بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحظوظ ليست نعمة ولا نقمة إنما هي حظوظ موقوفة على طريقة التعامل معها :
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) [سورة الفجر: 15]
مقولته هو، توهمه:
(وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)
[سورة الفجر: 15]
فيقول توهماً أو خطأ.
رد الله عز وجل:
(كَلَّا)
[سورة الفجر: 15]
هل المال نعمة؟ لا، نقمة؟ لا، ما هو إذاً؟ حظ موقوفة صفته على طريقة إنفاقه، هل الزوجة الكاملة نعمة أم نقمة؟ لا نعمة ولا نقمة، حظ موقوف على طريقة تعامل الزوجة معك، إن قضى حاجته منها ولم يعبأ بدينها، وإن شغلته عن طاعة الله، وإن حملته على معصية الله، وإن دفعته إلى كسب المال الحرام كي يرضيها فهي نقمة، وإن كانت طيعة تسره إن نظر إليها، وتحفظه إن غاب عنها، وتطيعه إن أمرها، ولم تحمله فوق طاقته، ولم تكلفه ما لا يستطيع، ولم تدعه إلى معصية إرضاء لنزواتها فهي نعمة، تابع هذا الكلام، الذكاء إن استخدمته في الإيقاع بين الناس، وفي ابتزاز أموال الناس، وفي إيهامهم فهو نقمة، وإن استخدمت الذكاء في تعريف الناس بربهم فهو نعمة، وسامة المنظر إن استخدم وسامته ليغري الفتيات فهو نقمة، كل الحظوظ التي يمكن أن يمنحها الله للإنسان نعمة إذا وظفت في طاعة الله، ونقمة إذا وظفت في معصية الله،
فلذلك يجب أن نعتقد بادئ ذي بدء أن الحظوظ ليست نعمة ولا نقمة إنما هي حظوظ موقوفة على طريقة التعامل معها، إن وظفتها في طاعة الله فهي نعم، وإن وظفتها في معصية الله فهي نقم، نعود إلى الآية:
(فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)
[سورة الفجر: 15-16]
الرد الإلهي:
(كَلَّا)
الحظوظ التي في الدنيا وزعت توزيع ابتلاء وستوزع في الآخرة توزيع جزاء :
ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء، هذا الكلام من عنده مشكلة صحية، مشكلة اجتماعية، مشكلة مالية، مشكلة أسرية، مشكلة نفسية، هذه المشكلة ليست نعمة من الله، وليست إهانة من الله، إنما هي ابتلاء، إنما هي دواء، تقريب من الله عز وجل.
فإذا إنسان ابتلاه الله عز وجل بشيء، ابتلاه بنقص في حواسه الخمس، أو بنقص في صحته، أو نقص في ماله، أو نقص في زواجه فرضاً، أو عنده مشكلة في عمله، في بيته، في أسرته، في أولاده، في صحته، في دخله، هذا ليس إهانة للإنسان وليس نقمة عليه إنما هو دواء، إنما هو تقريب، لذلك نحن في دار ابتلاء لا يوجد وصف لهذه الدنيا أبلغ من أنها دار ابتلاء، دار امتحان.
دققوا أيها الأخوة، الحظوظ التي في الدنيا وزعت توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، كلام دقيق جداً،
أنت في الدنيا وكنت في جامعة ما هي المقررات؟ ما هي مواد الامتحان؟ أنا أقول لك ما هي مواد الامتحان في الدنيا للمؤمنين؟ كل شيء من حظوظ الدنيا مالك منه شيء، فهذا الحظ مادة امتحانك مع الله، وكل حظ من حظوظ الدنيا منعت منه مادة ثانية، أنت ممتحن فيما أعطيت وأنت ممتحن فيما أُخذ منك، ممتحن فيما نلته من الله وممتحن فيما زوي عنك منه.
من هنا كان دعاء النبي عليه الصلاة و السلام،
كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ:
اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغاً لِي فِيمَا تُحِبُّ
[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ]
الله تعالى عندما يأخذ من العبد بعض الصحة يعوض عليه قرباً وتجلياً وتوفيقاً :
الإنسان له طموح بشيء لم ينله لا يحترق قلبه كل حياته، يقول لك: والله هذه الزوجة لم أتوفق بها، يوجد شخص يندب حظه في الحياة لعل الله يعرف أن مقاومتك هشة، لو جاءتك زوجة كما تتمنى، وكما تريد في القمة لعبدتها من دون الله، ولأطعتها ونسيت أمر الله، ولأكلت المال الحرام إرضاء لها،
فاجعل قول الإمام الغزالي شعاراً لك:
ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني، ليس في الإمكان أبدع مما كان
ما أنت فيه هو قمة الكمال بالنسبة إليك.
اسمحوا لي بمثل من عالم السيارات:
السيارة الشاحنة نقص مكان الركاب كمال فيها لأن مهمتها شحن البضاعة، فيها غرفة صغيرة تتسع للسائق ومعاونه، الأكبر مساحة للبضاعة، فنقص مكان الركاب كمال فيها، أما مركبة نقل الركاب أكبر مساحة للركاب وأقل مساحة للحاجات، كمال فيها نقص مكان حقائب السفر، في مركبة الركاب كمال فيها، يوجد سيارة ثالثة سيارات السباق أكبر مساحة للمحرك، ثلثي المساحة للمحرك، ومكان للسائق فقط، وهو بمستوى الأرض أي بمستوى العجلة هذا كمال فيها، أحياناً يكون النقص هو الكمال، أحياناً نقص المال هو الكمال، أحياناً نقص الصحة هو الكمال،
وقد ورد في الحديث القدسي:
يا داود مرضت فلم تعدني، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: مرض عبدي فلان فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده.
سبحان الله يأخذ الله من العبد بعض الصحة ويعوض عليه قرباً وتجلياً وتوفيقاً وأمناً وراحةً وتألقاً.
مراتب الدنيا مؤقتة وقد لا تعني شيئاً لكن مراتب الآخرة أبدية وتعني كل شيء :
لكن مراتب الدنيا مؤقتة مربوطة بنبض القلب توقف انتهى، مربوطة بقطر الشريان التاجي انسد انتهى، مربوطة بسيولة الدم تجمد انتهى، مربوطة بنمو الخلايا نمت نمواً عشوائياً انتهى الإنسان، مراتب الدنيا مؤقتة ولا تعني شيئاً عند الله بل قد تعني العكس،
قال تعالى:
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)
[سورة الأنعام: 44]
مراتب الدنيا مؤقتة وقد لا تعني شيئاً وقد تعني العكس ويوجد معها كآبة دائماً لكن مراتب الآخرة أبدية وتعني كل شيء، وتعني أن صاحبها في أعلى مقام عند الله، لذلك المفروض أن نسعى إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر، لذلك الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء،
أضرب مثلاً: عاش رجلان عمراً واحداً، ستين بستين، إذا إنسان دخله أربعة آلاف، وعنده ثمانية أولاد، وبيته بالأجرة، كيف يعيش هذا؟ والآخر يملك ثلاثة وثمانين مليار دولار، وعاش ستين سنة فرضاً، والاثنان ماتوا، لو أن الفقير فرضاً نجح في مرض الفقر، ولو أن الغني رسب في امتحان الغنى انقلبت الآية، هذا في جنة إلى أبد الآبدين، وهذا في النار إلى أبد الآبدين معنى هذا الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء.
الانتصار الحقيقي أن تكون ثابتاً على المبدأ :
الانتصار الحقيقي أن تكون ثابتاً على المبدأ كأصحاب الأخدود، أن تموت مؤمناً، أن تموت موحداً، أن تموت طائعاً لله عز وجل ، هذه المفهومات خطيرة جداً في حياتنا إن استوعبناها ارتفعت معنوياتنا، وشعرنا أننا عند الله بمكان.
والنبي عليه الصلاة والسلام ذاق الفقر هل عندكم شيء، بربكم هل في بيوتات المسلمين اليوم بيت ما فيه شيء يؤكل إطلاقاً؟ مستحيل، قال: أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم،
وأذاقه الله الغنى، قال له أحدهم: لمن هذا الوادي؟ وادي من غنم، قال له: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله.
أذاقه الله النصر، فدخل مكة مطأطئ الرأس، كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل. وأذاقه القهر في الطائف قال: ربي إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبة حتى ترضى.
وأذاقه أن تتهم زوجته بالزنا ؟ يتحملها أحدكم هذه؟ حديث الإفك.
أذاقه موت الولد قال:إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا
أذاقه الهجرة، أنت في بلدك لك مكانة كبيرة، كل شيء يأتيك إلى البيت في الهاتف، لو ذهبت إلى بلد بعيد، لا يعرفك أحد، ما الهجرة؟ اقتلاع الجذور، أذاقه الهجرة.
أذاقه أن تطلق ابنته،
طلقت ابنته، ومات ابنه، وترك منزله وقال: أوذيت في الله وما أوذي أحد مثلي، وخفت وما خاف أحد مثلي، ومضى علي ثلاثون لم يدخل جوفي إلا ما يواريه إبط بلال.
لك أسوة حسنة في هذا النبي الكريم، نحن في أمس الحاجة إلى هذه الدروس،
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
[سورة آل عمران: 139]
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)
[سورة آل عمران: 146]
أرجو الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى.