يقول الشيخ حامد العلى
فقد سألني أخ كريم صاحب مكتبة إسلامية ، عن حكم بيع كتاب موسوم بـ( هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام ) ، لمؤلفه أمين محمد جمال الدين ، فطلبت منه أن أقرأه ليتبين لي أمره ، فلما قرأت الكتاب المذكور ، أفتيته بأنه لا يجوز بيعه ، لما فيه من القول في دين الله تعالى بغير علم ، ونقل أحاديث ليس لها أصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير بيان حالها ، بل اعتمد عليها في تفسير وقائع الزمان ، ولما فيه من التعسف في تأويل الأحاديث الصحيحة لتوافق ما ادعاه ، وفي ذلك من الجرأة على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه
غير أنني مع ذلك ، أحسب مؤلفه من أهل الصلاح والخير ، وأن فيه من سلامة النية ، والمقصد الحسن ، وحبّ المسلمين ، والحرص على رجوعهم إلى دينهم ، ماحمله على ما وقع فيه من أخطاء ، ولهذا لا ينبغي لمن يقرأ هذا الرد ، أن يسيء الظـــن في مؤلف الكتاب المردود عليه ، بل يدعو لأخيه بالهداية والتوفيق .
وقد طلب مني الأخ السائل أن أكتب فيه جوابا فيه شيء من التفصيل ، بما يسمح بـه الوقت ، إذ كان الرد المفصّل على كل ما في الكتاب المذكور ، لاحاجة ملحة تدعو إليه ،وليس عندي من فسحة الوقت ما يعينني عليه ، فكتبت هذا الجواب ، واقتصرت فيها على الاختصار والتمثيل ، دون الإسهاب والتطويل .
الحمد لله القائل في محكم التنزيل ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) أشهد أن لا إله إلا هو رب العالمين ، وأشهد أن نبينا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، القائـل ( من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) رواه مسلم ، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فقد اطلعت على كتاب بعنوان ( هرمجدون ) آخر بيان .. يا أمة الإسلام ، لمؤلفه أمين محمد جمال الدين ، فوجدت فيه مما يقتضي التوجه بالرد عليه ما يلي :
أولا :
قد أكثر المؤلف من النقل عن كتاب الفتن لنعيم بن حماد رحمه الله ، ويشير إليه في غير موضع أنه شيخ البخاري ، ليظن القارئ الذي يجد اقترانه بالإمام البخاري ، وهو الإمام الذي قد عُرفت جلالته في علم الحديث ، أنّ كلّ ما رواه نعيم ، هو أيضا موثوق به ، وفي هذا الصنيع تدليس لا يليق بالباحث ـ هداه الله ـ ذلك أن نعيم بن حماد إنما روى له البخاري مقرونا بغيره ، ولم يخرج له في الصحيح سوى موضع ، أو موضعين أيضا ، وروى له مسلم في المقدمة في موضع واحــد فقط ، كما ذكــر الحافظ بن حجر في مقدمة فتح الباري 447
هذا مع أن ذكر الرجل في طبقة الشيوخ عند المحدثين ، قد لايعني سوى أنّه ممن روى عنه المحدث ، ولا يقتضي ذلك أن يكون ثقة عنده ، بلْـهَ أن يكون قد أخذ عنه علمه ، ولهذا فربما ذُكر في طبقة شيوخ بعض الحفاظ ، أكثر من ألف شيخ كالحافظ الطبراني.
وأما نعيم فهو ثقة في نفسه ، ولكنه كما قال الإمام الناقد الذهبي : لكنّه لاتركن النفس إلى رواياته ، السير 10/600 .
وقال يحي بن معين : يروى عن غير الثقات ، سير أعلام النبلاء 10/597
وقال الإمام المحدث صالح جزرة عن نعيم : ( وكان يحدث من حفظه ، ولديه مناكير كثيرة لا يتابع عليها ، سمعت يحيى بن معين سئل عنه فقال : ليس في الحديث بشيء ، ولكنه صاحب سنة )
وقال الإمام الذهبي : قلت لا يجوز لاحد أن يحتج به ، وقد صنف كتاب الفتن فأتى به بعجائب ومناكير ، 10/609
وبهذا يعلم أن كتاب (هرمجدون ) قد بُني على مصدر مليء بالمناكير ، دون تحقيق لما فيه ، ولا انتقاء لما يحتويه ، ولا يحل في دين الإسلام ، أن يكون مثل هذا مصدرا شرعيا ، في الأخبار والأحكام .
ثانيا : تندرج المؤاخذات على الكتاب المذكور في ثلاثة أنواع :
النوع الأول
إيراده ـ غفر الله له ـ أحاديث ضعيفة ، وأخرى لا أصل لها ، واعتماده عليها فيما يدعيه من وقوع أمور مستقبلية ، وأحيانا يعزو ما يذكره إلى مصادر مجهولة ، لا يعرفها العلماء ، بزعم أنها مخطوطات مخبئة في بعض المكتبات ، فينسب إليها بعض الأقوال عن الصحابة ، ويجعلها أساسا لما يقوله ويزعمه من الإخبار بالمستقبل .
النوع الثاني
إيراده تخاريف الكهنة مثل الكاهن المشهور نستراداموس .
النوع الثالث
تنزيله الأحاديث الصحيحة المخبرة عن أمور مستقبلية على واقع يحدده ، بغير دليل واضح ، مع الجزم بأن ما أنزلها عليه هو معناها ومقتضاها ، حتى قال هداه الله ( لولا أنني على يقين من أمري ما تورطت في أمر كهذا !!
ويتعسف ـ عفا الله عنه ـ في تأويل الأحاديث الصحيحة ـ والضعيفة أيضا ـ لتوافق توهماته.
فأما النوع الأول
فمن أمثلته حديث يزعم أنه من كلام أبي هريرة رضي الله عنه ، وهــو كلام عجيب وغريب ، ادعى أن مصدره مخطوطة بدار الكتب الإسلامية في كتابخانــة اسطانبول ، يقول الحديث المزعوم : ( حرب آخر الزمان حرب كونية ، المرأة الثالثــة بعد اثنين كبريين يموت فيهما خلائق كثيرة ، الأول أشعلها رجل كنيته السيد الكبير ، وتنـادى الدنيا باسم ( هتلر ) ، قال : وهذا مما رواه أبو هريرة وابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، في رواية خاف أن يحدث بها أبو هريرة ، ولما أحـس الموت خاف أن يكتم علما فقال لمن حولــــه: ( في نبأ علمته عما هو كائن في حروب آخر الزمان ، فقالوا : أخبرنا ولا باس جزاك الله خيرا ، فقال : في عقود الهجرة بعد الألف وثلاثمائة ، واعقدوا عقودا يرى ملك الروم أن حرب الدنيا كلها يجب أن تكـون ، فأراد الله له حربا ، ولم يذهب طويل زمن ، عقد وعقد فسلط رجل من بلاد اسمها جرمن ، له اسم الهر ، أراد أن يملك الدنيا ، ويحارب الكل ، في بلاد ثلج وخير ، فأمسى في غضب الله بعد سنوات نار ، أرداه قتيلا سر الروس ، وفي عقود الهجرة بعد الألف وثلاثمائة عـد خمسا أو ستا ، يحكم مصر رجل يكنى ناصر ، يدعوه العرب شجاع العرب ، وأذله الله في حرب وحرب وماكان منصورا ، ويريد الله لمصر نصرا له حقا في أحب شهــوره ، وهو له ، فأرضى مصر رب البيت ، والعرب بأسمر سادا ، أبوه أنور منـه ، لكنــه صالح لصوص المسجد الأقصى بالبلد الحزين ، وفي عراق الشام ) ..
وهذا الخبر لا يعرف له أصل ، ولاتحل روايته ، دون بيان درجته .
وكيف يحل لاحد أن يورد مثل هذه الخرافات ، وينسبها إلى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، لاسيما وهي في أخبار الغيب ، التي لا يقال فيها بالرأي ، فهي في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، مع ما فيها من الكلام الركيك الذي يشبـــه هذيان المحموم .
كما قال المؤلف ( هذا من الآثار العجيبة والتي حدث بها الصحابي الجليل أبو هريرة ) فهو يجزم بأن أبا هريرة رضي الله عنه ، قد حدث بهذا الكلام كأنه حديــث أعجمي ، مليء بفساد التركيب ، وضعف الصياغة .
*ومن ذلك استشهاده بحديث ( بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنـوات ويخرج الدجال في السابعة ) وهو حديث ضعيف بين العلامة الألباني رحمه الله ضعفه في مشكاة المصابيح 5426 فليرجع إليه ، ولا حاجة لدراسته دراسة حديثية هنا إذ كان المقصد هو الاختصار .
*ومن ذلك حديث ( ليغزون الهند لكم جيش يفتح الله عليهم ، حتى يأتوا بملوكهـم مغللين بالسلاسل يغفر الله ذنوبهم فينصرفون حين ينصرفون فيجــــدون ابن مريم بالشام ) . وهذا الحديث لم أجد له خطاما ولا زماما .
*ومن ذلك هذان الحديثان المنكران : ( يكون صوت في رمضان ، ومعمعة في شوال ، وفي ذي القعدة تجاذب القبائل ، وعامئذ ينتهب الحاج وتكون ملحمة عظيمة بمنى يكثر فيه القتلى ، وتسيل فيها الدماء ، وهم على جمرة العقبة (
وحديث ( إذا كانت الصيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال .. قلنــا : وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال : هدّة في النصف من رمضان ، ليلة جمعة ، فتكون هـدّة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة في سنــة كثيرة الزلازل.. الحديث(
ومن ذلك ما أورده ناسبا إياه إلى نسخة خطية في دار الكاتبخانة في تركيا ، كتبها ـ فيما ادعى الناقل عنها ـ كلدة بن زيد بن بركة المدني ، وجاء فيه ( وحرب في بلــد صغير من عجب الذنب يجمع أهل الدنيا لها ، كأنها أغنى بلد أولم عليها الوالمون ، وأمير فيها سلم رايته لزعيمة الشر الآتية من الشواطئ البعيدة ، بداية آخر الزمان ، فتجمع له صريخها من كل الدنيا ، وترد له عرش الملك ويخرب عراق في ملاحم بداية آخر الزمان ، ويحارب أمير الذنب الصغير جيوش المهدي ، وحان خراب البلد مرة أخـرى ، لأن أميرها سر الفساد ... المهدي يقتله ويعود الذنب إلى جسد.. ) .
فهل هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أم هو كلام بعض الصحابة ، وأين إسنـاده إن كان كذلك ، مع أنه في غاية الركاكة ، بعيدُ بعدَ المشرقين عن فصاحة اللفظ النبويّ ، بـل كلُّ من يعرف كلام العرب ، يجزم بأن هذا التركيب لايمكن أن يقوله النبي صلى الله عليه وسلم ، كما يقطع بأنه ليس من كلام العرب الأوائل أيضا .
ثم إن قوله : إن أمير الذنب الصغير ـ ويقصد الكويت ـ يحارب جيوش المهدي ، أمر يثير الضحك ، فالمعلوم أن الكويت دولة صغيرة ، وجيشها قليل العدد ، غير قادر على مجابهة جيوش المهدي ، وليس من عادة حكامها الطغيان ، ولا البدء بالعدوان ، بل هو قوم مسالمون ، وذلك معلوم لدى الناس كلّهم ، فهم لم يحاربوا قط أصغر دولة ، فكيف يحاربون جيوش المهدي ؟!
أما النوع الثاني : فمنه إيراده ما ذكره نستراداموس في إحدى رباعياته ( وفي عام القرن الجديد والشهر التاسع ( سبتمبر 2001) من السماء سيأتي ملك الموت العظيــم ، ستشتعل السماء في درجة خمسة وأربعين ، وتقترب النيران من المدينـــة العظيم في مدينــــــة يورك.. (
فمتى كان المسلمون يستشهدون بكلام الكهنة والمشعوذين مما تأتيهم به الشياطين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم عنهم : إنهم ليسوا بشيء ، كما روى البخاري : (عن عائشة رضي الله عنها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان فقاـل ليس بشيء فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليـه فيخلطون معها مائة كذبة ) ، وما أدرانا أن مع خبر هذا الكاهن مائة كذبة ، هذا إن كان هـذا الكاهن اليهودي ، قد ذكر ما نقله مؤلف كتاب هرمجدون ، ولم ينسبـه بعض الدجالين المعاصرين إليه ، طمعا في الربح المادي من وراء نشر كتب الغرائب والعجائب !
أما النوع الثالث :
فمن ذلك إنزاله حديث ( كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الفتن ، فأكثر من ذكرها حتى ذكر فتنة السرّاء ، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ، يزعم أنه مني ، وليس مني .. الحديث ) وهو حديث صحيح رواه أبو داود وأحمــد والحاكم وصححه
إنزاله هذا الحديث على أن فتنة السرّاء هي فتنة غزو صدام للكويت ، وجزمه بذلك وترجيحه أن أمير الكويت هو المقصود بقوله ( دخنها تحت قدمي رجل من أهل بيتي ) ص 20 الحاشية.
ومعلوم أن الحديث ذكر أن فتنة السراء ، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيته صلى الله عليه وسلم ، وأن أسرة الصباح التي تحكم الكويت ، ليست من أهل البيـــت ، ولاهم يدعون ذلك ، لا وأنهم من قريش أيضا، فإنزال الحديث علـــى غزو صدام للكويت في تعسف واضح .
وتتميما للفائدة نذكر ما قاله العلماء في بيان معاني هذا الحديث
روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمر قال :
(كنا قعودا عند رسول الله فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل يا رسول الله وما فتنة الأحلاس قال هي هرب وحرب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني وإنما أوليائي المتقون ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمّة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده ) .
فتنة الأحلاس: قال في النهاية : الأحلاس جمع حلس وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب , شبهها به للزومها ودوامها . انتهى .
وقال الخطابي : إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها أو لسواد لونـها وظلمتها .
قال القاري : والمراد بالسرّاء النعماء التي تسر الناس من الصحة ، والرخـاء ، والعافية من البلاء والوباء , وأضيفت إلى السراء ، لأن السبب في وقوعها ارتكــاب المعاصي بسبب كثرة التنعم أو لأنها تسر العدو انتهى.
دخنها : يعني ظهورها ، وإثارتها ، شبهها بالدخان المرتفع , والدخن بالتحريـك مصدر دخنت النار تدخن إذا ألقي عليها حطب رطب ، فكثر دخانها , وقيل أصـل الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد قاله في النهاية.
( من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ) : تنبيها على أنه هو الذي يسعى في إثارتها أو إلى أنه يملك أمرها .
ثم يصطلح الناس على رجل : أي يجتمعون على بيعة رجل .
( كوَرِك ) : بفتح وكسر قاله القاري .
( على ضِلَع ) : بكسر ففتح، ويسكن ، واحد الضلوع أو الأضلاع قاله القاري . قال الخطابي : هو مثل ومعناه الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم وذلك أن الضلع لا يقــوم بالورك . وبالجملة يريد أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقل به انتهى .
وفي النهاية : أي يصطلحون على أمر واه لا نظام له ، ولا استقامـــة لأن الورك لا يستقيم على الضلع ، ولا يتركب عليه ، لاختلاف ما بينهما وبعـده , والورك ما فوق الفخذ انتهى .
وقال القاري : هذا مثل والمراد أنه لا يكون على ثبات , لأن الورك لثقله لا يثبت على الضلع لدقته , والمعنى أنه يكون غير أهل للولاية لقلة علمه وخفة رأيه .انتهى
ثم فتنة ( الدهيماء) وهي بضم ففتح ، والدهماء السوداء ، والتصغير للذم أي الفتنــة العظماء ، والطامة العمياء . قاله القاري .
وفي النهاية: تصغير الدهماء ، الفتنة المظلمة ، والتصغير فيها للتعظيم ، وقيـــل أراد بالدهيماء الداهية ، ومن أسمائها الدهيم ، زعموا أن الدهيم اسم ناقة كـان غزا عليها سبعة إخوة فقتلوا عن آخرهم ، وحملوا عليها حتى رجعت بهم فصارت مثــلا في كل داهية
( لا تدع ) : أي لا تترك تلك الفتنة .
( إلا لطمته لطمة ) : أي أصابته بمحنة ومسته ببلية , وأصل اللطم هو الضـرب على الوجه ببطن الكف , والمراد أن أثر تلك الفتنة يعم الناس ويصل لكل أحـد من ضررها
( فإذا قيل انقضت ) : أي فمهما توهموا أن تلك الفتنة انتهت .
( تمادت ) : بتخفيف الدال أي بلغت المدى أي الغاية من التمادي وبتشديد الدال من التمادد تفاعل من المد أي استطالت واستمرت واستقرت قاله القاري .
هذا ما ذكره أهل العلم في معاني الحديث ، وما علمت أدب العلماء مع حديث النبي صلى الله عليه إلا أنهم لا يفسرونه على واقع ليس لهم عليه برهان واضح ، فيظنّون فيه ظنا ومـا هم بمستيقنين ، بل يكلون علم ذلك إلى الله تعالى قائلين : سبحانك اللهـم لاعلم لنا إلا ماعلمتنا.
النوع الثالث
*فمن ذلك استدلاله بحديث ( سيكون من بني أمية رجل أخنس بمصر يلــي سلطانا يغلب على سلطانه أو ينزع منه فيفر إلى الروم فيأتي بالروم إلى أهل الإسلام فذلك أول الملاحم) وهو حديث ضعيف ، بين ضعفه العلامة الألباني في تحقيقه للجامــع الصغير 3306 .
استدلاله به على أن المقصود به أمير الكويت ، مع أن المقصود بمصر ، مصر نفسها ، ولهذا فقد ورد الحديث بلفظ ( فيفر إلى الروم فيأتي بهم إلى الإسكندرية ) مع أنه ضعيف أيضا ،ولكن المؤلف لم يذكر هذه اللفظة ، ثم إن أمير الكويت من أسرة الصباح ، وهي ليست من بني أمية ، ولا من قريش أصلا ، لاهم يدعون ذلك ،ولا أهــل الأنساب ينسبونهم إلى بني أمية ، فإنزال هذا الحديث الضعيف على الكويت ، فيه تكلـــف وتعسف ظاهر .
ومعلوم أيضا أن الكويت استنجدت أولا بالعرب ، فلما لم ينجدهم أحد من العرب ، عرضت عليهم أمريكا ما عرضت ، لأهداف تخصهم ، ويتجه جدا أن أمريكا خططت لذلك من البداية ، لتحقيق أهدافهم الاستعمارية .
وتأمل كيف جعل أمير الكويت من بني أمية تارة ، ومن بني هاشم تارة أخرى ، وإنما حصل له هذه التناقض ، دون أن يشعر ، لانّ همَّه متوجه لتركيب الأحاديـث ، على واقع تخيله في مخيلته ، فلما صارت الأحاديث تبعا لما في مخيلته ، لم يشعــر بتناقض ما يقوله .
*ومن ذلك أيضا استشهاده بحديث لاتعرف صحتــه ( يهزم السفيانيُّ الجماعةَ مرتين ثم يهلك ) وقد جعل السفياني هو صدام حسين ، وادعى أنه في الحقيقة هو المنتصر في حرب الخليج ، وأن التحالف الدولي الذي حاربه هم الجماعة ، قال : ( لم يهزمــوا العراق ، فنظامه باق ، وشعبه ما ازداد لرئيسه إلا حبا ) والعجب من يدعي أن العراق انتصر في حرب الخليج إثر غزوه الكويت ، وقد قتل التحالف العالمي من جنوده ما لا يحصى ، وجعلوا جيشه قاعا صفصفا ، وانسحب ما تبقى من جيشه مهزوما لا يلوي على شيء ، وقد فرض عليه المنتصرون ، شروطا قبلها في هوان ، فكيف تكون الهزيمة إذن إن لم تكن هذه هزيمــة ؟!
*ومن ذلك إنزاله حديث ( يوشك أهل الشام ألا يجبى إليه دينار ولا مدي : قلنا من أين ذلك ، قال : من قبل الروم ) رواه مسلم ، على أن المقصود الحصار على فلسطين وأنه واقع الآن ، مع أن الحديث ذكر أن الحصار يقع على الشام كله ، وليس علــى فلسطين لوحدها ، وأيضا فإن فلسطين الآن لا يمنع عنها الدينار ولا الطعام ، بل تدخلها التحويلات الخارجية إلى البنوك في فلسطين ، ويدخلها الطعام من خارج فلسطين إليها ، وهو أمر مشهود معلوم.
*ومن ذلك إنزاله حديث لاتعرف صحته ( إذا اختلفت الرايات السود فيما بينهم أتاهم الرايات الصفر ) على أن الرايات السود هم الأفغان ، والرايات الصفــر هم جيوش الغرب ، فمن أين ليت شعري جعل الأصفر هو لون رايات الأمريكيين !! .
*ومن العجائب أيضا إنزاله حديث لاتعرف صحته ( علامة خروج المهدي ألوية تقبـل من المغرب عليها رجل أعرج من كنده ) على أن المقصود به الجنرال ريتشارد مايـرز قائد القوات المشتركة الأمريكية ، لانه كان يمشي على عكازين ، مع أن كندة قبيلـة عربية مشهورة ، أبوهم كندة بن ثور ، وقيل حيّ من اليمن ، فما دخـل قائد القوات المشتركة الأمريكية بها ؟!
ومن ذلك أنه جمع أحاديث ليس لها زمام ولا خطام في شأن السفياني وادعى أنه صدام ، وتعسف في تركيب وصف صدام على ما ذكر في تلك الأحاديث ،
فقال : روى نعيم بن حماد عدة آثار في صفة السفياني منها ( السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان رجل ضخم الهامة ، بوجهه آثار جدري ، وبعينه نكتة بياض (
وصدام ليست هامته خارجة عن العادة بحيث يوصف بأنه ضخم الهامة ، ولا في وجهه أثر الجدري ، ولا في عين نكتة بياض ، ومع ذلك يصر المؤلف على أن صدام هـو ما يزعم أنه السفياني الذي لم يصح في ذكره حديث أصلا.
ومن الطرائف قوله في وصف السفياني الذي هو صدام كما زعم ( دقيق الساعديــن والساقيــن ) قال المؤلف : ( وأخبرني من رآه أن ساعديه دقيقان مفتولان!! (
وأطرف منها أنه أورد هذا الحديث ( يخرج ولد من ولد أبي سفيان في الوادي اليابس في رايات حمـر ، دقيق الساعدين والساقين ، طويل العنق ، شديد الصفرة به أثر العبادة )
فأين هذه الصفات من صدام حسين ، وأعجب شيء قوله : ( به أثر العبادة) .
ومن ذلك جزمه أن الهرمجدون ـ وهي من مزاعم أهل الكتاب ـ هي حرب قادمة بين روسيا مع الصين من جهة ( وأطلق عليه المعسكر الشرقي ) ، وأمريكا وبريطانيا معهم المسلمون مكرهين على ذلك من جهة أخرى ، ثم اقترح عدة (سيناريوهات ) كما سماها ، لحدوث معركة الهرمجدون ، ولم يعلم أنه لا يوجد الآن ما يسمى المعسكر الشرقـي ، وأنه انتهى بانتهاء الحرب الباردة ، وأن روسيا اليوم لا يتحمل اقتصادها وحالها المتردي ، أن تتماسك في زمن السلم ، فكيف تخوض حربا ، ولهذا طلبت من الغرب أن يمدها بالمال لتحارب المجاهدين في الشيشان ، وهذا معلوم لدى الخاص والعام ، لا يجهله أي متابع لما يحدث في العالم.
والخلاصة : أن الكتاب ليس مبينا على أصول العلم المحقق ، بل هو أشبه بعمل حاطب ليل ، قد استحوذت عليه أفكار مسبقة ، فهو يسعى لأن يجمع لها مــا هبّ ودبّ ، ويتكلف المعاني البعيدة يستخرجها من نصوص غالبها لا يصح مما لا أصل له ، أو هـو منكر ، أو موضوع ، أو ضعيف ، وجلّ اعتماده على كتاب الفتن لنعيم بن حماد ، وهو كتاب مليء بالأحاديث المنكرة .
وإذا اعتمد على الصحيح حرف معناه ليوافق فكرته ، وقد حشر في كتابه خرافـات ، وقصص تشبه حكايات الكهنة ، وأسوأ مافيه أنه يقول في معاني كلام النبوة ، بغير علم ، ولا هدى ، ولا كتاب منير ، ويجزم أن معناها كذا وكذا مما يقع في زماننا ، بجــرأة عجيبة في الجزم بما ليس عليه دليل ظاهر .
والواجب منع هذه الكتاب ، ولا يجوز بيعه ، وأنصح مؤلفه بالتوبـــة إلى الله تعالى ، والرجوع عما اشتمل عليه الكتاب ، وأن يلتزم بما عليه أهـل العلم من التورع عن القول في الدين ، بغير هدى من الوحي الثابت في الإسناد ، المحقق المعاني.
ولو أنه اعتمد على الأحاديث الصحيحة فقط ، ثم أورد الاحتمالات التي قد يصــدق عليها الواقع ، مما هو قريب ملائم ، من غير جزم بشيء ، لكان الخطب أيسر و أهون ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه