البداية .. مباراة مثل أي مباراة، الأهلي والمصري في استاد بورسعيد.. فريقان يلتقيان في سعيهما إلى 3 نقاط، صراع عادي بين جمهورين إلى حد ما متعصبين، متعصبين إلى درجة "السباب"، أو على أقصى تقدير ضرب الطوب.. هذا آخرهم، ولابد من عقابهم عليه..

ثم دخل الفريقان إلى أرض الملعب، وهنا بدأ القلق يظهر في المدرجات، وإن دخلت الشماريخ من الباب خرج الأمن من الشباك.

فهيم عمر حكم اللقاء، وهو أمر مريب، فليس من المنطقي أبدا أن يحكم الحكم الأكثر قسوة وجرأة، وتهور في بعض الأحيان للقاء هو في الأساس "متكهرب" دون أن "يكهربه" أحد، ولكن فهيم لم يخطئ.

وخرج الأهلي خاسرا وحزينا من اللقاء، ولكن فجأة لحظة الخروج جاءت إشارة انفجار أسوأ أزمة كروية في تاريخ مصر، بعدما مرر الأمن الآلاف لأرض الملعب، ويبدأ السيناريو والحوار المعد سابقا من جانب "الطرف الثالث".

وجرى الرعاع (وهم من جماهير المصري) خلف لاعبي الأهلي وأثاروا الذعر والقلق ولكن هل قتل هؤلاء، وهل هم مأجورون؟ الإجابة الجاهزة في عقل البعض.. نعم قتلوا وستجد متفذلكون سيقسمون أنه لا يمكن أن يكون هؤلاء الآلاف.. مأجرون.
طبعا إجابة خاطئة وتنم عن غباء متناهي، أو شراكة في التآمر.. لماذا؟ لأن القتلى قُتلوا في أعلى المدرجات وقذف بأغلهم من أعلى نقطة في الاستاد على يد المأجورين الذين هم قلة وعددهم ليس بالكبير، أي أن الرعاع الذين نزلوا أرض الملعب هم مجرد رعاع كان الهدف من إنزالهم التغطية على ما يحدث.. فوق!
يحاولون القول أنه كان هناك قصورا في عدد قوات الشرطة الموجودة في الاستاد ويوهمون الجميع بإقالة مدير الأمن التي في أغلب الأحوال لن تكون أكثر من نقله إلى إدارة أخرى، ولكن الصور تقول أن الأمن كان بكميات كبيرة وكان متوفرا في أسواق بورسعيد.. عفوا في استاد بورسعيد.
كان موجودا.. نعم الصور لا تكذب..

كان موجودا بلبسه ولكن لم يكن موجودا بحزمه، كان موجودا بشكله ولم يكن له أي وجود بجوهره.
كان موجودا وليته ما كان موجودا، ولكن السيناريو والحوار المعد مسبقا يضعه في هذا الدور وهم لا يستطيعون الخروج عن النص.
[IMG]http://i.blog-wp.eurosport.com/wp-
content/blogs.dir/170/files/2012/02/402336_318067578235393_205388116170007_863393_2233 15264_n-300x225.jpg[/IMG]
دماء في كل مكان..
ومئات المصابين..

وكانت النتيجة عشرات القتلى.. مئات المصابين، دماء تنتشر في كل مكان، ليس المهم من يتم تعيينه شهيدا أم ضحية، ففي كلتا الحالتين هو مات وأهله ثكلى، هو راح عن الدنيا وترك ألم ودموع وأحزان في كل مكان، هو انتهت سيئاته في الدنيا الفانية، وتركنا جميعا ننغمس في السيئات.

شباب هم مستقبل البلد وحاضره، راحوا ضحايا، أو أصيبوا، وأصدقائهم يحملون ثأرهم وهمهم، وعواجيز القبر أولى بهم يحكمون ويتحكمون، ويقتلون ويسيطرون وهم الطرف الثالث الحقيقي.
[IMG]http://i.blog-wp.eurosport.com/wp-
content/blogs.dir/170/files/2012/02/000_Nic6056684-300x199.jpg[/IMG]
شباب لم يعرف الأحزاب ولا التكتلات السياسية، ولا سفسطائيات الليبرالية واليسارية واليمينية، شباب لم يعرف في حياته الحزبية سوى حزبين، الأهلي والزمالك، شباب يرى الدنيا من منظور كرة القدم، هي نافذته على العالم، ولكن يبدو أن مذبحة بورسعيد وسعت مداركهم، ولكن طبيعتهم العنيدة المثابرة تدفعهم للانتقام، والثأر من العدو الحقيقي، وليس العدو المتورط، من الشرطة وليس من أهالي بورسعيد الذين كان دورهم فقط الإخراج، فهمها الشباب وهم صغار السن، بينما الكبار مازالو يتجادلون، والعواجيز ما زالوا يخططون.

لأنه جيل تعود على الفهم، والاضطلاع، جيل يواجه جيل من العواجيز المعاندين المتشبثين، عواجيز عاصروا عصر اختراع الراديو، وكان التليفون والتليفزيون بالنسبة لهم أهم اختراعات العصر، أمام جيل ولد في عصر الإنترنت يلعب الحرب ألف مرة على البلاي ستيشن.

وما يدمي القلب في مواجهة الشباب والشرطة أن شباب واع يتواجه وجها لوجه مع شباب آخر، هم أقل وعيا، ولكنهم في النهاية أبناء مصر، ويضيع الدم هنا وهناك، وتفقد مصر خيرة شبابها، بسبب عناد مجموعة من المعاندين، أصغرهم في سن 60 عاما، وهم الطرف الثالث.

ستعيش مصر بشبابها، وليذهب العواجيز إلى الجحيم.. هي ليست كرة قدم، ولكنها فعلا مباراة، مباراة بين الشباب.. والشباب يديرها الكهول، والخاسر هو الشباب ومصر.