[سامى عرابى]

في قصة مشابهة لرحلة النجم الكبير محمد صلاح لاعب ليفربول الإنجليزي، انطلقت رحاب جمعة من جنوب مصر، وتحديدا محافظة أسوان، لتكتب التاريخ ليس في كرة القدم، ولكن في لعبة أخرى لا تحظى بذات الاهتمام الإعلامي وهي كرة اليد.

ولدت رحاب في أسوان، ثم انتقلت إلى إمبابة بمحافظة الجيزة، حيث انطلقت رحلتها مع كرة اليد، وسط ظروف صعبة للغاية.

رحاب حاربت بقوة وتخفت لسنوات من والدها الذي كان يعارض ممارستها للرياضة، حتى نجحت في خطف الأنظار لتبدأ رحلة الاحتراف في الجزائر وهي في سن الـ18 ومنها للدنمارك وفرنسا.

حوارا مع رحاب جمعة، لاعبة نادي سان جينيان الفرنسي، عن رحلتها من أسوان وحتى الاحتراف في فرنسا، في سياق الحوار التالي:

كيف بدأت رحلتك مع كرة اليد؟

- وأنا في عمر 7 سنوات فقط، كنت في مرحلة التعليم الابتدائي، وجاء مدرب للمدرسة وأراد عمل نشاط رياضي وتحديدا كرة اليد، واختار بعض زميلاتي ولم يخترني لأنني كنت قصيرة جدا، لكن معلمة مادة الرياضيات قالت له إن رحاب مميزة معها وطلبت ضمي، والمدرب وافق على طلب المدرسة.

- لولا هذه المعلمة لابتعدت تماما عن الرياضة، وبهذا بدأت كرة اليد بالصدفة.

وكيف تغلبتي على العادات والتقاليد خصوصا أنك فتاة صعيدية؟

- ولدت في أسوان مع عادات وتقاليد خاصة بالصعيد، ووالدي كان رجلا شديدا، وكان يؤمن بأن البنت للزواج والعمل المنزلي فقط، لكن أمي هي من وقفت بجانبي وظلت معي طوال المشوار وأخي الكبير.

- والدتي تعاهدت معي على إكمال الرحلة وكانت تصطحبني يوميا للتدريبات، وكانت سعيدة بإشاد المدربين والمتابعين لي في الملعب، الأمر كان صعبا لأننا "صعايدة"، ولا يتقنع أحد بممارسة فتاة للرياضة بسهولة، لكن أمي قامت بالمخاطرة، ووالدي لم يكن يعرف بأني ألعب تلك الرياضة.

- ولك أن تتخيل أنني تخفيت منه لمدة 12 عاما كاملة، لم يكن يعرف خلالها أنني أمارس كرة اليد.

وكيف علم بالأمر؟

- بدأت في نادي ناصر بالكيت كات (منطقة بالجيزة) وكان الاشتراك 7 جنيهات، ووالدتي تحملت مشقة مرافقتي في الذهاب والعودة، وكنت أعاني للذهاب إلى التدريبات، اعتدت ركوب أتوبيس النقل العام وكان السائق يعرفني جيدا وخصص لي كرسي بجانبه.

- بعدها انتقلت لمركز شباب الساحل، وكانت والدني تفهم وقتها قواعد اللعبة وكان الجميع يقولون لها إن ابنتك موهوبة ويجب أن يتم تنمية تلك الموهبة، ومع تألقي انتقلت للأهلي ومجلة النادي كتبت عني لتعريف الجماهير بي، وصديق والدي كان يشتري تلك المجلة.

- عندما رأى صورتي واسمي قال لوالدي أليست هذه ابنتك، وهنا عرف أنني ألعب في الأهلي، جاء والدي إلى المنزل بالمجلة وظننت أنه سيعاقبني، إلا أنه فاجأني باحتضاني، بعدها بعدة سنوات مات ولم أحضر جنازته لتواجدي بأحد المعسكرات.

وما هي أهم إنجازاتك في مصر قبل الاحتراف؟

- حصلت على أفضل لاعبة في بطولة المنطقة (القاهرة) وكنت لاعبة في النادي الأهلي، وللعلم فقد احترفت خارج مصر وعمري 18 عاما فقط، وكان ذلك خلال أول موسم لي في الدرجة الأولى.

- حصدت مع الأهلي بطولات الدوري وكأس مصر، فالفريق قوي للغاية في هذه اللعبة، وكان الإنجاز الأهم وقتها هو لعبي بالدرجة الأولى وأنا في ذلك العمر وكنت أصغر لاعبة في ذلك الوقت تحترف بالخارج.

كيف جاءت خطوة الاحتراف؟

- شاركت مع منتخب مصر مواليد 1992 في بطولة أفريقيا ببوركينا فاسو، وأنا من مواليد 1993 وتم تصعيدي، بعدها شاركت ببطولة أفريقيا بالمغرب، وعندها جاء عرض الاحتراف من نادي حواء سعيدة الجزائري ووافقت عليه وهنا بدأت رحلة الاحتراف.

- بعدها انتقلت للدنمارك حيث خضت البطولات الأوروبية القوية، والبداية مع نادي فينسيسل ثم خرجت للإعارة إلى بونسلوا.

وبعد الدنمارك انتقلت في 2015 إلى فرنسا لنادي "ACH" وتنقلت بين الأندية حتى وصلت إلى فريقي الحالي سان جينيان.

وماذا عن تأقلمك مع الحياة في أوروبا؟

- الأمر كان صعبا لكن الجيد هنا أنهم يحترمون خصوصيات الإنسان بصفة عامة، ولم أتعرض لأي مشاكل وكل شخص مهتم بشؤونه، كنت أقضي الوقت بين الصلاة والاقتراب من الله، والاتصال بأهلي، حتى أنني كنت دائما على اتصال معهم عبر "سكايب" طوال اليوم سواء قبل أو بعد التدريبات.

- الحمد لله ما حدث توفيق من الله وبسبب دعاء أمي لي وكنت أشعر دائما أنني قوية، وشعرت بالأمان بالصلاة والخروج والاتصال دائما بأهلي، وكذلك كان معي محترفات من بلدان مختلفة.

وهل كانت معاناتك مع اللغة كبيرة؟

- بالطبع إتقان اللغة كان صعبا جدا، وأتذكر عند سفري للجزائر لم يكن الأمر سهلا أبدا لأنهم يتحدثون كثيرا بالفرنسية، وظللت لنحو شهر أبكي لعدم معرفتي بما يقولونه أمامي وبعدها تعلمت بالتدريج.

- عند سفري للدنمارك كان الحديث باللغة الإنجليزية، وكنت أتحدثها لكن ليس بطلاقة، وعلموني هناك التحدث بها بطريقة احترافية.

- في فرنسا تعلمت اللغة من جديد لأن هناك اختلافا كبيرا بينها وبين الدارجة في الجزائر، وحصلت على كورسات عديدة، وأشغل وقتي بتعلم اللغة وزيادة مستوى الثقافة لدي.

ما هو وضع فريقك الحالي في الدوري؟

- الأمور هنا صعبة جدا بسبب جائحة كورونا، ولم نلعب منذ سبتمبر/أيلول الماضي سوى 3 مباريات فقط، وننتظر بعد مرور أعياد الميلاد لتحديد هل سنستأنف النشاط أم لا.

كيف ترين عدم وجود منتخب للسيدات لكرة اليد في مصر؟

- للأسف هذا الأمر محزن للغاية وناشدت المسؤولين كثيرا، وطالبتهم باختيار منتخب والمشاركة بالبطولات الرسمية، خصوصا أن مصر بها الكثير من المواهب المميزة التي تنتظر أن يتم تقديمها للعالم.

- في مصر لا حياة لمن تنادي، عدم تواجد منتخب للسيدات مشكلة كبيرة، وبالتالي لن يعرف أحد باللاعبات المصريات رغم تميزهن في اللعبة.

- لاعبات مصر قادرات على مقارعة المنتخبات الكبرى، لكن يجب أولا أن ندشن منتخبا نسائيا حتى ننافس على المستوى الرسمي.

- آخر مرة تم تشكيل منتخب للسيدات في مصر كان في 2012 وبعدها احترفت، والمواهب المصرية مدفونة وأي لاعبة تخشى على نفسها من العقوبات لو تحدثت عن ضرورة عودة منتخب مصر للسيدات.

ومتى يمكن تشكيل منتخب للسيدات؟

- لا أعرف متى للحقيقة ولكن اتحاد اليد المصري لديه الإجابة، لكن عموما أرى أن الأمر بات صعبا ولن يشكل منتخب مصري للسيدات، يمكن أن يحدث ذلك مثلا بعد 20 عاما، عندما تتغير الوجوه والمسؤولين.

- مصر الآن ليست على الخريطة الدولية لليد على مستوى السيدات، وكل المسؤولين عن اللعبة لا يروننا أصلا، ومن قبل كلما شاركنا كنا نحقق نتائج جيدة لكن الأمور لن تتبدل إلا إذا تم تغيير المنظومة تماما.

كيف ترين استضافة مصر لمونديال اليد للرجال العام المقبل؟

- أمر جيد ونقلة أخرى لمصر خصوصا من الجانب السياحي فالعالم كله سيتابع البطولة، والقدر من عند الله أراد الخير لمصر بهذا الأمر، والتنظيم سيزيد من حسن صورة مصر أمام العالم وأثق في أن منتخب مصر سيسعدنا جميعا بإذن الله.

ما رأيك في مجموعة مصر؟

- المجموعة ليست سهلة فكرة اليد حاليا تغيرت عن الماضي، وتعتمد على الذكاء ورد الفعل والقوة البدنية وغيرها من الأمور التي تجعل المباريات صعبة.

- لكن نحن نثق في قوة منتخب مصر والمجموعة (السويد والتشيك وفريق من أمريكا الجنوبية) ليست صعبة ولكنها ليست سهلة أيضا، لكني على ثقة من تحقيق إنجاز مصري في البطولة.

ما هي وجهتك بعد الاعتزال؟

- إلى الآن لم أحدد موعد اعتزالي لأني في الـ27 من عمري، وأرى أنني سنوات في مشواري وسألعب كثيرا، لكن حين يحين الموعد سأقرر ماذا سأفعل.

- عموما أنشغل الآن بحصد البطولات والألقاب الفردية وأطمح لتحقيق أرقامًا مميزة مع فريقي الحالي وبإذن الله تمر أزمة كورونا وبعدها سنرى ما سيحدث، وأؤكد أنه طالما امتلكت الصحة والقدرة على الجري سأستمر في الملاعب.



كيف ترين ما يحققه محمد صلاح؟

- صلاح نجم كبير ويشرفنا جميعا بالخارج، وكذلك محمد النني وتريزيجه، ونحن نفتخر بهم جميعا، في فرنسا عندما يتحدث أحد عنه أتحدث بفخر وأقول لهم إنه من بلدي، خصوصا أنه مجتهد وطموح وبدأ من الصفر.

- أنا مشواري مشابه لصلاح في كثير من الأمور، لكنه بالطبع أشهر مني خصوصا أن الاهتمام كبير بكرة القدم، وأتمنى أن يكرر كل أرقامه المميزة مع ليفربول ويواصل تشريف مصر بالخارج.

- وللعلم في فرنسا هنا يتحدثون عني كثيرا والصحف تفعل ذلك وأحرص على شرائها والاحتفاظ بها لأولادي بإذن الله في المستقبل وما أقوم به لنفسي ولأهلي ولأبنائي فيما بعد.

ما رأيك في رحيل رمضان صبحي وإكرامي وغيرهما عن الأهلي؟

- حزينة عليهما، الأهلي لا يقف على أحد وأي لاعب خارج جدران النادي لن يحقق إنجازات وبطولات، ومن قبل وصلتني عروض قوية ومنها من الزمالك لكني رفضتها جميعا لأن حبي وانتمائي للأهلي فقط، وهو صاحب فضل كبير علي بعد الله سبحانه وتعالى.

أخيرا رسالة للجماهير المصرية؟

- أود أن أشكر كل من دعموني منذ البداية حتى اليوم، خاصة جمهور الأهلي الذي يدعمني بقوة ويساندني حتى في مشواري بأوروبا.

- كلمات جماهير الأهلي حتى اللحظة تدفعني للعمل، وروح الفانلة الحمراء ترفرف داخلي، وأنا أشكرهم كثيرا وبهم لا أحتاج لحديث الإعلام عني.

- أقول لأي فتاة ترغب في اللعب والاحتراف، عليكي بالتمسك بحلمك لأن الله سيساعدك طالما تحاولين النجاح، وأقسم للجميع أن من يتمسك بحلمه سيحققه مهما كانت الظروف.