[أبـو على]

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم

1- الأعوام مراحل يقطعها الإنسان في سفره من المهد إلى اللحد، وكما أن المسافر ينزل في نهاية كل مرحلة ليصلح من شأنه، ويصيب حظاً من الطعام والشراب، ونصيباً من الراحة والجمام، ويجدد نشاطه، ويتزود للمرحلة المقبلة. كذلك الإنسان الحازم - وهو منذ تفتحت عيناه للنور إلى أن يغمضها الموت في سفر متصل - عليه أن يقف في نهاية كل عام وقفة تأمل واستبصار، يحاسب فيها نفسه، ويستعرض ما قدمت يداه من خير أو شر، ويوازن بين ما كسب وما خسر فإن كان خاسراً فلينظر في أسباب الخسارة وليعمل على اجتنابها؛ وإن خرج من عامه كفافا لا عليه ولا له فليعلم أنه كمسافر بغير زاد؛ ومحارب بغير عتاد.



وأما إن خرج رابحاً ليستبشر وليحمد الله على توفيقه، وليحرص على أن يكون كسبه في الآتي خيراً وأعظم من كسبه في الماضي، وليكن الكسب مغرياً له بكسب أجلّ وأوفى.



2- ما أكثر الذين شهدوا أوائل الأعوام ثم أعجلهم الموت عن شهود أواخرها فليكن لنا فيهم موعظة حسنة، فإنهم كانوا غافلين عن الموت غفلتنا، ولكنه وافاهم أشد ما كانوا غفلة عنه، وثقة بالدهر واطمئناناً إلى الحياة.



وها نحن أولاء شهدنا أول العام ولكننا لا ندري أيمهلنا الموت حتى نرى آخره أم تحول المنية بيننا وبين ما نشتهي. فلنطهر أنفسنا بالتوبة النصوح ولنتخفف من الحقوق والتبعات، حتى إذا جاءنا الموت كنا له متأهبين.



3- وازن بين دخلك وخرجك، فلا تنفق أكثر مما تكسب؛ ولا تنفق كل ما تكسب، ولتدخر من كسبك شيئاً تستعين به على مفاجآت الأيام؛ ولا يسبقن إلى وهمك أن هذا ينافي التوكل على الله تعالى، بل ثق بأنه هو التوكل نفسه، فإن التوكل مع ترك الأخذ بالأسباب تحد للأقدار. ولا يقذفن في روعك أن الادخار من كنز الذهب والفضة الذي توعد الله فاعليه. إنما الكنز أن تدخر ثم لا تؤدي حق الله فيما ادخرت، فأما إن طهرت مالك، وأديت منه حق ربك فلا عليك ما ادخرت ولو القناطير المقنطرة.



4- احرص على صلاح دنياك كما تحرص على صلاح دينك، ونظم وسائل عيشك فإن اضطربت وسائل المعيشة اضطرب لها الفكر، وإن اضطرب الفكر اضطربت العبادة ولم تخلص لله، فسلامة الدنيا عون على سلامة الدين، والدنيا مزرعة للآخرة.



5- من أصابه الفقر والحرمان فلا ينبغي أن يجمع على نفسه بين مصيبتين: فقر المال وفقر النفس، فإن الجمع بينهما هلاك الدنيا والآخرة.



6- السرقة والغش والخيانة والنصب والتزوير والذلة والإسفاف من آيات الفقر وهي أمراض نفسية، علاجها الرضا والقناعة والعفاف والتقى.



7- انظر ما عملت في عامك السابق مما فيه إسراف دفعك إليه حب الظهور والحرص على المظهر الكاذب والأبهة الباطلة فاحذره في عامك الحاضر.



وانظر كذبك ما صنعت في عامك الماضي مما فيه شح يحق الله دفعك إليه خوف الفقر فاجتنبه، فإن الله وعد بأن يخلف ما أنفقت في سبيله، ووعد الله حق والله لا يخلف الميعاد.



8- لا تشغلنك أموالك واستصلاحها وتثميرها عن أداء حق الله تعالى. ولا يشغلنك أولادك والجمع لهم، والنظر فيما يصلح مستقبلهم عن النظر في نفسك واستصلاح شأنك، واحذر أن تكون كالذبالة المنصوبة تضيء للناس وهي تحترق أو كحجر الشحذ يرهف الأسنة وهو كليل.



9- احرص على أن تكون في عامك هذا خيراً منك في العام الذي انسلخ في شئونك وأطوارك جميعاً: في دينك ودنياك، في نيتك وعملك، في خلقك وشيمتك، في تجارتك أو صناعتك أو زراعتك، في معاملتك ومعاشرتك، ولا تقعد عن الحركة النافعة ففي الحركة بركة، والسكون علامة الموت.



10- إن كنت أجيراً فأد عملك بذمة وأمانة. واعلم أن الوقت المخصص للعمل ليس ملكاً لك بل هو ملك لمؤجرك، فما اختلست منه من شيء أنفقته في غير العمل المنوط بك من غير ضرورة ملحة فأنت عنه مسئول، وبه محاسب والأجر الذي تناله به تأكله بالباطل.



11- إن كنت مصاباً بأمراض جسمية فالتمس لعلاجك طبيباً من الأطباء الأمناء الحاذقين - وقليل ما هم - ولا تضن على صحتك بالمال، وجسمك وديعة في يدك وأمانة عندك. فلتحتفظ بهذه الأمانة حتى تردها تامة موفورة، وأطع أمر نبيك الذي يقول «تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء غير داء واحد هو الهرم».



وإن كنت مريضاً بمرض نفسي فدواؤه في يدك فلازم نفسك بالنصح والمعتبة:

لا تَرجع الأنفس عن غيها ♦♦♦ ما لم يكن منها لها زاجرُ



ولا تترج ملاحظتها فترجع إلى طبيعتها. فإن النفس كالماء تسخنه النار فيسخن فإن تحيتها عنه عاد سيرته الأولى ورجع إلى طبيعته.



لا يرضي الناس جميعاً إلا المنافق. ولا بد أن ينكشف أمره عاجلاً أو آجلاً، فيسخط عليه الناس جميعاً. والصريح يرضى عنه الأخيار دائماً. فاحرص على مرضاة العقلاء الأخيار الذين يرضون بما يرضي الله. ولا يهمنك رضا من رضاه في معصية الله. واعلم أنه لن يضرك شيئاً.



13- احذر معاشرة السفهاء الذين يؤذونك في دينك وخلقك؛ ويحملوك على معصية الله. إنهم شياطين رجماء مردة. إنهم أعداء ألداء ولو ظهروا بلون الأصدقاء المخلصين. لا تنظر إليهم بعين الشهوة العاجلة التي يزينونها في قلبك فإنها عين حولاء أو عمياء، ولكن انظر إليهم بعين المصير الذي يعدونه لك، والعاقبة التي تنتظرك في الدنيا والآخرة. فإن أنت نظرت إليهم بهذه العين تكشفت لك صورهم البشرية عن أبالسة أو وحوش جذامية المخالب، حمر الأنياب.



14- اجتنب السهر ونم مبكراً واستيقظ مبكراً، فالبركة في البكور. وإذا استيقظت مبكراً تمتعت بوقت تحاسب فيه نفسك وتستغفر لذنبك، لتكون من المستغفرين بالأسحار.



15- خير الأصحاب من أعانك على طاعة ربك، فإن ظفرت بواحد من هؤلاء فاشدد به يديك واستمسك بوده. وشرهم من صرفك عن الخير وأعانك على الإثم. فإن رماك الشيطان بواحد من هؤلاء ففر منه فرارك من الوباء والطاعون والحمى والجرب والجذام، فتلك الأمراض تؤذي الجسد ولا تمس الروح، ولكن صاحب السوء يؤذي الروح والجسد.



لا أريد أن أطيل عليك القول فقليل تعمل به خير من كثير تنساه. وابتهل إلى الله أن يجعل هذا العام عام أمن وسلام على العالم الإسلامي، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.



مجلة الهدي النبوي المجلد الخامس - العدد 2-3 - أول صفر سنة 1360

[جلال العسيلى]

بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا

[أبـو على]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جلال العسيلى

بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا

امين
جزاك الله خيرا اخى الكريم

[فـــــؤاد أبو أيمــــان]

بارك الله فيك

[أبـو على]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فـــــؤاد أبو أيمــــان

بارك الله فيك

امين
جزاك الله خيرا اخى الكريم