كل إيمانه وغفل عن فكرته ،
فهو لا يفكر في العمل لها ولا يحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها ،
بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان حتى يعمل علي ضدها وهو يشعر أو لا يشعر ؟
.
...
.........
وحتى حين كان طالبا جامعيا فى مقتبل العمر كان يحمل هم الأمة وكانت عزيمة قوية
فحين خالط أهل القاهرة وجد أن الغزو الفكرى والإنحلال الأخلاقى قد تفشى فى المجتمع المدنى
وكان لابد من طريقة ليعود الناس إلى دين الله ويواجهوا أعدائهم بالإيمان والعمل
وفى هذا يقول حسن البنا رحمه الله :-
( وقد وجدت في نفسي - على أثر ما شاهدت في القاهرة من مظاهر التحلل والبعد عن الأخلاق
الإسلامیة في كثیر من الأماكن التي لا عهد لنا بها في الریف المصري الآمن،
وعلى أثر ما كان ینشر في بعض الجرائد من أمور تتنافى مع التعالیم الإسلامیة
ومن جهل بین العامة بأحكام الدین
-
وجدت أن المساجد وحدها لا تكفي في إیصال التعالیم الإسلامیة إلى الناس.
، ففكرت في أن أدعو إلى تكوین فئة من الطلاب
الأزهریین وطلاب دار العلوم للتدرب على الوعظ والإرشاد في المساجد ثم في القهاوي
والمجتمعات العامة
،
ثم تكون منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والریف والمدن الهامة لنشر
الدعوة الإسلامیة.
وقرنت القول بالعمل فدعوت لفیفاً من الأصدقاء للمشاركة في هذا المشروع
الجلیل،..
كنا نجتمع في مساكن الطلاب ،
ونتذاكر جلال هذه المهمة وما تستلزمه من استعداد علمي وعملي.
وخصصت جزءا من كتبي
لتكون مكتبة دوریة خاصة بهؤلاء الأصدقاء یستعیرون
أجزاءها، ویحضرون موضوع الخطب والمحاضرات منها
وجاء الدور العملي بعد هذا الاستعداد العلمي فعرضت علیهم أن نخرج للوعظ في القهاوي
فاستغربوا ذلك وعجبوا منه
وقالوا: إن أصحاب القهاوي لا یسمحون بذلك ویعارضون فیه لأنه
یعطل أشغالهم، وٕان جمهور الجالسین على هذه المقاهي قوم منصرفون إلى ما هم فیه ولیس
أثقل علیهم من الوعظ فكیف نتحدث في الدین والأخلاق
لقوم لا یفكرون إلا في هذا اللهو الذي انصرفوا إلیه؟؟
وكنت أخالفهم في هذه النظرة وأعتقد أن هذا الجمهور أكثر استعدادا لسماع
العظات من أي جمهور آخر حتى جمهور المسجد نفسه. لأن هذا شيء طریف وجدید علیه
والعبرة بحسن اختیار الموضوع فلا نتعرض لما یجرح شعورهم، وبطریقة العرض فتعرض بأسلوب
شائق جذاب، وبالوقت فلا نطیل علیهم القول.
ولما طال بنا الجدل حول هذا الموضوع
قلت لهم: ولم لا تكون التجربة هي الحد الفاصل في
الأمر؟
فقبلوا ذلك وخرجنا فبدأنا بالقهاوي الواقعة بمیدان صلاح الدین، وأول السیدة عائشة ومنها
إلى القهاوي المنتشرة في أحیاء طولون إلى أن وصلنا
من طریق الجبل إلى شارع سلامة، والسیدة زینب،
وأظنني ألقیت في هذه اللیلة أكثر من عشرین خطبة تستغرق الواحدة منها ما بین خمس
دقائق إلى عشرة.
ولقد كان شعور السامعین عجیبا،
وكانوا ینصتون في إصغاء ویستمعون في شوق،
وكان أصحاب المقاهي ینظرون بغرابة أول القول، ثم یطلبون المزید منه بعد ذلك،
وكان هؤلاء یقسمون بعد الخطبة أننا لا بد أن نشرب شیئاً أو نطلب طلبات، فكنا نعتذر لهم بضیق الوقت، وبأننا نذرنا
هذا الوقت لله فلا نرید أن نضیعه في شيء.
وكان هذا المعنى یؤثر في أنفسهم كثيرا،
ولا عجب فإن الله لم یرسل نبیاً ولا رسولا إلا كان شعاره الأول ( قل لا أسألكم،علیه أجر)
لما لهذه الناحیةالعفیفة من أثر جمیل في نفوس المدعوین.
لقد نجحت التجربة مائة في المائة، وعدنا إلى مقرنا في شیخون، ونحن سعداء بهذا النجاح،
وعزمنا على استمرار الكفاح في هذه الناحیة )
انتهى كلامه رحمه الله
..
انظروا كيف أن هؤلاء الشباب يحملون هم الأمة ويخرجون للدعوة على قدر ما آتاهم الله من علم وحكمة
وسخروا أوقاتهم لله :( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى )
....
كانت هذه بداية الشاب الداعية حسن البنا
أما بداية تكوين الجماعة
فكما تحدثت سالفا عن المنظمة الماسونية السرية التى تضع الخطط المحكمة للقضاء على الدين الإسلامى
لم يكن ذلك بعيدا عن سمع ونظر الشاب الجامعى حسن البنا
فقد ذهب لأحد أساتذته ليستفيد من خبرته وليرى الطريق الأمثل
يقول حسن البنا : وخلص من ذلك إلى ضعف المعسكر الإسلامي أمام هؤلاء
المتآمرین علیه،
وكیف أن الأزهر حاول كثیيرا أن یصد هذا التیار فلم یستطع
وكان رد حسن البنا على أستاذه ومن حوله من علماء بالأزهر انفعاليا
يدل على مدى انبعاث همته وصدق رسالته
يقول :-
( وأخذتني فورة الحماسة وتمثل أمامي شبح الإخفاق المرعب
إذا كان هذا الجواب سیكون جواب كل هؤلاء القادة.
فقلت له في قوة: “ إنني أخالفك یا سیدي كل المخالفة في هذا الذي تقول.
وأعتقد أن الأمر لا یعدو أن یكون ضعفا فقط، وقعوداً عن العمل،
وهروبا من التبعات:
من أي شيء تخافون؟ من الحكومة أو الأزهر؟..
یكفیكم معاشكم واقعدوا في بیوتكم واعملوا للإسلام، فالشعب معكم في الحقیقة لو واجهتموه، لأنه شعب مسلم، وقد عرفته في القها وي ، وفي المساجد، وفي الشوارع، فرأيته یفیض إیمانا
،
ولكنه قوة مهملة من هؤلاء الملحدین والإباحیین، وجرائدهم ومجلاتهم لا قیام لها إلا في غفلتكم،
ولو تنبهتم لدخلوا جحورهم. یا أستاذ
.
إن لم تریدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنیا وللرغیف الذي تأكلون،
فإنه إذا ضاع الإسلام في هذه الأمة ضاع الأزهر،
وضاع العلماء، فلا تجدون ما تأكلون، ولا ما تنفقون، فدافعوا عن كیانكم إن
لم تدافعوا عن كیان الإسلام، واعملوا للدنیا إن لم تریدوا أن تعملوا للآخرة،
وٕالا فقد ضاعت دنیاكم وآخرتكم على السواء
”!.
وكنت أتكلم في حماسة وتأثر وشدة، من قلب محترق مكلوم، فانبرى بعض العلماء الجالسین یرد
علي في قسوة كذلك، ویتهمني بأنني أسأت إلى الشیخ وخاطبته بما لا یلیق،
وأسأت إلى العلماء
والأزهر، وأسأت بذلك إلى الإسلام القوي العزیز،
والإسلام لا یضعف أبدا والله تكفل بنصره.
وقبل أن أرد علیه
انبرى أحمد بك كامل وقال: “ لا یا أستاذ، من فضلك هذا الشاب لا یرید
منكم إلا الاجتماع لنصرة الإسلام وٕان كنتم تریدون مكاناً تجتمعون فیه فهذه داري تحت تصرفكم
افعلوا بها ما تریدون،
وٕان كنتم تریدون مالاً فلن نعدم المحسنین من المسلمین، ولكن أنتم القادة
فسیروا ونحن و ا رءكم. أما هذه الحجج فلم تعد تنفع بشيء”
. هنا سألت جاري عن هذا الرجل المؤمن: من هو؟ فذكر لي اسمه – وما زال عالقاً بذهني ولم أره بعد –
وانقسم المجلس إلى
فریقین فریق یؤید رأى الأستاذ العالم، وفریق یؤید رأى أحمد بك كامل،
والشیخ – رحمه الله–
ساكت.
ثم بدا له أن ینهي هذا الأمر فقال: على كل حال نسأل الله أن یوفقنا للعمل بما یرضیه،
ولا شك أن المقاصد كلها متجهة إلى العمل، والأمور بید الله. وأظننا الآن على موعد مع الشیخ
محمد سعد فهیا لنزوره.
وانتقلنا جمیعاً إلى منزل الشیخ محمد سعد - وهو قریب من منزل الدجوي رحمه الله - وتحریت
أن یكون مجلسي بجوار الشیخ الدجوي مباشرة لأستطیع الحدیث فیما أرید.
ودعا الشیخ محمد
سعد بحلویات. رمضان فقدمت وتقدم الشیخ لیأكل فدنوت منه،
فلما شعر بي بجواره
سأل: من هذا؟ فقلت: فلان
.فقال: أنت جئت معنا أیضا ؟
فقلت: نعم یا سیدي، وسوف لا أفارقكم إلا إذا انتهینا إلى أمر.
فأخذ بیده مجموعة من النقل وناولنیها
وقال: خذ وٕان شاء الله نفكر،
فقلت : سبحان الله
یا سیدي إن الأمر لا یحتمل تفكيرا ولكن یتطلب عملا،
ولو كانت رغبتي في هذا النقل وأمثاله لاستطعت أن أشتري بقرش وأظل في منزلي ولا أتكلف مشقة زیارتكم. یا سیدي إن الإسلام یحارب هذه الحرب العنیفة القاسیة،
ورجاله وحماته وأئمة المسلمین یقضون الأوقات غارقین في هذا النعیم.
أتظون أن الله لا یحاسبكم على هذا الذي تصنعون؟ إن كنتم تعلمون للإسلام أئمة غیركم وحماة
غیركم فدلوني علیهم لأذهب إلیهم، لعلي أجد عندهم ما لیس عندكم !!
....
وسادت لحظة صمت عجیبة، وفاضت عینا الشیخ رحمه الله بدمع غزیر بلل لحیته، وبكى بعض من حضر. وقطع
الشیخ رحمه الله هذا الصمت بأن قال في حزن عمیق وفي تأثر بالغ: وماذا أصنع یا فلان؟...)
....
...
تأسيس جماعة الإخوان
...
كل هذا وحسن البنا لم يخطر بباله فكرة تكوين جماعة تهدف لإعادة الخلافة ومواجهة الماسونية
إلى أن ذهب للإسماعيلية وأخذ يدعو الناس ويلقى الخطب والدروس
حتى خطب يوما على الخلافة وذلك بعد سقوطها بثلاث سنوات فقط
فجاءه بعض الذين سمعوا خطبيته وتأثروا بها
وفى هذا يقول حسن البنا :-
( زارنى بالمنزل أولئك الإخوة الستة: حافظ عبدالحمید، أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم،
عبد الرحمن حسب الله، إسماعیل عز، زكي المغربي،
وهم من الذین تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كنت ألقیها،
وجلسوا یتحدثون إلي وفي صوتهم قوة، وفي عیونهم بریق، وعلى وجوههم سنا الإیمان والعزم،
قالوا: “ لقد سمعنا ووعینا، وتأثرنا ولا ندري ما الطریق العملیة إلى عزة الإسلام وخیر المسلمین،
ولقد سئمنا هذه الحیاة: حیاة الذلة والقیود،
وها أنت ترى أن العرب والمسلمین في هذا البلد لا حظ لهم من
منزلة أو كرامة وأنهم لا یعدون مرتبة الأجراء التابعین لهؤلاء الأجانب.
ونحن لا نملك إلا هذه
الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإیمان والكرامة مع أنفسنا،
وهذه الد ا رهم القلیلة، من قوت أبنائنا،
ولا نستطیع أن ندرك الطریق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبیل إلى خدمة الوطن والدین والأمة كما تعرف، وكل الذي نریده الآن أن نقدم لك ما
نملك لنبرأ من التبعة بین یدي الله، وتكون أنت المسئول بین یدیه عنا وعما یجب أن نعمل،
وٕأنجماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحیا لدینه، وتموت في سبیله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه،
لجدیرة أن تنتصر، وٕان قل عددها وضعفت عددها
”.
كان لهذا القول المخلص أثره البالغ في نفسي، ولم أستطع أن أتنصل من حمل ما حملت، وهو ما
أدعو إلیه وما أعمل له، وما أحاول جمع الناس علیه، فقلت لهم في تأثر عمیق: “
شكر الله لكم
وبارك هذه النیة الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح، یرضي الله وینفع الناس، وعلینا العمل وعلى
الله النجاح. فلنبایع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندا، وفیها حیاة الوطن وعزة الامة !.
وكانت بیعة...
وكان قسما أن نحیا إخوانا نعمل للإسلام ونجاهد في سبیله ...
وقال قائلهم: بم نسمي أنفسنا؟ وهل نك ون جمعیة أو نادیا، أو طریقة أو نقابة حتى نأخذ الشكل
ال رسمي؟ فقلت: لا هذا، ولا ذاك،دعونا من الشكلیات،
ومن الرسمیات، ولیكن أول اجتماعنا
وأساسه: الفكرة والمعنويات . نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن” الإخوان
المسلمون.”.
وجاءت بغتة... وذهبت مثلا ... وولدت أول تشكیلة للإخوان المسلمین من هؤلاء
الستة: حول هذه الفكرة، على هذه الصورة وبهذه التسمیة...))
هكذا بدأت جماعة الإخوان ثم بفضل إخلاص هذا الرجل المؤمن الذى لا نزكيه على الله
انتشرت دعوته فى العالم وسطر التاريخ ذكره بحروف من نور
لأنه جمع بين الإيمان والعمل
وضحى فى سبيل فكرته
هل تغير الإخوان الآن عن الجيل الأول ؟
نعم تغيروا ..
فقد بدأت جماعة الإخوان دعوية بالمقام الأول
ثم تعددت المجالات حتى طغى قسم السياسة الآن على قسم الدعوة
وظهر القسم السياسى على الساحة وكأنه القسم الفعال الوحيد فى جماعة الإخوان
ولكن ما حدث من اضطرابات فى عصر الإضطهاد ومن تضييق واعتقالات هو ما يجعلنا
نلتمس العذر لأى خطأ أو خلل لمسناه فى الجماعة هذه الأيام
وندعوا الله لهم أن ينصرهم وأن يعودوا للإهتمام بالنشىء أكثر وأكثر
فهذا هو الأصل كما بدأت دعوة عبد الله بن ياسين فأسس دولة المرابطين
......
ولأن الإمام البنا لم يشأ أن تموت الفكرة بموته
أسس جماعة تحمل فكرته لتكمل المسيرة حتى عودة الخلافة
وأنه لم يكن طالبا لمنصب أو جاه
فقد كان يدعوا الناس على المقاهى وفى الطرقات
والذى ألم بخطر المنظمات الماسونية ومدى قوتها
يعرف جيدا أنه لابد لهذا التنظيم أن يقابله تنظيم أقوى منه
لتتزن الكفتان والغلبة للإسلام
وأخيرا
الإخوان المسلمون رجال وهبوا حياتهم لنصرة الدين
وبايعوا الله ورسوله على حمل الراية
وهم ليسوا بمعصومين من الخطأ
ولم يسلموا من فساد المجتمع وانتشار الغزو الفكرى
لأن الكثير منهم يلتحق بالجماعة فى شبابه
وقد عاش شبابه مثلى ومثلك يصدق الإعلام ويحيا بلا هدف
فمثل هذا يحتاج إلى تقويم وتربية ولا يكون ذلك الا بالعلم
....
....
وأخيرا رسالة إلى كل من يقسو على الإخوان ويحملهم فوق طاقتهم
لا تقسو على أخيك الذى يشاطرك الهم ويحمل عنك فى حال غيابك
فقد علمنا نبينا أن نلين فى أيدى إخواننا
وقال ربنا : أشداء على الكفار رحماء بينهم
..
فبالله عليك أخ الإسلام
إذا كان العلمانيين مطرقة
لا تكن لهم سندان
...
....
...
المراجع :
1- مقالات لدكتور راغب السرجانى
2- كتاب مذاهب فكرية فى الميزان لدكتور علاء بكر
3- كتاب مذكرات الدعوة والداعية للإمام حسن البنا
.............
صاحب المقال : محمد ياسين
صفحته على الفيس بوك للإستفسار والتواصل
https://www.facebook.com/dr.muhammad.yaseen
__________________
أرجو ممن يقرأه أن يبدى ملاحظاته
ويخبرنى برأيه فى المقال فرأيكم يهمنى
المقال بعنوان
الإخوان بين مطرقة العلمانيين وسندان العوام
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :-
.
.
هذه كلمات أكتبها لله ثم للتاريخ
.
وأسئل الله الإخلاص والصواب فى القول والعمل
....
...
قبل أن أصارحك بما فى جعبتى وما أرمى إليه بسهمى
دعنى أجتذبك من يدك لترجع معى أعواما للقرن الرابع الهجرى 400 هـ
حين كانت توجد قبيلة تسمى جدالة فى افريقيا وبالتحديد فى صحراء موريتانيا
كانت قبيلة جدالة قد دخلت فى الإسلام منذ قرون
لكن
فى هذه الحقبة من القرن الرابع الهجرى تدهورت أحوالهم وتفشى فيهم الإنحلال الأخلاقى الا من رحم ربى
وابتعدوا عان تحكيم كتاب الله وإقامة شعائر الإسلام
حتى حكمهم رجل يسمى : يحى بن ابراهيم
نظر يحيى بن إبراهيم في قبيلته فوجد أمورًا عجيبة وجد الناس وقد أدمنوا الخمور، واعتادوا الزنى،
حتى إن الرجل ليزني بحليلة جاره ولا يعترض جاره،
تمامًا كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: [وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ] {العنكبوت:29}.
ولماذا يعترض الجار وهو يفعل نفس الشيء مع جاره ؟!
فقد فشى الزنى بشكل مريع في جنوب موريتانيا في ذلك الزمن،
وكثر الزواج من أكثر من أربعة، والناس ما زالوا مسلمين ولا ينكر عليهم أحد ما يفعلونه،
فالسلب والنهب هو العرف السائد، القبائل مشتتة ومفرقة، القبيلة القوية تأكل الضعيفة،
____
ماذا يفعل يحى بن ابراهيم فى قبيلة جدالة وهم على وضعهم هذا ؟
كان يحيى بن إبراهيم الجُدالي صاحب الفطرة النقيّة يعلم أن كلّ ما يفعله قومه من المنكرات،
لكنه لم يكن بمقدوره التغيير؛ فالشعب كله في ضلال وعمى،
وبعيد كل البعد عن الدين، كما أن الرجل نفسه لا يملك من العلم ما يستطيع به أن يغيّر الناس.
وبعد حيْرة وتفكّر هداه ربُّه لأن يذهب إلى الحج
ثم وهو في طريق عودته يمربمدينة القيروان ( تونس الآن)،
فيكلّم علماءَها لعلّ واحدًا منهم أن يأتي معه فيُعلّم قبيلته الإسلام.
حتى قابل أبا عمران موسى بن عيسى الفاسي (368 - 430 هـ )
فحكى له قصته وسأله عن الدواء، فما كان من أبي عمران الفاسي
إلا أن أرسل معه شابا عالما يعلّم النّاس أمور دينهم.
كان هذا الشاب يسمى عبد الله بن ياسين
عبد الله بن ياسين ومهمة الأنبياء
اتّجه الشيخ عبد الله بن ياسين صَوْب الصحراء الكبرى، مخترقًا جنوب الجزائر وشمال موريتانيا
حتى وصل إلى الجنوب ، حيث قبيلة جُدَالة، وحيث الأرض المجدِبة والحرّ الشديد، وفي أناةٍ شديدة،
وبعد ما هالَه أمر الناس في ارتكاب المنكرات أمام بعضهم البعض ولا ينكر عليهم منكر
بدأ يعلم الناس ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر .
كان الناس في جهل مطبق وبعدٍ تام عن الإسلام
ولكن - وللأسف - ثار عليه أصحاب المصالح بل وثار عليه الشعب أيضًا،
فالكل يريد أن يعيش في شهواته وملذاته ودون قيد أو شرط
وأصحاب المصالح هم أكبر مستفيد مما يحدث، فبدأ الناس يجادلونه ويصدّونه عما يفعل،
ولم يستطع يحيى بن إبراهيم الجُدالي زعيم القبيلة أن يحميه،
وذلك لأن الشعب كان لا يعرف الفضيلة، وفي ذات الوقت كان رافضًا للتغيير، ولو أصر يحيى بن إبراهيم الجُدالي على موقفه هذا لخلعه الشعب ولخلعته القبيلة.
لم يقنط الشيخ عبد الله بن ياسين، وحاول المرة تلو المرة، فبدأ الناس يهددونه بالضرب،
وحين استمرّ على موقفه من تعليمهم الخير وهدايتهم إلى طريق رب العالمين،
قاموا بضربه ثم هددوه بالطرد من البلاد أو القتل.
لم يزدد موقف الشيخ إلا صلابة، ومرّت الأيام وهو يدعو ويدعو حتى قاموا بالفعل بطرده من البلاد،
ولسان حالهم: دعك عنا، اتركنا وشأننا، ارجع إلى قومك فعلمهم بدلًا منا، دع هذه البلاد تعيش كما تعيش فليس
هذا من شأنك،
وكأني أراه رأي العين وهو يقف خارج حدود القبيلة وبعد أن طرده الناس، تنحدر دموعه على خدّه،
ويقول مشفقًا على قومه: [يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ] {يس:26}.
يريد أن يغيّر ولا يستطيع،
حزّ في نفسه أن يولد الناس في هذه البلاد فلا يجدون من يعلمهم ويرشدهم
،
فأراد أن يبقى ولكن كيف يبقى؟ أيدخل جُدالة من جديد؟
لكنهم سيقتلونه،
.
ولو كان في ذلك صلاحًا لهم فأهلا بالموت، لكن هيهات ثم هيهات...
.
جلس رحمه الله يفكر ويفكر ثم هداه ربه سبحانه وتعالى، فما كان منه إلا أن تعمّق في الصحراء ناحية الجنوب بعيدًا عن الحواضر والمدنية،
.
حتى وصل إلى شمال السنغال
(التي لا نعرف عنها سوى فريقها القومي، رغم كونها بلدًا إسلاميًا كبيرًا، حيث أكثر من 90 % من سكانه من المسلمين).
.
وهناك وفي شمال السنغال اعتزلهم عبد الله بن ياسين، متنسكًا في جزيرة
صنع خيمة بسيطة له وجلس فيها وحده،
ثم بعث برسالة إلى أهل جُدالة في جنوب موريتانيا، تلك التي أخرجه أهلُها منها يخبرهم فيها بمكانه،
فمن يريد أن يتعلم العلم فليأتني في هذا المكان.
كان من الطبيعي أن يكون في جُدالة بعض الناس خاصّة من الشباب الذين تحرّكت قلوبهم وفطرتهم السوّية لهذا الدين،
لكنّ أصحاب المصالح ومراكز القوى في البلاد كانوا يمنعونهم من ذلك،
فحين علموا أنهم سيكونون بعيدين عن قومهم، ومن ثَمّ يكونون في مأمن مع شيخهم في أدغال السنغال، تاقت قلوبهم إلى لقياه، فنزلوا من جنوب موريتانيا إلى شمال السنغال،
وجلسوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين ولم يتجاوز عددهم في بادئ الأمر الخمسة نفر...!!
وفي خيمته وبصبر وأناة شديدين أخذ الشيخ عبد الله بن ياسين يعلّمهم الإسلام كما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وكيف أن الإسلام نظام شامل متكامل ينتظم كل أمور الحياة،
وبدأ يعلمهم العقيدة الصحيحة، والجهاد في سبيل الله، وكيف يركبون الخيل ويحملون السيوف، وكيف يعتمدون على أنفسهم في مطعمهم ومشربهم، وكيف ينزلون إلى الغابات فيصطادون الصيد ويأتون به إلى الخيمة يطبخونه ويأكلونه ولا يستجدون طعامهم ممن حولهم من الناس.
ذاق الرجال معه حلاوة الدين، ثم شعروا أن من واجبهم أن يأتوا بمعارفهم وأقربائهم وذويهم،
لينهلوا من هذا المعين، ويتذوقوا حلاوة ما تذوقوه،
فذهبوا إلى جُدالة - وكانوا خمسة رجال - وقد رجع كل منهم برجل فأصبحوا عشرة، ثم زادوا إلى عشرين،
وحين ضاقت عليهم الخيمة أقاموا خيمة ثانية فثالثة فرابعة، وبدأ العدد في ازدياد مستمر.
هذا ولم يملّ الشيخ عبد الله بن ياسين تعليمهم الإسلام من كل جوانبه، وكان يكثر من تعليمهم أنه إذا ما تعارض شيء مع القرآن أو السنة فلا ينظر إليه،
وأنه لا بدّ من المحافظة على هذه الأصول، فالقرآن الكريم والسنة المطهرّة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام.
مع كثرة الخيام وازدياد العدد إلى الخمسين فالمائة فالمائة وخمسين فالمائتين، أصبح من الصعب على الشيخ توصيل علمه إلى الجميع،
فقسمهم إلى مجموعات صغيرة، وجعل على كل منها واحدًا من النابغين، وهو نفس منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية من دار الأرقم بن أبي الأرقم،
وحين كان يجلس صلى الله عليه وسلم مع صحابته في مكة يعلمهم الإسلام، ومرورًا ببيعة العقبة الثانية حين قسم الاثنين والسبعين رجلًا من أهل المدينة المنورة إلى اثني عشر قسمًا، وجعل على كل قسم (خمسة نفر) منهم نقيبًا عليهم، ثم أرسلهم مرة أخرى إلى المدينة المنورة حتى قامت للمسلمين دولتهم.
وهكذا أيضًا كان منهج الشيخ عبد الله بن ياسين، حتى بلغ العدد في سنة 440 هـ بعد أربعة أعوام فقط من بداية دعوته ونزوحه إلى شمال السنغال إلى ألف نفس مسلمة
[نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ] {الصَّف:13}.
فبعد أن طُرد الرجل وأُوذي في الله وضُرب وهُدّد بالقتل، إذا به ينزل بمفرده إلى أعماق الصحراء حتى شمال السنغال وحيدًا طريدًا شريدًا، ثم في زمن لم يتعدى الأربع سنوات يتخرج من تحت يديه ألف رجل على أفضل ما يكون من فهم الإسلام وفقه الواقع.
وفي قبائل صنهاجة المفرّقة والمشتتة توزّع هؤلاء الألف الذين كانوا كما ينبغي أن يكون الرجال،
فأخذوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر،
يعلمون الناس الخير ويعرفونهم أمور دينهم، فبدأت جماعتهم تزداد شيئًا فشيئًا،
وبدأت أعدادهم تزداد
وبدأ أمرهم يقوى وأعدادهم تزداد، وبدأ المرابطون يصلون إلى أماكن أوسع حول المنطقة التي كانوا فيها في شمال السنغال،
فبدءوا يتوسعون حتى وصلت حدودهم من شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا،
وأدخلوا معهم جُدالة، فأصبحت جُدالة ولَمْتُونة جماعة واحدةً تمثّل جماعة المرابطين .
أما الشيخ "عبد الله بن ياسين" ففي إحدى جولاته وبينما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في إحدى القبائل، حاربوه وقاتلوه حتى استشهد رحمه الله سنة 451 هـ
بعد أن أمضى 11 عامًا من تربية الرجال على الجهاد والفقه الصحيح لمعاني الإسلام العظيمة،
استُشهد رحمه الله وقد ترك 12 ألف مجاهدا
قد تربوا على منهج سول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والسلف الصالح.
ويتولى الحكم يوسف بن تاشفين فيكمل المسيرة
و تتوسع دولة المرابطين بعد موت الشيخ الشهيد عبد الله بن ياسين
حتى تصير حدودها فى أوروبا من فرنسا شمالا لتضم أسبانيا والبرتغال داخل حدودها
إلى جيبوتى جنوبا فى وسط افريقيا
تلك الدولة التى هزت عرش الصليبيين وزعزعت استقرار أوروبا
وبدايتها كانت من رجل واحد هو : عبد الله بن ياسين
...
فيجب علينا أن لا نيأٍس
فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة
وأنت إن كنت مخلصا فى دعوتك سخر الله لك من يكمل المشوار من بعدك
كما سخر الله لـعبد الله بن ياسين البطل يوسف بن تاشفين ليسقى البذرة فتنبت
دولة المرابطين هى دولة حفظت الدين ونشرت الدعوة وجاهدت فى سبيل الله
وفتحت الفتوحات وجمعت شتات المسلمين فى الأندلس (أسبانيا والبرتغال حاليا )
وأصل هذه الدولة كما أسلفت هى رجل حمل هم الدين وهم الدعوة
حتى لقى الله شهيدا فى سبيل الله
...
الآن دعنى آخذك من القرن الرابع الهجرى
إلى العصر الحديث والقرن الثامن عشر الميلادى حين كانت الخلافة العثمانية ما زالت قائمة
تلك الخلافة التى أذلت رئوس الشرك وفرضت على فرنسا وأوروبا الجزية وعاش المسلمون فى ظلها قرونا من
العزة والتقدم والنهضة والجهاد فى سبيل الله
إلى أن ظهرت جماعة سرية يهودية تسمى المنظمة الماسونية وكانت فى قمة التنظيم والحيوية
ظهرت الماسونيه فى العالم الاسلامى أول ما ظهرت فى القرن الثامن عشر الميلادى وكانت تتسم بالسرية إلا أنها لفتت نظر الباب العالى (الحاكم العثمانى ) فاخضعها فى عام 1748 م للمراقبة الشديدة وضيق عليها .
• فى القرن التاسع عشر عادت الماسونية لتزيد من تغلغلها فى الدولة العثمانية تحت شعارات براقة وأنشأت أول محفل ماسونى علنى فى أزمير بتركيا عام 1887م
وفى خلال خمسة أعوام فقط صار للماسونية فى تركيا حوالى 170 محفلا ( مائة وسبعين محفلا )
وبلغ عدد المنضمين إليها من الاتراك حوالى عشرة الاف مسلم تركى معظمهم من الوزراء والنواب وقادة الجيش وكبار موظفى الدولة.
• ولقد تنبه السلطان عبد الحميد لخطر الماسونية فأصدر أوامره بغلق المحافل الماسونية وحل مجلس النواب الذى كانت الماسونية قد عششت فيه
ولكن بعدها نقل الماسونيون مركز نشاطهم إلى مدينة ( سالونيك) مركز يهود الدونمة حيث يصعب على السلطان مراقبتهم مراقبة جيدة.
• وفى غمرة اضطراب أوضاع الدولة العثمانية ومؤامرات أعدائها قام اليهودى الماسونى الثرى الكبير ( قره صو )بمقابلة السلطان العثمانى عبد الحميد
وعرض عليه بصفته نائبا عن الجمعية الماسونية هدية مقدارها 50 مليون ليرة ذهبية مع قرض بلا فائدة بمقدار مليون ليرة أخرى مقابل السماح لليهود لبعض الامتيازات فى فلسطين
ولكن السلطان عبد الحميد رفض العرض وأظهر غضبه واستيائه الشديد لذلك .
• استغل الماسونيون حالة التخلف العام التى أصابت الدولة العثمانية فخططوا للقضاء عليها
فأنشأوا حركة منظمة وسرية تنادى بالاصلاح وطرحوا الشعارات التى ظاهرها المطالبة بالاصلاح وباطنها الرغبة فى تخريب الدولة .
وأثيرت دعاية ضخمة وعالمية ضد الطبقة الحاكمة فى الدولة العثمانية وكانت مدعمة من الصهيونية (الماسونية )بقوة يصعب الوقوف أمام تيارها الجارف فى وسط شتات المسلمين وتكالب الأعداء على دولة الخلافة ...
وظهرت عبارات تهاجم السلطان العثمانى
مثل : ( لا حرية فى الدولة العثمانية ) ( الاستبداد يخيم عليها )
( السلطان يفتك بالعناصر المثقفة ويرميهم من نوافز القصر ) .
وقد أدت هذه الدعايات المغرضة إلى ظهور ثوار من المخدوعين يعادون الدولة بدعوى الاصلاح ولم ينتبه الكثيرون منهم للمراد من هذه الأكاذيب والافتراءات ومن يحركها .
• أنشأ الماسونيون جمعية الاتحاد والترقى (تركيا الفتاة) وأمدوها بالمال اللازم والدعاية الواسعة للتعاطف معها وكان اعضاؤها يجتمعون مع زعماء المحافل الماسونية ويتلقون منهم التوجيهات .
• فى عام 1896 م ذهب وفد من زعماء اليهود بزعامة هرتزل اليهودى لمقابلة السلطان عبد الحميد وعرضوا عليه أموالا كثيرة مغرية مقابل الموافقة على بيع أرضى غير مملوكة لأحد فى فلسطين والسماح بهجرة اليهود إليها وإنشاء مستعمرات يهودية فيها
فرفض السلطان عبد الحميد هذه المطالب بشدة . وقد حاول هرتزل محاولة أخرى عام 1902م باءت هى الأخرى بالفشل لصلابة السلطان عبد الحميد فى رفض مطالب اليهود رغم قوة إغرائهم .
• لما يئست اليهودية العالمية من استجابة السلطان عبد الحميد لرغبتها كان لزاما عليها أن تتخلص منه فسعت لإحداث انقلاب عسكرى فى اسطنبول لخلع السلطان
وتم ذلك بحجة عدم استجابة السلطان للاصوات المنادية بالاصلاح حيث قام اعضاء جماعة الاتحاد والترقى بانقلاب سنة1909م وأجبروا السلطان على توقيع وثيقة التنازل عن الحكم .
وقد نشرت حديثا وثيقة بخط السلطان عبد الحميد يقول فيها من منفاه أن الماسونية فى جمعية الاتحاد والترقى خلعوه لانه لم يوافق على التنازل عن أرض فلسطين لأطماع اليهود .
• بعد الانقلاب وخلع السلطان عبد الحميد وجد الماسون من التعاطف معهم ما كانوا محرومون منه فى عهد السلطان فأسس محفل الشرق العثمانى الماسونى
وضم أعضاء جمعية الاتحاد والترقى وكبار اليهود وكان مركزه فى مدينة سالونيك معقل يهود الدونمة
وكان مصطفى كمال والذى لقب بأتاتورك (أبوالترك) أحد اعضائها .
• ولقد زار السيد رشيد رضا اسطنبول بعد خلع عبد الحميد فوجد أن الماسونية قد تفشت فى الجيش ورأى عملها الفظيع فى إفساد العقائد الدينية
ونشر الفسق كشرب الخمر والقمار وفتح دور الدعارة فلما عاد من هذه الجولة إلى مصر أخذ ينشر هذه الحقائق فى مجلته المنار
• ولقد مارست جمعية الاتحاد والترقى اثناء حكمها لتركيا صورا كثيرة من الاستبداد والطغيان والذى بلغ اسوأ درجاته اثناء حكم مصطفى كمال أتاتورك والقادة العسكريين ....
ولقد شهدت البلاد من الماسى مالم تشهده خلال ثلاثة وثلاثين سنة من حكم السلطان عبد الحميد ....
ولقد لفظ مواطنون مخلصون كثيرون انفاسهم الاخيرة على أعواد المشانق التى نصبت لهم فى مختلف انحلاء البلاد فما تحرك من اجلهم أحد ولا ارتفع دفاعا عنهم أى صوت ...
بالاضافة إلى المصيبة الكبرى وهى وقوع إدارة البلاد تحت تأثير النفوذ الماسونى وتأثير يهود الدونمة وأتباعهم .
• كان السلطان عبد الحميد يدرك ابعاد المخطط الماسونى لإضعاف الدولة العثمانية وتمزيقها لذا عمل على تقوية الروابط بين العرب والأتراك ونادى بانشاء الجامعة الاسلامية لتوحيد الصفوف .
ولكن بعد إبعاد السلطان عبد الحميد مضى الماسونيون فى مخططهم بإثارة النعرات القومية الإنفصالية وذلك فى اتجاهين متضادين:
الإتجاه الأول : اثارة النعرة القومية الطورانية فى تركيا فكان حزب تركيا الفتاة والدعوة إلى أن تكون تركيا للاتراك وقد اتخذت من الدب شعارا وهو معبود الاترك قبل دخولهم فى الاسلام ...
الاتجاه الثانى : اثارة العناصر غير التركية كالعرب والأكراد ضد الأتراك بإدعاء اضطهاد الاتراك لهم وتنمية مشاعر السخط فيهم خاصة مع ظهور الدعوة إلى الطورانية مما يمهد الطريق للدعوة إلى الانفصال عن تركيا .
ولتقوية هذا الشعور وإنجاح المخطط:
(1) تم طرد كل الوزراء العرب وكثير من كبار موظفيهم فى أول وزارة شكلت بعد خلع السلطان عبد الحميد وادخل بدلا منم عددا من اليهود .
(2) عقدت الاجتماعات المشبوهة لاثارة العناصر غير التركية والمناداة باتخاذ سياسة
تعادى الولاء للدولة العثمانية وتدعو إلى الثورة عليها .
(3) لما استفحل الشعور العربى بالاضطهاد التركى خطط الغرب لحركة انفصال كبرى عن تركيا فظهر لورانس المسمى ب( لورانس العرب )
ليلعب دوره فى المخطط الماسونى بإتقان وذكاء حيث تعلم العربية ولغة البدو ولبس زيهم وعاش بينهم داعيا إلى الثورة العربية الكبرى
فانساق معه بعض الاشراف وقاد اللورد اللنبى الانجليزى جيش العرب الاتراك ونجح المخطط
• وقبل ذلك دفعت الماسونية تركيا لدخول الحرب العالمية الأولى للقتال إلى جانب ألمانيا لتلاقى الهزيمة وتتدخل دول الغرب للتحكم فيها .
• وجىء بمصطفى كمال أتاتورك ليقود تركيا أمام أوروبا واليونانيين
وأهديت إليه الإنتصارات لتضاف إليه البطولات ويظهر عن الاتراك فى صورة البطل المنقذ والفذ المصلح الذى انقذ تركيا من جيوش الحلفاء المنتصرة فى الحرب العالمية الكبرى ( وقد مدحه على ذلك أحمد شوقى ( سامحه الله ) وشبهه بخالد بن الوليد رضى الله عنه )
وذلك كله تمهيدا للقيام بدوره الأثيم فى إزالة الخلافة الإسلامية وصبغ تركيا بالقومية الطورانية .
• فى مارس 1924م ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الأسلامية وأحل الكتابة بالاتينية مكان الكتابة بالعربية
وأعلن العلمانية القائمة على فصل الدين عن الحكم فى تركيا .
وألغى العمل بالشريعة الإسلامية ووضع دستورا مدنيا لتركيا مستمد من القوانين السويسرية الوضعية.
وهكذا تحولت تركيا من دولة الخلافة الكبرى والتى تحكم البلاد الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها إلى دولة من دول العالم الثالث لا حساب لها ولا وزن تعيش عالة على الغرب وتعانى الأزمات والديون .
وبالرغم من أنضمامها إلى دول حلف الاطلنطى إلا انها مازالت تحت وطأه الأزمات الاقتصادية المتعددة .
• ما إن حققت الثورة العربية ما أراد الغرب لها وانفصل العرب عن تركيا
حتى سارعت الدول الأوربية المنتصرة تقتسم أراضى العرب ( بمقتضى معاهدة سايكس –بيكو)
وتجزئها إلى دويلات صغيرة مفتتة تفصل بينها الحواجز الجغرافية والسياسية فوضعت بعضها تحت الوصاية أو الانتداب باسم هيئة عصبة الامم
ووضع البعض الاخر تحت الاحتلال الاوربى ونالت انجلترا وفرنسا النصيب الأكبر.
وعمد الغرب إلى سياسة فرق تسد وبذر بذور العداء والشقاق بين هذه الدول بشكل يجعل من الصعب أن تلتقى فى يوم من الأيام .
فى الوقت الذى لم تحقق انجلترا للعرب شيئا بل قسمت اراضيهم مع فرنسا
فقد وفت بوعدها لليهود بإنشاء دولة لهم فى فلسطين.
وتحقق حلم اليهود الذى جاهدوا لأجله سنوات بل قرون تحقق حلمهم لما نام المسلمون عن واجبهم وألقوا بالحمل على بعضهم البعض
وفى هذا الوقت كانت مصر تحت الإحتلال الإنجليزى يعنى كانت من نصيب انجلترا
وقد تم الغاء تحكيم الشريعة بالتدريج حتى لا يثور الشعب وتم تسمية المحاكم الوضعية
بالمحاكم الأهلية بعد ثورة 52
حتى يشعر الناس أن هذه المحاكم ليست غريبة عليهم بل هى أهلية
وانتشر الغزو الفكرى فى الأمة وتصاعدت وتيرة العروبة والحزبية والوطنية
ليزيد تفرق الأمة الإسلامية ومعاداة الدول الإسلامية لبعضها فلا تقوم للخلافة قائمة
وكل هذا من تدبير أعداء الإسلام الذين زرعوا فينا الأفكار القاتلة
ودخلوا بأفكارهم فى عقر بيوتنا عن طريق التلفاز ووسائل الإعلام
فأفسدوا لنا الزوجات والأبناء ولا حول ولا قوة إلا بالله
.......
حسن البنا ولماذا أنشأ جماعة ؟
كان حسن البنا فى هذا الوقت شابا جامعيا واعيا يهتم بأحوال المسلمين
وعن هذا يقول حسن البنا : -
( لقد قامت تركيا بانقلابها الكمالي
وأعلن مصطفي كمال باشا إلغاء الخلافة، وفصل الدولة عن
الدين في أمة كانت إلى بضع سنوات في عرف الدنيا جمیعا مقر أمير المؤمنين،
واندفعت الحكومة التركية في هذا السبيل في كل مظاهر الحیاة.
ولقد تحولت الجامعة المصریة من معهد
أهلي إلى جامعة حكومیة تديرها الدولة وتضم عددا من الكليات النظامية،
وكانت للبحث الجامعى والحیاة الجامعية حينذاك في رؤوس الكثيرين صورة غريبة: مضمونها أن الجامعة لن تكون
جامعة علمانية إلا إذا ثارت على الدين وحاربت التقاليد الاجتماعية المستمدة منه،
واندفعت وراء هذا التفكير المادي المنقول عن الغرب بحذافیره،
وعرف أساتذتها وطلابها بالتحلل والانطلاق من كل
القیود.ولقد وضعت نواة” الحزب الديمقراطى” الذي مات قبل أن یولد ولم یكن له منهاج إلا أن یدعو إلى الحریة والديمقراطیة بهذا المعنى المعروف حینذاك: معنى التحلل والانطلاق. )
.
.
.
كان حسن البنا يؤمن أنه لابد من عمل إلزامى لإنقاذ الأمة الإسلامية من أيدى اليهود والجمعيات الماسونية
فكان يعتقد أنه لا يكفى مجرد الإيمان بالفكرة فقط بل لابد من العمل لأجل الفكرة
لأنه متى تراخى إلى الدنيا جذبته
وأنه لا يكفى العمل التطوعى لأن النفس كثيرا ما تغفل
ويظهر ذلك واضحا فى قوله :-
ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين
أن نؤمن بالفكرة إيمانا يخيل للناس حين نتحدث إليهم عنا أنها ستحملنا علي نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب
ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا ،
حتى إذا هدأت ثائرة الكلام وانفض نظام الجمع نسي كل إيمانه وغفل عن فكرته ،
فهو لا يفكر في العمل لها ولا يحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها ،
بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان حتى يعمل علي ضدها وهو يشعر أو لا يشعر ؟
.
...
.........
وحتى حين كان طالبا جامعيا فى مقتبل العمر كان يحمل هم الأمة وكانت عزيمة قوية
فحين خالط أهل القاهرة وجد أن الغزو الفكرى والإنحلال الأخلاقى قد تفشى فى المجتمع المدنى
وكان لابد من طريقة ليعود الناس إلى دين الله ويواجهوا أعدائهم بالإيمان والعمل
وفى هذا يقول حسن البنا رحمه الله :-
( وقد وجدت في نفسي - على أثر ما شاهدت في القاهرة من مظاهر التحلل والبعد عن الأخلاق
الإسلامیة في كثیر من الأماكن التي لا عهد لنا بها في الریف المصري الآمن،
وعلى أثر ما كان ینشر في بعض الجرائد من أمور تتنافى مع التعالیم الإسلامیة
ومن جهل بین العامة بأحكام الدین
-
وجدت أن المساجد وحدها لا تكفي في إیصال التعالیم الإسلامیة إلى الناس.
، ففكرت في أن أدعو إلى تكوین فئة من الطلاب
الأزهریین وطلاب دار العلوم للتدرب على الوعظ والإرشاد في المساجد ثم في القهاوي
والمجتمعات العامة
،
ثم تكون منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والریف والمدن الهامة لنشر
الدعوة الإسلامیة.
وقرنت القول بالعمل فدعوت لفیفاً من الأصدقاء للمشاركة في هذا المشروع
الجلیل،..
كنا نجتمع في مساكن الطلاب ،
ونتذاكر جلال هذه المهمة وما تستلزمه من استعداد علمي وعملي.
وخصصت جزءا من كتبي
لتكون مكتبة دوریة خاصة بهؤلاء الأصدقاء یستعیرون
أجزاءها، ویحضرون موضوع الخطب والمحاضرات منها
وجاء الدور العملي بعد هذا الاستعداد العلمي فعرضت علیهم أن نخرج للوعظ في القهاوي
فاستغربوا ذلك وعجبوا منه
وقالوا: إن أصحاب القهاوي لا یسمحون بذلك ویعارضون فیه لأنه
یعطل أشغالهم، وٕان جمهور الجالسین على هذه المقاهي قوم منصرفون إلى ما هم فیه ولیس
أثقل علیهم من الوعظ فكیف نتحدث في الدین والأخلاق
لقوم لا یفكرون إلا في هذا اللهو الذي انصرفوا إلیه؟؟
وكنت أخالفهم في هذه النظرة وأعتقد أن هذا الجمهور أكثر استعدادا لسماع
العظات من أي جمهور آخر حتى جمهور المسجد نفسه. لأن هذا شيء طریف وجدید علیه
والعبرة بحسن اختیار الموضوع فلا نتعرض لما یجرح شعورهم، وبطریقة العرض فتعرض بأسلوب
شائق جذاب، وبالوقت فلا نطیل علیهم القول.
ولما طال بنا الجدل حول هذا الموضوع
قلت لهم: ولم لا تكون التجربة هي الحد الفاصل في
الأمر؟
فقبلوا ذلك وخرجنا فبدأنا بالقهاوي الواقعة بمیدان صلاح الدین، وأول السیدة عائشة ومنها
إلى القهاوي المنتشرة في أحیاء طولون إلى أن وصلنا
من طریق الجبل إلى شارع سلامة، والسیدة زینب،
وأظنني ألقیت في هذه اللیلة أكثر من عشرین خطبة تستغرق الواحدة منها ما بین خمس
دقائق إلى عشرة.
ولقد كان شعور السامعین عجیبا،
وكانوا ینصتون في إصغاء ویستمعون في شوق،
وكان أصحاب المقاهي ینظرون بغرابة أول القول، ثم یطلبون المزید منه بعد ذلك،
وكان هؤلاء یقسمون بعد الخطبة أننا لا بد أن نشرب شیئاً أو نطلب طلبات، فكنا نعتذر لهم بضیق الوقت، وبأننا نذرنا
هذا الوقت لله فلا نرید أن نضیعه في شيء.
وكان هذا المعنى یؤثر في أنفسهم كثيرا،
ولا عجب فإن الله لم یرسل نبیاً ولا رسولا إلا كان شعاره الأول ( قل لا أسألكم،علیه أجر)
لما لهذه الناحیةالعفیفة من أثر جمیل في نفوس المدعوین.
لقد نجحت التجربة مائة في المائة، وعدنا إلى مقرنا في شیخون، ونحن سعداء بهذا النجاح،
وعزمنا على استمرار الكفاح في هذه الناحیة )
انتهى كلامه رحمه الله
..
انظروا كيف أن هؤلاء الشباب يحملون هم الأمة ويخرجون للدعوة على قدر ما آتاهم الله من علم وحكمة
وسخروا أوقاتهم لله :( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى )
....
كانت هذه بداية الشاب الداعية حسن البنا
أما بداية تكوين الجماعة
فكما تحدثت سالفا عن المنظمة الماسونية السرية التى تضع الخطط المحكمة للقضاء على الدين الإسلامى
لم يكن ذلك بعيدا عن سمع ونظر الشاب الجامعى حسن البنا
فقد ذهب لأحد أساتذته ليستفيد من خبرته وليرى الطريق الأمثل
يقول حسن البنا : وخلص من ذلك إلى ضعف المعسكر الإسلامي أمام هؤلاء
المتآمرین علیه،
وكیف أن الأزهر حاول كثیيرا أن یصد هذا التیار فلم یستطع
وكان رد حسن البنا على أستاذه ومن حوله من علماء بالأزهر انفعاليا
يدل على مدى انبعاث همته وصدق رسالته
يقول :-
( وأخذتني فورة الحماسة وتمثل أمامي شبح الإخفاق المرعب
إذا كان هذا الجواب سیكون جواب كل هؤلاء القادة.
فقلت له في قوة: “ إنني أخالفك یا سیدي كل المخالفة في هذا الذي تقول.
وأعتقد أن الأمر لا یعدو أن یكون ضعفا فقط، وقعوداً عن العمل،
وهروبا من التبعات:
من أي شيء تخافون؟ من الحكومة أو الأزهر؟..
یكفیكم معاشكم واقعدوا في بیوتكم واعملوا للإسلام، فالشعب معكم في الحقیقة لو واجهتموه، لأنه شعب مسلم، وقد عرفته في القها وي ، وفي المساجد، وفي الشوارع، فرأيته یفیض إیمانا
،
ولكنه قوة مهملة من هؤلاء الملحدین والإباحیین، وجرائدهم ومجلاتهم لا قیام لها إلا في غفلتكم،
ولو تنبهتم لدخلوا جحورهم. یا أستاذ
.
إن لم تریدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنیا وللرغیف الذي تأكلون،
فإنه إذا ضاع الإسلام في هذه الأمة ضاع الأزهر،
وضاع العلماء، فلا تجدون ما تأكلون، ولا ما تنفقون، فدافعوا عن كیانكم إن
لم تدافعوا عن كیان الإسلام، واعملوا للدنیا إن لم تریدوا أن تعملوا للآخرة،
وٕالا فقد ضاعت دنیاكم وآخرتكم على السواء
”!.
وكنت أتكلم في حماسة وتأثر وشدة، من قلب محترق مكلوم، فانبرى بعض العلماء الجالسین یرد
علي في قسوة كذلك، ویتهمني بأنني أسأت إلى الشیخ وخاطبته بما لا یلیق،
وأسأت إلى العلماء
والأزهر، وأسأت بذلك إلى الإسلام القوي العزیز،
والإسلام لا یضعف أبدا والله تكفل بنصره.
وقبل أن أرد علیه
انبرى أحمد بك كامل وقال: “ لا یا أستاذ، من فضلك هذا الشاب لا یرید
منكم إلا الاجتماع لنصرة الإسلام وٕان كنتم تریدون مكاناً تجتمعون فیه فهذه داري تحت تصرفكم
افعلوا بها ما تریدون،
وٕان كنتم تریدون مالاً فلن نعدم المحسنین من المسلمین، ولكن أنتم القادة
فسیروا ونحن و ا رءكم. أما هذه الحجج فلم تعد تنفع بشيء”
. هنا سألت جاري عن هذا الرجل المؤمن: من هو؟ فذكر لي اسمه – وما زال عالقاً بذهني ولم أره بعد –
وانقسم المجلس إلى
فریقین فریق یؤید رأى الأستاذ العالم، وفریق یؤید رأى أحمد بك كامل،
والشیخ – رحمه الله–
ساكت.
ثم بدا له أن ینهي هذا الأمر فقال: على كل حال نسأل الله أن یوفقنا للعمل بما یرضیه،
ولا شك أن المقاصد كلها متجهة إلى العمل، والأمور بید الله. وأظننا الآن على موعد مع الشیخ
محمد سعد فهیا لنزوره.
وانتقلنا جمیعاً إلى منزل الشیخ محمد سعد - وهو قریب من منزل الدجوي رحمه الله - وتحریت
أن یكون مجلسي بجوار الشیخ الدجوي مباشرة لأستطیع الحدیث فیما أرید.
ودعا الشیخ محمد
سعد بحلویات. رمضان فقدمت وتقدم الشیخ لیأكل فدنوت منه،
فلما شعر بي بجواره
سأل: من هذا؟ فقلت: فلان
.فقال: أنت جئت معنا أیضا ؟
فقلت: نعم یا سیدي، وسوف لا أفارقكم إلا إذا انتهینا إلى أمر.
فأخذ بیده مجموعة من النقل وناولنیها
وقال: خذ وٕان شاء الله نفكر،
فقلت : سبحان الله
یا سیدي إن الأمر لا یحتمل تفكيرا ولكن یتطلب عملا،
ولو كانت رغبتي في هذا النقل وأمثاله لاستطعت أن أشتري بقرش وأظل في منزلي ولا أتكلف مشقة زیارتكم. یا سیدي إن الإسلام یحارب هذه الحرب العنیفة القاسیة،
ورجاله وحماته وأئمة المسلمین یقضون الأوقات غارقین في هذا النعیم.
أتظون أن الله لا یحاسبكم على هذا الذي تصنعون؟ إن كنتم تعلمون للإسلام أئمة غیركم وحماة
غیركم فدلوني علیهم لأذهب إلیهم، لعلي أجد عندهم ما لیس عندكم !!
....
وسادت لحظة صمت عجیبة، وفاضت عینا الشیخ رحمه الله بدمع غزیر بلل لحیته، وبكى بعض من حضر. وقطع
الشیخ رحمه الله هذا الصمت بأن قال في حزن عمیق وفي تأثر بالغ: وماذا أصنع یا فلان؟...)
....
...
تأسيس جماعة الإخوان
...
كل هذا وحسن البنا لم يخطر بباله فكرة تكوين جماعة تهدف لإعادة الخلافة ومواجهة الماسونية
إلى أن ذهب للإسماعيلية وأخذ يدعو الناس ويلقى الخطب والدروس
حتى خطب يوما على الخلافة وذلك بعد سقوطها بثلاث سنوات فقط
فجاءه بعض الذين سمعوا خطبيته وتأثروا بها
وفى هذا يقول حسن البنا :-
( زارنى بالمنزل أولئك الإخوة الستة: حافظ عبدالحمید، أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم،
عبد الرحمن حسب الله، إسماعیل عز، زكي المغربي،
وهم من الذین تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كنت ألقیها،
وجلسوا یتحدثون إلي وفي صوتهم قوة، وفي عیونهم بریق، وعلى وجوههم سنا الإیمان والعزم،
قالوا: “ لقد سمعنا ووعینا، وتأثرنا ولا ندري ما الطریق العملیة إلى عزة الإسلام وخیر المسلمین،
ولقد سئمنا هذه الحیاة: حیاة الذلة والقیود،
وها أنت ترى أن العرب والمسلمین في هذا البلد لا حظ لهم من
منزلة أو كرامة وأنهم لا یعدون مرتبة الأجراء التابعین لهؤلاء الأجانب.
ونحن لا نملك إلا هذه
الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإیمان والكرامة مع أنفسنا،
وهذه الد ا رهم القلیلة، من قوت أبنائنا،
ولا نستطیع أن ندرك الطریق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبیل إلى خدمة الوطن والدین والأمة كما تعرف، وكل الذي نریده الآن أن نقدم لك ما
نملك لنبرأ من التبعة بین یدي الله، وتكون أنت المسئول بین یدیه عنا وعما یجب أن نعمل،
وٕأنجماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحیا لدینه، وتموت في سبیله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه،
لجدیرة أن تنتصر، وٕان قل عددها وضعفت عددها
”.
كان لهذا القول المخلص أثره البالغ في نفسي، ولم أستطع أن أتنصل من حمل ما حملت، وهو ما
أدعو إلیه وما أعمل له، وما أحاول جمع الناس علیه، فقلت لهم في تأثر عمیق: “
شكر الله لكم
وبارك هذه النیة الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح، یرضي الله وینفع الناس، وعلینا العمل وعلى
الله النجاح. فلنبایع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندا، وفیها حیاة الوطن وعزة الامة !.
وكانت بیعة...
وكان قسما أن نحیا إخوانا نعمل للإسلام ونجاهد في سبیله ...
وقال قائلهم: بم نسمي أنفسنا؟ وهل نك ون جمعیة أو نادیا، أو طریقة أو نقابة حتى نأخذ الشكل
ال رسمي؟ فقلت: لا هذا، ولا ذاك،دعونا من الشكلیات،
ومن الرسمیات، ولیكن أول اجتماعنا
وأساسه: الفكرة والمعنويات . نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن” الإخوان
المسلمون.”.
وجاءت بغتة... وذهبت مثلا ... وولدت أول تشكیلة للإخوان المسلمین من هؤلاء
الستة: حول هذه الفكرة، على هذه الصورة وبهذه التسمیة...))
هكذا بدأت جماعة الإخوان ثم بفضل إخلاص هذا الرجل المؤمن الذى لا نزكيه على الله
انتشرت دعوته فى العالم وسطر التاريخ ذكره بحروف من نور
لأنه جمع بين الإيمان والعمل
وضحى فى سبيل فكرته
هل تغير الإخوان الآن عن الجيل الأول ؟
نعم تغيروا ..
فقد بدأت جماعة الإخوان دعوية بالمقام الأول
ثم تعددت المجالات حتى طغى قسم السياسة الآن على قسم الدعوة
وظهر القسم السياسى على الساحة وكأنه القسم الفعال الوحيد فى جماعة الإخوان
ولكن ما حدث من اضطرابات فى عصر الإضطهاد ومن تضييق واعتقالات هو ما يجعلنا
نلتمس العذر لأى خطأ أو خلل لمسناه فى الجماعة هذه الأيام
وندعوا الله لهم أن ينصرهم وأن يعودوا للإهتمام بالنشىء أكثر وأكثر
فهذا هو الأصل كما بدأت دعوة عبد الله بن ياسين فأسس دولة المرابطين
......
ولأن الإمام البنا لم يشأ أن تموت الفكرة بموته
أسس جماعة تحمل فكرته لتكمل المسيرة حتى عودة الخلافة
وأنه لم يكن طالبا لمنصب أو جاه
فقد كان يدعوا الناس على المقاهى وفى الطرقات
والذى ألم بخطر المنظمات الماسونية ومدى قوتها
يعرف جيدا أنه لابد لهذا التنظيم أن يقابله تنظيم أقوى منه
لتتزن الكفتان والغلبة للإسلام
وأخيرا
الإخوان المسلمون رجال وهبوا حياتهم لنصرة الدين
وبايعوا الله ورسوله على حمل الراية
وهم ليسوا بمعصومين من الخطأ
ولم يسلموا من فساد المجتمع وانتشار الغزو الفكرى
لأن الكثير منهم يلتحق بالجماعة فى شبابه
وقد عاش شبابه مثلى ومثلك يصدق الإعلام ويحيا بلا هدف
فمثل هذا يحتاج إلى تقويم وتربية ولا يكون ذلك الا بالعلم
....
....
وأخيرا رسالة إلى كل من يقسو على الإخوان ويحملهم فوق طاقتهم
لا تقسو على أخيك الذى يشاطرك الهم ويحمل عنك فى حال غيابك
فقد علمنا نبينا أن نلين فى أيدى إخواننا
وقال ربنا : أشداء على الكفار رحماء بينهم
..
فبالله عليك أخ الإسلام
إذا كان العلمانيين مطرقة
لا تكن لهم سندان
...
....
...
المراجع :
1- مقالات لدكتور راغب السرجانى
2- كتاب مذاهب فكرية فى الميزان لدكتور علاء بكر
3- كتاب مذكرات الدعوة والداعية للإمام حسن البنا
.............
صاحب المقال : محمد ياسين
صفحته على الفيس بوك للإستفسار والتواصل
https://www.facebook.com/dr.muhammad.yaseen
__________________